بعد مرور عامين على ثورة الياسمين في تونس يلاحظ على المشهد الحالي بأنه مشهد لا يخلو من الحيوية رغم الشد والجذب الحاصل بين العلمانيين والإسلاميين تلك الحيوية هي نتيجة طبيعية لممارسات تدعو إلى كيفية تقبل الآخر وهي مسالة ليست موجودة في تونس فقط ولكنها في معظم البلدان العربية التي مازالت تعيش بعقلية إقصاء الآخر أو فرض الرأي إمّا بحجة المعتقد أو بحجة الولاء للجماعة. ولهذا فهي تبقى أسيرة ممارسات عقيمة لا تنتهي إلا مع الوعي والصبر الذي يصاحب تغييراً حقيقياً في العقلية والممارسة.
ولو نظرنا إلى الديمقراطيات المستقرة في العالم فحالها يختلف عن حال بلداننا العربية؛ والسبب يرجع إلى أن التقاليد وثقافة الديمقراطية الحقيقية مازالت غير موجودة في مجتمعاتنا؛ ولهذا فإن المرحلة الانتقالية في تونس ومصر مثلاً تعيش حالياً مطبات كثيرة.
ولقد جاءت للشعب التونسي ليختار من يحكمه ويسقط من لا يريد أن يحكمه وكانت تونس أول بلد عربي رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» محققاً ذلك. وهو اليوم أيضاً بإمكانه أن يرفع من شأن حكومة «النهضة» المنتخبة أو يسقطها لأنه في حراك مجتمعي مستمر يريد أن يحافظ على مكتسباته التي حصدها في مراحل سابقة ويسعى إلى تحقيق مطالب أخرى مع عدم الإخلال بتوازن جميع القوى والأطياف داخل مجتمعه؛ أي ضرورة التأكيد على مبدأ «الوفاق الوطني» والمتعلقة تحديداً بالنمط المجتمعي الذي ميزه عن جميع البلدان العربية ولاسيما مع حقوق ودور المرأة داخل المجتمع التونسي وهو أمر يحظى بقبول كبير وجلي من قبل النخب والطبقة الوسطى.
وهو أمر أكدت عليه جميع الأطراف والقوى السياسية بما فيها الإسلامية على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من نمط المجتمع التونسي وأن المرحلة الانتقالية عليها أن تسير بشكل لا يؤثر على طبيعة وأسلوب الحياة داخل تونس. وقد تكون هذه المرحلة من أصعب الأمور التي يمر بها التونسيون وحتى المصريون اليوم ومستقبلاً في بلدان عربية أخرى وخاصة تلك التي مازالت تشهد احتجاجات يومية.
لكن ما يحدث في الساحة الداخلية أوضح بعد عدة أشهر الأداء غير المتزن للإسلاميين في تونس ومصر وكيفية تعاطيهم مع السلطة ما فجر الأوضاع الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية لغياب تعاطيها الحقيقي لمفهوم الدولة المدنية لتعود وكأنها تنتظر ثورة أخرى ضد نظام سياسي مستبد لكن هذه المرة منتخب.
وفي هذا الصدد نشر موقع العربية نت في (10 ديسمبر/ كانون الأول 2012) قراءة تحليلية للباحث التونسي منذر بالضيافي عما يحدث في المشهدين التونسي والمصري بعيداً عن المطالبة بدولة إسلامية ولكن بدولة مدنية كما أرادها شباب الثورات إذ كتب يقول: «ما عمق حالة الاستقطاب السياسي بين الإسلاميين وخصومهم من بقية التيارات اليسارية والديمقراطية، ليتحول مع مرور الوقت إلى انقسام مجتمعي حاد وغير مسبوق، في بلدان تميزت تاريخياً بانسجامها ووحدتها المجتمعية، وخاصة تونس التي تعرف بوحدتها الاثنية والمجتمعية وحتى الطبيعية. الأمر الذي خلّف بروز صراع سياسي، هو في الأصل بين نمطين مجتمعيين، واحد يستند إلى خطاب الهوية وتتزعمه الأحزاب الإسلامية، وآخر يقوم على فكرة الدفاع عن الدولة المدنية».
وأضاف بالضيافي «وتمظهر هذا الصراع، من خلال «معركة الدستور» في البلدين، حيث نجحت الأحزاب «العلمانية» أو الديمقراطية، في توحيد صفوفها، بعد أن أحست بالخطر المحدق، وبالتالي تعالت عن خلافاتها الفكرية والايديولوجية وصراع «الزعاماتية»، وقامت «بتجييش» الشارع من جديد، بعد أن وجدت مساندة وتضامناً من النخب وخاصة الإعلاميين، لتعود الحماسة الثورية للساحات والميادين، في مطلب واحد هو رحيل «حكم الإخوان»، وإعادة تصحيح مسار الثورة، التي لم ترفع - لا في تونس ولا في مصر - شعارات تطالب بتطبيق الشريعة، أو بدولة إسلامية، كما أراد لها الإسلاميون أن توجه».
إن التحديات التي تواجه الحكومات الإسلامية في الوقت الراهن - بحسب المراقبين - في كلٍّ من مصر وتونس ليست سياسية خاصة أمام ضغط النخب والشارع وإنما في السياسة الاقتصادية والاجتماعية وهي التي أصبحت محل غضب الشارع لكون هذه الحكومات لم تستجب لمطالبها؛ تلك المطالب التي فجرت ثورات الربيع العربي. لقد خسرت «النهضة» في محاصرة الحركات الاحتجاجية في تونس تماماً كحركة «الإخوان» في مصر. وبدلاً من الاعتراف بالأخطاء والبحث عن حلول حقيقية لجأت «النهضة» و «الإخوان» إلى تبني الحلول الأمنية والتهجم على المعارضين كالذي حدث للمعتصمين أمام قصر الاتحادية في القاهرة وآخر في مقر اتحاد الشغل بالعاصمة تونس... وهو ما يدعو إلى القول إن تونس ومصر قد يقبلان على ثورة أخرى خلال المرحلة الانتقالية حتى تكتمل صورة الدولة المدنية التي طالب بها شباب ثورات الربيع.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3753 - السبت 15 ديسمبر 2012م الموافق 01 صفر 1434هـ
تونسي حر
إن ما يحدث في تونس و مصر هي مايسمى رقصة الديك المذبوح فالله متم أمره و لو كره الكافرون
«النهضة» و «الإخوان» عليهم أن يعرفوا أن
الشعوب باتت واعية تماما بالألاعيب السياسية التي هم يسيرون عليها «النهضة» و «الإخوان»معتقدين أن هذه الألاعيب ستمر مرور الكرام على شعبيهم الذين قدمو أرواحهم لتغيير الأنظمة السابقة .