العدد 3752 - الجمعة 14 ديسمبر 2012م الموافق 30 محرم 1434هـ

كيف يُجيز «الدِّين السياسي» هذه الهرطقات في سورية؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استهلالاً يجب ألاَّ ننسى أن هناك انفصاما في الضمير لدى البشر. وهو في الحقيقة، من أشد الأمراض فتكًا بالأخلاق. من هنا، رأينا مَنْ يقول عن الأميركي في العراق انه محتل، لكنه يصف الأميركي في ليبيا بأنه نصيرٌ للحرية! هذه «المسْخَرَة» السياسية والفكرية والدينية تحتاج إلى وقفة بل إلى وقَفَات، يعيد فيها الإنسان صياغة مواقفه من أخلاقه وقيمه وثوابته.

دفوع هذا الكلام، ما يُحضَّر الآن في دوائر غربية لتدخل عسكري مباشر في سورية (وهو تجاوز على الاتفاق لانتقال سياسي فيها بحضور الأسد الشكلي والمؤقت). وعندما أقول سورية، فإنني أعني سورية الأرض والدولة والشعب والهوية، لا نظامها السياسي البالي الدكتاتوري الكاذب حتى في نشراته الجوية. ما يحضَّر لسورية اليوم، يتجاوز ثورة السوريين من أجل حريتهم. وما يحضَّر لسورية اليوم، منفصل عن حراكهم الميداني، وأهدافهم وتطلعاتهم، مثلما كان التحضير لغزو العراق قبل تسعة أعوام، متجاوزًا لانتفاضة الأهوار، وشارع المنصور في بغداد وهجمات الشمال.

بالتأكيد، فإن هذا التحضير الكولونيالي، لا يلغي الثورة، ولا يُجمِّد مشروعيتها ولا مشروعها، لكنه يجعلها أمام تحدٍ أخلاقي، يتوجب على نشطائها فيه القيام بخطوة أمامية وهي «خطوة التمايز». وما أعنيه بذلك، هو أن يُمايز المعارضون، مشروعهم الثوري، عن مشروع أميركي – أوروبي يتم طبخه على نار هادئة، ليس ضد النظام فقط، بل ضد الأرض السورية كلها. فليست الثورة على النظام تعني القبول بالمشاريع المناهضة له كيفما اتفق، حتى ولو جاءت «استعمارية»!

أدْرِك ما يعتري المعارضين السوريين من حِيرةٍ اليوم. هم يقولون: قاتلنا هذا النظام بأموالنا ودمائنا وأعراضنا. فكيف نصطف إلى جانبه الآن عندما تأتي جحافل الخارج لتجهز عليه؟! ثم ماذا يمكننا أن نفعل مادام الأمر قد تمّ، والغزو قادم لا محالة؟! هذه الحيرة مشروعة لديهم، لكن ما ليس مشروعا هو عدم حسم هذه الحيرة، وعدم اتخاذ قرار تاريخي، لا يستفيد منه النظام ولا الغزاة! وقد كابَد المفكر العراقي وميض نظمي، وصلاح عمر العلي وجواد الخالصي ما أمكنهم لكي يفعلوا ذلك في العراق واستطاعوا.

هنا يجب أن نؤكد، أن مواجهة الغزو الخارجي هو ليس دفاعًا عن النظام السوري المتهالك. بل هو دفاع عن حياض الأرض. إننا نقول دائمًا، ان هذا النظام لا مشروعية له في سورية، لأنه نظام قمعي، إذًا، لنترجم هذا الأمر، ونمايزه عن الدولة والأرض. فتراب سورية ليس هو النظام، وشعب سورية ومصالحها ومقدراتها ليست هي النظام، وإنما هي الهوية التي هو خارجها الآن. هذا الاختبار مع الأسف، فشِلَ فيه جيران سورية من كثير من ساسة العراق وهم اليوم يدفعون ثمنه، ومن الخطأ أن يقع فيه السوريون، وهم الأقرب إلى بعضهم، والسعيد من اتعظ بغيره كما يقال.

