العدد 3754 - الأحد 16 ديسمبر 2012م الموافق 02 صفر 1434هـ

أحمدي نجاد وجلال الدين الرومي... علاقة في التلمذة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم الإثنين، يزور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد تركيا. أنقرة قالت بأن: «الزيارة هي تلبية لدعوة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، للمشاركة في فعالية ثقافية».

وكالة أنباء الأناضول أضافت على الخبر، بأن مشاركة نجاد هي في فعاليات «شعب العروس»، التي ستقام بمدينة قونية، وسط تركيا، إحياء للذكرى الـ 739 لوفاة الأديب والفقيه الصوفي، وأحد روَّاد الشعر الفارسي محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي المعروف بمولانا جلال الدين الرومي (1207 - 1273).

بالتأكيد، فإن ارتحال رئيس جمهورية دولة محورية، ومن عظام رقبة الجغرافيا السياسية في العالم، لدولة أخرى، لا يمكنه أن يكون (فقط) لحضور «فعالية ثقافية»، وسط صراع عالمي بارد على صفيح الأزمة السورية، وإيران وتركيا طرفان أساسيان فيها.

هذا الأمر تكرَّر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما زار رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني تركيا، وقال الإعلام الرسمي في البلدين حينها، بأن الزيارة تأتي لحضور الرجل مراسم إحياء ذكرى عاشوراء في مدينة اسطنبول، ثم تبيَّن أن الأمر أكثر من ذلك.

إيران وتركيا أشبه ببطَلي تايكوندو، يتبارزان ليس على نيل رقم عالمي، بل على تسجيل نقاط، في مباراة لا تنتهي. هذه المبارزة فيها درجة عالية من الحذر في تسديد الضربات، لكنها أيضاً، فيها درجة عالية من احترام لقواعد الاشتباك. هذا التوصيف للعلاقات الإيرانية التركية في الحقيقة، تسنده الوقائع، وليس الخيال. فلو أحصِيَت مواضع النفوذ والصراع بين الطرفيْن، فإنها ستكون حساسة جداً. ولو أن طرفين آخرين غير طهران وأنقرة تنازعا عليها، لكان الأمر أقله حرب محدودة، خصوصاً وأن جلها مواضع ذات صلة بالأمن القومي والاستراتيجي للبلدين معاً.

العراق، سورية، أرمينيا، آذربيجان، أوروبا، روسيا، جنوب وشمال المتوسط، هي أبرز نقاط الصراع الخفي بين الإيرانيين والأتراك. ثم يلي ذلك، العديد من الارتدادات الطبيعية لتلك النقاط. العراق، هو محطة نفوذ إيراني كبير جداً. هي تبدأ من جنوب العراق حتى شماله حيث مناطق الأكراد. ورغم أن هذا الشمال، هو اليوم في حالة تساكن مع تركيا بشكل واضح، عن طريق مسعود بارزاني رغم كرديَّته، إلاَّ أن الإيرانيين لديهم نفوذ في هذه المنطقة أيضاً عن طريق القطب الكردي الآخر جلال طالباني، والتي على إثرها تقوم إيران بالالتفاف على العقوبات الأميركأوربية وقتال حزب بيجاك.

سورية، منطقة نفوذ إيراني خالصة وصولاً إلى لبنان والأردن وشرق المتوسط.

وتركيا اليوم، أخلَّت بالميزان التاريخي في هذه المنطقة، عندما قررت ضرب النظام السوري الحليف مع طهران، وذلك لإحداث توازن مع نفوذ جارتها الكبير في العراق والواصل حتى حدودها، وأيضاً لتكريس واقع اقتصادي جديد، يبدأ من الخليج وينتهي إلى وسط أوروبا، عبر خط يمتد من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى سورية ثم تركيا وانتهاءً إلى وسط أوروبا. وهو خط طاقة جديد، إن تم فإنه سيقلب العديد من توازنات المنطقة، في ظل إصرار روسي على إبقاء غاز بروم كلاعب أوحد باتجاه أوروبا.

أرمينيا وآذربيجان، هما منطقتان حيويتان للصراع التركي الإيراني. فتركيا تدعم أذربيجان، وإيران تدعم أرمينيا في صراعهما على ناغورني كاراباخ.

أذربيجان، ونكاية بالموقف الإيراني، أقامت علاقات وثيقة مع أميركا و»إسرائيل»، وعقدت صفقات السلاح معها عبر البوابة التركية. أرمينيا، ونكايةً بتركيا، أقامت علاقات وثيقة بمنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود، وإرهاق السوق التركي ومد أنبوب غاز عبر البوابة الإيرانية، فضلاً عن ترتيباتها الأمنية مع طهران وموسكو.

