الرمز هو ذلك التحدي الذي واجه وعانى وصمد، عمد إلى تراكم تجربته وعلمه ووعيه، فتحول مع الزمن بحلوه ومره إلى رمز يلتف حوله الناس ويتحلقون حول مواقفه ورؤاه وأفكاره.
يمر الزمن والرمز مقدر محترم، وإذا كان مدعوماً مسدداً من قوة إلهية فهو في موقعية يدرك المسلمون والمؤمنون بالغيب أن مكانته أرقى وأهم من مجرد الكفاءات والطاقات التي يمتلكها، لأنه حينئذ يتحول إلى مقدس، يناله من الاحترام ما منحته له تلك القوة المطلقة التي خلقت الخلق وأوجبت عليهم التكاليف والنظم والأحكام.
التاريخ يقول ان الرمز يستمر وتستمر تعاليمه ورؤاه حتى يخلف خلف بعد خلف فيعمدون إلى قتل الرمز، قتلاً بارداً ناعماً خفيفاً، لا يُشعر به في أغلب الأحيان، لأنه قتل لا يتضح للناس فيه تعمد القتل للرمز، بل العكس من ذلك هو ما يتصوره الناس.
كنت أتأمل حديثاً للإمام علي (ع) يقول فيه «هَلَكَ فِيَّ رَجُلانِ مُحِبٌ غَالٍ ومُبْغِضٌ قَالٍ»، المبغض هو من يقتل ويحارب بعنف، فيُعرف وتتضح صورته، ولذلك تتحداه القوى المحبة وتمنعه من إكمال مهمته، لكن المحب إذا غالى فإنه يقتل ولكن بصمت وهدوء، ولا يجد من المحبين من يعترض عليه، لأن غلوه يجعل المحبين في حيرة، فيلتزم أغلبهم الصمت والسكوت، والأغلب لا يرون ولا يميّزون أن الأمر غلو.
أن يقتل الرمز من يفتخر بانتمائه إليه لم يعد أمراً يحتاج إلى بحث وإثبات، فلدينا الكثير من المعطيات التي وفرتها تصرفات المتدينين، وعكسها الإعلام للعالم أجمع، على شاشات التلفزيون والفضائيات الطائرة حول العالم.
شباب بهياكل ولمسات دينية لا يتورعون عن الهجوم على المساجد ودور العبادة، ويمارسون التفجير والقتل فيها، وهم يتحدثون عن توحيد الله ويرفعون راية الاسلام، وعلى صدورهم يعلقون القرآن.
لقد رأينا كيف حاول الغرب الاستفادة من ردة الفعل التي خرجت عن المعقولية والمقبولية في بعض الأماكن، بعد أن أسيء للرسول (ص) فخرجت بعض الجموع لتحرق وتقتل وتخرب، ما دفع بعض الجهات إلى تأكيد أن ما ذكر في الفيلم المسيء عن الرسول (ص) كان سليماً، هكذا كاد الرمز يقتل بتصرفات المحبين له.
الصراعات الطائفية في وسطنا الاسلامي تكشف تماماً كم هي الأعمال التي نقوم بها فتصيب رموزنا بمقتل ما كانوا يخشونه من أعدائنا، ولم يكونوا يتوقعونه منا. أحياناً لساننا يقتل رمزنا، وأحياناً تصرفاتنا تجعل من حولنا وليس من يعاندنا يمتلئ عقله بالتساؤلات: هل هكذا يأمرنا ويعلّمنا رمزنا.
«كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم»، كلمات جميلة للإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، ولعل في قوله «لنا» و «علينا» إشارة واضحة إلى أن حسن السيرة في الأتباع هو حياة وامتداد جديد للرمز ليكسب ثقة أكبر وساحة أوسع ومكانة أكثر تميزا.
ليس بالضرورة أن كل من يحب رمزاً يحافظ عليه، ويمده بالحياة ويزيده قوة وحيوية، أحياناً تكون التصرفات الرعناء بمثابة الرصاص الذي يطلق على الرمز فيؤذيه ويصيبه بالضرر، لذلك فمسئوليتنا تجاه إلهنا وقرآننا ورموزنا تستوجب التفكير الدائم منا كي تكون سلوكياتنا ومواقفنا دائماً في موقع الحب الصحيح لهم، والدافع لإقبال العالم عليهم.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3754 - الأحد 16 ديسمبر 2012م الموافق 02 صفر 1434هـ