سيكمل العراق عشريَّته وهو لم يضع حَجَرًا على حَجَر. وحتى لو تعافى من محنته، فإن تعافيه، سيكون من كومة أرقدته سنينًا، لكنه لن يكون تعافيًا من أورام سرطانية، لَصَقت بعظامه ولحمه وشحمه وقلبه. قد يتصوَّر القارئ أن هذا الأمر هو تهويلٌ لا طائل منه، لكن الحقيقة، أنه أكثر مما يتصوَّرونه. ومَنْ يعتقد غير ذلك، فهو لا يقيس الأشياء كما هي وبشكل صحيح مطلقًا.

سورية اليوم على مفترق طرق. نَصَبَ الناتو منصات صواريخ باتريوت على الحدود مع سورية. والتصريحات المتصاعدة، عن وجود أسلحة كيماوية. ثم تواجد قوات إسرائيلية خاصة داخل سورية للبحث عن أسلحة كيماوية. ثم قول الأميركان ان نظام الأسد بات يستخدم أسلحة باليستية قصيرة المدى ضد شعبه، وألغام بحرية على داريا(!) يعني أن سيناريو العراق قد أكْمِل.

إذًا، سورية أمام «عدوان» خارجي. ولا أعتقد أنه يوجد مصطلح أكثر دلالة من كلمة «عدوان». فلا دخل ولا ربط موضوعياً أصلاً، يجعل بين معاداتنا ومناهضتنا للنظام السوري وبين أن نقبل بأن تكون معارضتنا لذلك النظام، بمثابة الشيك الأبيض يضع فيه الأميركيون ما يشاؤون من أرقام.

لا نريد أن نكون أحجار نرد في صناعة عالم يصوغه غيرنا ولكن بسواعدنا وعرقنا ودمائنا. علينا أن ندرك أن الثورة والشعب السوري سيكونون ضحية لصراع عالمي جديد، لم يستره الموقفان الأميركي والروسي على الأرض السورية. هم يقولون ان سورية جعلت العالم أمام حرب باردة جديدة، وهذا يعني، أن المصالح هي التي دفعت بذلك، وليس طموح الشعب السوري، لأننا جربنا من قبل كيف أن معاناة التشيليين ورغبتهم في الحرية لم تحرك عند الأميركي شعرة واحدة.

أتذكر أنه وفي الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الاول 2010 ألقى رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير كلمة في النادي الاقتصادي بشيكاغو يجب ألا ننساها أبدًا. بلير قال «يجب إعادة النظر في نظام وستفاليا (الذي شيَّد النظام الدبلوماسي للعالم ورسم حدود الدول)، ليحل محله نظام عالمي خالٍ من سيادة الدول». هذا ما قاله بلير ونشرته الصحف الأميركية، وهو جلي جدًا.

هذه الصورة، هي التي يراد للعالَم أن تكون عليه. وبالتالي هم طبقوها في العراق وليبيا ويريدون تطبيقها اليوم في سورية. هم يريدون إلحاق حلب بتركيا. والقامشلي بالجنوب الكردي، وأجزاء من حمص بالشمال اللبناني، وبالتالي تقسيم البلد إلى كانتونات، وهو عكس مطالب الثورة. هذه هي المشكلة. وما علينا سوى الإحساس بذلك فقط.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3752 - الجمعة 14 ديسمبر 2012م الموافق 30 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 1:35 م

      هدم وحرق المساجد

      اهذه الديموقراطية اللتي تدعمها الدول العربية و الغربية و ما ذنب المساجد هل هي تقف مع بشار ؟ فقوم يهدمون و قوم يحرقون ما لكم كيف تحكمون

    • زائر 10 | 4:49 ص

      إجتزاء غير دقيق و غير موفق

      تحليل مبني على تصريحات إعلامية و بعض التماثل في المقدمات! و ذلك لا يعني التماثل في صلب الغاية! أي مراجعة جيوسياسية سريعة للوضع الدولي و الإقليمي عام 2003 و عام 2012 تبين الفارق الكبير بين المعطيات و توازن القوى بل و حتى التباين ما بين قدرات النظامين و الجيشين في العراق و سوريا
      ما كان بالإمكان التفكير به قبل العدوان الأخير على غزة أصبح الآن صعبا جدا
      طول أمد الأزمة في سوريا هو نتاج التعنت الأميركي و الغربي في الإقرار بالواقع الدولي الجديد و عدم القدرة على مصارحة الذات . لم يعودوا سادة العالم