حول أوروبا، فإن الصراع الأكبر هو حول الطاقة. فتركيا اليوم هي بوابة الغاز الإيراني إلى وسط أوروبا، وكذلك إلى النمسا وألمانيا وسويسرا واليونان. المشكلة هنا، أن مسألة الطاقة في أوروبا تحددها المصالح الأوروبية الروسية. فروسيا هي الأقرب إلى طهران من أنقرة بسبب التنافس حول غرب آسيا وشرق أوروبا. واليوم، مع وجود إمدادات الغاز الروسية، وزجر موسكو لأي مسعى أوروبي لتغيير هذه المعادلة، سواء عبر جورجيا أو أوكرانيا أو أذربيجان، وتشييدها لمشروع السيل الجنوبي مؤخراً، فإن إيران هنا تصبح بيضة قبان للطرفين، كونها مُصدِّراً نفطياً لوسط أوروبا، فضلاً عن تجاورها مع تركمنستان في بحر قزوين، الذي يسيل لعاب الغرب لجعله مصدر غاز مشروع نابوكو الضخم.

أما حوض المتوسط، فإن تركيا يبقى مجالها الطبيعي نابعاً من جغرافيتها، لكنها ليست جغرافيا حرة، كونها متشابكة مع المصالح الروسية، القادمة من بحر أزوف فمضيق كيرتش والبحر الأسود ثم مضيق البسفور فبحر مرمرة فمضيق الدردنيل وصولاً إلى بحر إيجه. أما الإيرانيون، فإنهم يعتمدون على الشواطئ السورية كنقطة انطلاق، صوب سواحل الشمال الإفريقي. وهنا، تبدأ قصة التنافس الإيراني التركي في هذا المجال. وقد أرخى التغيير السياسي في مصر المجال للإيرانيين، أن يصلوا إلى هذا البحر، عبر السويس ثم إلى جبل طارق فالمحيط الأطلسي.

هذا التنافس الإيراني التركي، ضمن هذه البؤر السبع، لا يعني انتهاء مفاعيل ذلك التنافس، حيث يجب ألا ننسى بأن إيران هي بوابة حقيقية للأتراك للوصول إلى وسط وجنوب شرق آسيا، وهي المجالات الأكثر حيوية للأتراك في سياستهم الجديدة، بالتوجه إلى الشرق، لابتزاز أوروبا.

وتركيا بدورها، هي بوابة مهمَّة جداً لإيران للوصول إلى وسط وشرق وغرب أوروبا، لتعزيز تبادلها التجاري، وبالتحديد في مجال إمدادات الطاقة. وبالتالي، فإن القضية أبعد من مسألة صراع أهوَج.

أمام كل هذه المعطيات، والمصالح المتشابكة، والظروف الدولية الحساسة، لا أظن أن تصريح رئاسة الوزراء التركية بأن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد سيزور تركيا لحضور فعالية مولانا جلال الدين الرومي! فإذا كان هذا الفقيه الصوفي الكبير، المسجَّى في قبره بمدينة قونية التركية (وسط جنوب الأناضول) يقول: «أشدو للسُّعداء، وأنوحُ للبائسين، وكلٌ يظن أنني له رفيق»، فهذا يعني، أن تلميذ حضارته أحمدي نجاد لن يقوم بأقل من هذا أيضاً: الشَّدْوُ مع السعداء، والنَّوْحُ مع البائسين، حتى يظن الاثنان (سعداء الرومي وبائسو السياسة) أن نجاد رفيقٌ لكليهما.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3754 - الأحد 16 ديسمبر 2012م الموافق 02 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 2:44 م

      ديرتك و هلك أولى بالكتابة من إيران و غيرها.

      ياخوي غثيتنا بإيران واحمدي نجاد، آقول الأزمة في بلادنا وصلت للشرق والغرب، وانت إميوّد لنا سالفة إيران ليل و نهار و تارك فضية ديرتك وهلها!!!

    • زائر 7 | 2:21 م

      تحليل ممتاز

      انا اتحسر كثيرا عندما ارى علاقة الأيرانيين بالأتراك و آلياتها، الأيرانيون اولا و الأتراك ثانياً يعملون على استغلال ضعفنا نحن العرب احسن استغلال في علاقات غير متكافئة و تسلطية . بينما لو كنا نجبرهم على احترامنا لكان الوضع في الشرق الأوسط بأحسن حال.

    • زائر 5 | 2:30 ص

      تحليلات غريبه

      كمقولة ايران صديقة لإسرائيل وأمريكا في الخفاء والحين كاتبنا يكتشف ايران وتركيا يتآمرون في الخفاء واحمدي نجاد مستحيل يحظر فعالية

    • زائر 6 زائر 5 | 9:03 ص

      تعليقك لمكان آخر يبدو

      يبدو أنك تقوم بالتعليق على مقال آخر أو أنك لم تكمل قراءة المقال . النمرة غلط

    • زائر 2 | 12:47 ص

      هل لديكم سفارة اسرائيلية ايها الاسلاميون الاتراك؟؟

      سؤال للسيد اردوغان : هل توجد سفارة اسرائيلية في أنقرة؟؟؟؟؟ هذا يكفي

    • زائر 1 | 12:22 ص

      خسارة من الجانبين

      اقارن تركيا اليوم مع الامس فارى كيف امتنع الغرب عن قبولها في اتحاده الاوربي وارى كثير من العرب لا يحبون بها بسبب ميل سياستها للاستحواذ والنفوذ . يعني خسارة من الجانبين

اقرأ ايضاً