تلعب الرسائل الإيجابية التي يتلقَّاها طلبة المدارس، خصوصاً من المسئولين في وزارة التربية والتعليم، دوراً كبيراً في تحفيزهم نحو بذل المزيد من الجهد والاهتمام للارتقاء بمستواهم التعليمي والأكاديمي لنيل أعلى المعدلات الدراسية.

من جملة هذه المسائل المهمة التي باتت تشغل بال الكثيرين من الطلبة والمعلمين والمهتمين بالشأن التعليمي منذ فترة «عدم تكرار الكم المعرفي المتعلق بامتحانات منتصف الفصل الدراسي في الامتحانات النهائية، وأذكر أنني نشرت مقالاً في أبريل/ نيسان من العام الماضي 2011 هنا في صحيفة «الوسط»، بعنوان: نداء الطلبة: «نعم .. لنتجاوز الكم المعرفي ومواد المنتصف»، وأشرت فيه إلى توجيه وزير التربية والتعليم، ماجد النعيمي، للمسئولين في الوزارة بإجراء بعض المراجعات في نظم التقويم والامتحانات، لتشمل التركيز في الامتحانات النهائية على ما هو جوهري في المناهج الدراسية، والتخفيف من التفاصيل غير الضرورية، والعناية بالكفايات والإتقان وليس بالكم المعرفي.

إلى جانب محور حديثنا لهذا اليوم، وهو عدم تكرار اختبار الطلبة في الامتحانات النهائية التي سبق اختبارهم فيه في امتحانات المنتصف على صعيد المعلومات (راجع الخبر من الموقع الإلكتروني لوزارة التربية والتعليم، الأربعاء 27 أبريل/ نيسان 2011). ربما تتفقون معي بأن طلبة المدارس يعيشون في هذه الأيام سباقاً مع الزمن، حيث يقترب موعد الامتحانات النظرية لنهاية الفصل الدراسي الأول لطلبة المرحلة الثانوية يوم الثلثاء (8 يناير/ كانون الثاني 2013)، وذلك حسب دليل الامتحانات والعطلات المدرسية، فكان لابد لنا من التذكير بوضع هذه المسألة على سلّم أولوياتنا قبل موعد عقد الامتحانات، باعتبارها حقاً من حقوق الطلبة التي تخصّهم بالدرجة الأولى.

لنتصور معاً المسألة من بعدها السيكولوجي، فكيف سيكون شعور الطلبة على اختلاف مستوياتهم العقلية والمعرفية إذا ما أصدرت وزارة التربية والتعليم قراراً رسمياً بإلغاء الكم المعرفي الوارد في المنتصف وعدم تكراره في النهائي؟ وكيف سيكون شعور طلبتنا الأعزاء فيما لو طُلب منهم الاقتصار على مراجعة الكتاب للامتحان النهائي (على سبيل المثال) فقط من الصفحة رقم 61 ولغاية 120، وليس كما كان معمولاً به في السابق من الصفحة رقم 1 ولغاية 120؟ حتماً سيفتح هذا القرار آفاقاً أكثر حيوية ودافعية بالنسبة إليهم؛ لأنه ينمُّ عن رغبة حقيقية في تطوير النظام التعليمي وتجاوز الأطر التقليدية التي لازمت نظم التقويم والامتحانات لسنوات عدة دون التجرؤ على إعادة تقييمها ودراسة جدواها وأثرها على العملية التعليمية/ التعلمية برمتها.

كما سيساعد هذا القرار، في حال دخوله حيِّز التنفيذ بإذن الله تعالى، الطلبة ليكونوا أكثر استعداداً واهتماماً بالمذاكرة منذ الآن، والتعامل مع الكتاب المدرسي المقرر بمنظار كيفي لا كمي فحسب، والارتقاء بنوعية أسئلة الامتحانات التي من المفترض أن تقيس قدرة الطلبة على توظيف المهارات العليا في التفكير لا مجرد الحفظ والاستظهار والتذكّر.

هذا التوجُّه سيجعل من أبنائنا وبناتنا الطلبة أكثر قدرة على تلمُّس فلسفة التعليم والمفاهيم التربوية ذات الجودة العالية كالتفكير الناقد والتفكير الإبداعي والفهم والتحليل والتركيب والتقويم وغير ذلك.

يحدِّثني صديق جامعي عن فترة دراسته في برنامج الماجستير بإحدى الدول العربية بأنه في الأسبوع ذاته الذي فاز فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما في ولايته الأولى في العام 2008، كان من ضمن أسئلة امتحان مادة التاريخ الحديث سؤال مضمونه: بصفتك طالباً وباحثاً في شئون التاريخ الحديث والمعاصر، كيف تقرأ مستقبل الشرق الأوسط بعد وصول الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى سدة الرئاسة؟ يقول الصديق معقِّباً: لقد أدركت حينها أن واضعي أسئلة الامتحانات على درجة عالية من الكفاءة والمهنية والوعي بمتطلبات التعليم ومدى مقاربتها للواقع، وذلك لن يتحقق إلا بعد تقليص الحشو والإضافات والكم المعرفي في الامتحانات النهائية، واعتماد منهجية علمية دقيقة في إعداد أسئلة الامتحانات بشكل يُراعى فيه التمايز بين جميع الطلبة وتحدي قدراتهم المتنوعة وتنمية حسَّهم النقدي.

كما سيستفيد من القرار في حال تعميمه فئات أخرى من المتعلمين كطلبة المنازل، الذين يتساءلون بدورهم عن جدوى تكرار أسئلة المنتصف في النهائي، وبالتالي سيلقي هذا القرار بظلاله على تقليص نسبة الرسوب بشكل عام وهو ما نتطلع إليه جميعاً.

نتعشم خيراً في الوزير النعيمي والوكيل المطوع باعتماد هذا القرار قبل حلول موعد الامتحانات النهائية التي من المتوقع أن تُجرى في النصف الأول من بداية العام الميلادي الجديد، علماً بأن الفترة الدراسية المتبقية قصيرة جداً، مع الأخذ بالاعتبار الظروف التي يمرُّ بها عموم الطلبة بالمرحلة الثانوية تحديداً، حيث يتنافسون في الحصول على أعلى المعدلات التراكمية التي ستؤهلهم للحصول على البعثات والمنح الدراسية والالتحاق بأعرق الجامعات والكليات التي لا يمتحن الطالب في الامتحان الشهري الثاني ما سبق أن درسه في الكم المعرفي بالامتحان الشهري الأول، وهلمَّ جرا.