    • زائر 9 | 4:31 ص

      الأخ مجربي

      على مدى سنتين و الطائرات كما تقول تدك المدن هل تعتقد ان بعد خذه المدة ستجد حجر يدك او بشر حي

    • زائر 7 | 3:43 ص

      محرقي

      الاستاذ الفاضل محمد
      دائماً أسال نفسي لماذا بشار الاسد متمسك بالسلطة على حساب شعبه لماذا أختار دك شعبة بالطائرات والصواريخ والدبابات وأرتكاب المجاز بحقهم من أجل التمسك هو وحزبه بالكرسي
      بشار يرتكب خطأ صدام حسين بالتمسك بالسلطة على حساب وطنه
      بشار كانت فرصته كبيرة وهو النموذج اليمني ولكنه رفض بسبب ديكتاتوريته
      وكانت لدية فرصة أخرى وهي أن يسلم السلطة لمجلس عسكري ويقوم المجلس بأجراء أنتخابات تعدديه وهذا من أجل أن لا تدمر سوريا أو يحدث تدخل خارجي ولكن بشار فضل تدمير سوريا ومن عليها على ترك السلطة

    • زائر 5 | 1:29 ص

      شاهدت حرق مسجد شيعي في سوريا /مقزز

      شاهدت فيديو لجيش النصرة الإرهابية وهي تحرق مسجد شيعي و صاحب التدنيس عبارات طائفية مشحونة بالكراهية للآخر ولم نرى كيف تعاملوا مع من كان في المسجد هل سيكون اتباع جيش النصرة بديلا لبشار

    • زائر 3 | 12:39 ص

      لو كانوا

      ماذا لو كانت أغلبية المسلحين المعارضين للاسد في سوريا من الشيعة فهل كانوا مدللين بمثل ما هم عليه اليوم من الامريكان ؟؟؟؟

    • زائر 6 زائر 3 | 3:22 ص

      لو ولو ولو

      لو كانوا شيعة لأصبح بشار الأسد حامي الأمة والقومية العربية والمناهض للامبريالية ومحرر القدس وأن هؤلاء ماهم إلا أحفاد العلقمي

    • زائر 2 | 12:09 ص

      لولا النفرة المذهبية لكانت ثًورة سوريا من أرقى الثورات

      النفرة العصبية المذهبية التي أوكلتها مخابرات غربية مهمتها لمخابرات عربية و الأخيرة سلمتها لجماعات الكراهية إلمدجنة وغير إلمدجنة كجماعات القاعدة لتعيث في سوريا المجتمع فسادا تنتحر.

    • زائر 1 | 11:26 م

      موقف ايران من العراق سابقا

      لو ان المعارضة السورية تدرك الخطورة الامريكية الغربية على سوريا لوقفت بجانب بشار ضد الغزو والعدوان الامريكي الغربي لوما قبلت بهذا العدوان على سوريا الارض الوطن الشعب ولكن للاسف هي لاتملك امرها .. في العدوان الدولي والغزو الامريكي للعراق لم تصطف ايران ضد العراق برغم عدوان العراق ضدها طيلة 8 اعوام لانها كانت تدرك الخطورة لغزو العراق ومن منطلق ديني ايضا فكانت الكلمة نحن مع الشعب العراقي ضد صدام ومع الشعب العراقي وصدام ضد الاحتلال الامريكي .. فهل تدرك المعارضة السورية ذلك؟ مقال جيد برغم الاختلاف

    • زائر 12 زائر 1 | 2:49 م

      والعراق؟؟؟

      وليش ما وقفة المعارضه العراقيه مع صدام ضد الغزو الصليبي الصهيوني الفارسي ؟؟؟؟؟ فكر معي يا ذكي

اقرأ ايضاً