اشتريت كتاباً آخر من كتب الطبخ، بناءً على توصية من صديقة وإعداداً لولائم الأعياد، فتساءل زوجي: «كتاب طبخ آخر؟!» ولكن في هذه المرة، كان الكتاب أكثر من مجرد كتاب طبخ. عنوان الكتاب الذي نشر في أكتوبر/تشرين الأول هو «القدس: كتاب طبخ»، كُتب بالتشارك بين الشيف يوتام أوتو لينغي، المولود في إسرائيل، والشيف الفلسطيني سامي تميمي.
ما هو خاص بالنسبة لهذا الكتاب هو تصور فكرته. شخصان أتيا من نفس المدينة، أحدهما من القدس الشرقية المسلمة بشكل غالب، والثاني من القدس الغربية اليهودية، ونشآ معاً يأكلان أطباقها الفريدة.
اجتمعا في لندن معاً لاستكشاف «جيناتهما في مجال الطهي» و»كشف المشاعر المرهفة والحروف الأبجدية للمدينة» التي جعلتهما «مخلوقات الطعام».
يتفق المؤلفان في مقدمة الكتاب أن لهما خلافات واضحة، «إلا أن الطعام كما يبدو يكسر هذه الحدود في فرص معينة. تستطيع رؤية الناس يتسوقون معاً في أسواق الطعام، أو يتناولون الطعام في مطاعم بعضهم بعضاً»، يشير الاثنان.
يتعرض المؤلفان كذلك إلى قضية الحمّص، التي يختلف اليهود والعرب على أصولها، بحيث يدّعي كل طرف أنها تخصه. يرى كل من الطاهيين في الكتاب أن وصفة الحمّص تشكل وصفة توحّد بينهما بدلاً من أن تفرّقهما. ويحتاج الأمر إلى قفزة هائلة من الإيمان، ولكننا على استعداد للقيام بها، أن نتوقع أن يجمع الحمّص في نهاية المطاف المقدسيين معاً، إذا لم يجمعهما شيء آخر.
يعرّف الكتاب القارئ على الفكرة بأنه رغم أن «أطباق القدس» متنوعة نظراً للأعراق المختلفة التي تشكّل المدينة، يهود من كافة أنحاء العالم، مسيحيون ومسلمون فلسطينيون، رهبان من الروم الأرثوذكس، وآخرون كثيرون، هناك بعض العناصر المشتركة في الأطعمة التي يمكن العثور عليها عبر المدينة.
يقول الطاهيان في كتابهما: «يستخدم الجميع، والجميع بشكل مطلق، الخيار المقطّع والبندورة (الطماطم) لإعداد سلطة عربية، أو سلطة إسرائيلية، حسب وجهة نظر الشخص».
في وقت تثبت الجهود العربية والإسرائيلية لوضع الخلافات جانباً أنها غير ناجحة، جاء هذا الكتاب مشكلاً نسمة من الهواء العليل. بتصويره المدهش، و120 وصفة عبر الثقافات تتراوح بين أطباق السمك والخروف وحتى الحلويات، أعجبني هذا الكتاب إلى درجة كبيرة، وبشكل خاص نتيجة لنقاش تم أثناء ورشة عمل عقدتْها منظمة البحث عن أرضية مشتركة حضرْتها الشهر الماضي. أشارت صحافية من القدس حضرت الجلسة أن بعض صديقاتها أخبرنها أنهن يرفضن الحديث مع يهود تضامناً مع القضية الفلسطينية. كان ردها: «لمَ لا؟ أنا فلسطينية أعيش في القدس وأتكلم مع اليهود. لماذا لا تفعلن ذلك؟».
الواقع الأليم للقضية، أن العديد من العرب والفلسطينيين في الشتات يوافقون مع مفهوم مقاطعة كل ما هو إسرائيلي أو يهودي، بمن فيهم الناس أنفسهم.
وهم يؤمنون أن ذلك هو أحد الأساليب لمقاومة الاحتلال وإرسال رسالة. إلا أنني أتساءل إذا كان هؤلاء الذين يتبعون هذا المنطق ربما يغيّرون أفكارهم إذا سمعوا أن المزيد من الفلسطينيين يتفاعلون فعلياً مع الإسرائيليين على أسس يومية. وأتساءل أيضاً إذا كان هذا الكتاب سيحقق قدراً ولو صغيراً من الفرق إذا قُدّم لهم، مثبتاً أن الفلسطينيين والإسرائيليين ليسوا وحدهم الذين يستطيعون التعايش فعلياً، وإنما هم قادرون كذلك على اتباع هذا العمل الجميل عن فنون الطهي. وكانت أول وصفة طبقتها من هذا الكتاب البرغر من لحم الديك الرومي، وأستطيع قول الكثير عن كم كانت تلك الوصفة مذهلة، بمكوناتها «المقدسية» الطازجة، ولكنني أفضل التركيز على النتيجة.
كانت أسرتي سعيدة بالنتيجة وتناولوا كل قطعة منها، إلا أن ما كان مميزاً في هذه الوصفة هو النقاش الذي أطلقته عندما قُدِّمت للضيوف على طاولة العشاء. حصل نقاش صحي حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية والتعايش والتسامح بين صديقتي البرازيلية أندريا وبيني، فوراً بعد أول لقمة من كرات لحم الرومي.
لا يوفر هذا الكتاب وصفات لأطباق جميلة لذيذة فحسب، وإنما يفتح الباب كذلك لجدل صحي. لذا، إذا كنت تبحث عن وصفة لطبق تقدمهُ بمناسبة الأعياد، فلا تواصل البحث. القدس، كما هو الحال دائماً، هي الجواب. صحتين وعافية.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3753 - السبت 15 ديسمبر 2012م الموافق 01 صفر 1434هـ