العدد 3747 - الأحد 09 ديسمبر 2012م الموافق 25 محرم 1434هـ

ورقة التوقيع بشأن سورية باتت جاهزة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلُّ الذين سمعوا رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني قبل أيام، تساءلوا: ماذا يعني الرجل بذلك؟ وهو في الحقيقة، تساؤلٌ مشروع، بل ويفتح الباب أمام تفسيرات جديدة للأزمة السورية الراهنة.

وقبل الولوج في التحليل، دعونا نذكر ما قاله لاريجاني خلال جلسة علنية للبرلمان الإيراني، عُقدت في الخامس من ديسمبر/ كانون الاول الجاري. الرجل قال «إن المثلث الماسي المكون من إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، وعلى رغم من الضغوط الهائلة والمؤامرات التخريبية... سيهزم إسرائيل». انتهى.

مدعاة التساؤل هنا، أن لاريجاني لم يأت على ذكر سورية مطلقاً، عندما تحدث عن أطراف المقاومة ضد «إسرائيل»! وعندما يقول سياسي إيراني بوزن لاريجاني، المعني بالملف السوري «إيرانياً» ذلك فهذا يعني أشياء كثيرة.

بل إن هذا السياسي الإيراني قال في مقابلة تالية في إحدى القنوات الفضائية كلاماً أشبه بالتعزية والتوديع لحكم الرئيس بشار الأسد عندما قال «إن عائلة الأسد صرفت وقتها للمقاومة»، وكأن الأسد وعائلته في وارد الرحيل إلى خارج سورية، لذا وجَبَ الثناء على جهودهم السابقة، طيلة سنوات حكمهم. ولم يكتف لاريجاني بقول ذلك، بل إنه زاد عليه بالقول ان «سورية بحاجة إلى الإصلاحات من الناحية الديمقراطية»!.

هنا، يبدو أن لاريجاني قد بلور الموقف الإيراني، بقبول طهران، حصر المشكلة في شخص الرئيس بشار الأسد، وبالتالي، عدم رفض صيغة جديدة للنظام السياسي الجديد في دمشق، من دون أن يكون الأسد رئيساً له، بعد الانتقال إلى الوضع الديمقراطي. فالقول ان «سورية بحاجة إلى الإصلاحات» وليس كالسابق، عندما كان المسئولون الإيرانيون يؤكدون دائماً، أن «الأسد قام بالإصلاحات اللازمة» في بلده، يبدو أنه واقع سيحكم المصالح الإيرانية في المسألة السورية، مع تقديمهم الشكر لـ «عائلة الأسد» (وليس للنظام السوري) على مواقفهم الداعمة للمقاومة!

هذه الرسائل الإيرانية، لا يمكن فصلها عن تصريح قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في اليوم ذاته الذي صرَّح فيه لاريجاني، ولم تترجمه إلى اللغة العربية أغلب وسائل الإعلام العربية. كلينتون قالت بالحرف « But that will require the Assad regime making the decision to participate in a political transition». والوزيرة كلينتون، وفي معرض إشارتها إلى ضرورة الانتقال السياسي في سورية، قالت هذه العبارة، وهي أن ذلك الانتقال «يتطلب من نظام الأسد أن يتخذ قراراً بالمشاركة في عملية الانتقال السياسي»! وهي إشارة جديدة في المواقف الأميركية أيضاً فيما خصّ الأزمة السورية، بشأن قبولهم بوجود الأسد في المرحلة الانتقالية ثم خروجه من الحكم بعدها، وهي تدل على عدم ممانعتهم تعديلاً في قواعد اللعبة مع الغرماء بشأن سورية.

هذا الربط بين التصريحيْن، ليس اعتباطياً، وليس صدفة. هو يأتي في سياق اتفاق بين الأميركيين والإيرانيين والروس على حل وسط، أو «خلاق» كما سماه الإبراهيمي للأزمة السورية. هذا الاتفاق، يبدو أنه آخذٌ في التبلور أكثر.

الأميركيون يشترطون نظاماً ليس حليفاً لإيران ولا لحزب الله، ولا عدواً لإسرائيل. والإيرانيون يشترطون «نظاماً ليس معادياً لهم ولا لحزب الله ولا للفصائل الفلسطينية». والروس، لا يريدون نظاماً يهيمن عليه الإخوان أو السلفيون لكي لا يشجع النزعات الانفصالية في الجنوب الروسي، ونظاماً لا يخرجهم من موانئ طرطوس، ولا يسمح بمد أنابيب الغاز إلى تركيا وصولاً إلى وسط أوروبا». هذه هي الصفقة الظاهرة.

الأميركيون أدركوا الآن، أن نظام الأسد متماسك إلى حد ما (عسكرياً ومدنياً)، وبالتالي هو عصِيٌّ على الكسر بالسرعة المطلوبة «أميركياً»، الأمر الذي قد يطوِّر النزاع، لصالح دخول جماعات متطرفة مرتبطة بالقاعدة إلى مسطرة النزاع، فضلاً عن أن طول الأزمة السورية سيعني التأثير على أمن دول منطقة الهلال الخصيب وبالتحديد الأردن، وإقلاق هضبة الجولان المحتل، وبالتالي «إسرائيل»، ثم تمدد الاضطراب باتجاه جنوب وشرق أوروبا عبر زعزعة تركيا، لذا عليهم (أي الأميركيين) القبول بحل وسط، بالتعاون مع شركاء الأزمة المستعرة، وبالتحديد الإيرانيين والروس والصينيين.

الإيرانيون أدركوا هم أيضاً، أن الرئيس بشار الأسد، بات يحكم بلداً متصوملاً لا يلوي على شيء، وفاقد السيطرة على حواف الدولة السورية، بالتحديد منطقتي حلب وإدلب، ثم تراخي قبضته على مناطق الأكراد، فضلاً عن تحوُّل الحدود اللبنانية، من حدودٍ تخدم حلفاءه في لبنان، إلى حدود مزعجة له ولحلفائه، عبر تسلل الآلاف من المقاتلين إلى داخل سورية، وارتجاعهم، عبر تمركز أزيد من عشرين ألف مسلح في منطقة طرابلس ومحيطها، وهو ما يعني تهديداً لاستقرار حلفاء إيران داخل لبنان، وبالتالي عليهم (أي الإيرانيين) القبول بنظام غير حليف، لكنه غير معادٍ لهم ولا لأصدقائهم في لبنان، من الشيعة والسنة والمسيحيين والدروز.

الروس، أدركوا أن نظام الرئيس بشار الأسد، لم يعد الحليف الأقدر على المحافظة على مصالحهم، كما كان أبوه من قبل، رغم أن هذا الشعور «الروسي» قد بدأ عملياً منذ العام 1999 بعد مرض الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلاَّ أنه تعزز أكثر، في ظل تضرر المصالح الروسية في العديد من البلدان الأوروبية والعربية بسبب الموقف من سورية، وبالتالي، هم يقدرون أن موقفهم من سورية قد كلّفهم الكثير، لذا فلا ضير إن أتى نظام جديد، يلبي ولو الحد الأدنى من مصالحهم لا أكثر.

هذه هي خريطة المشهد السوري الآن ومسارات تحالفاته وقراءتنا لها. ربما تتم الصفقة في القريب العاجل، رغم أن الكثير من الأمور تحكمها، وبالتحديد المعركة على الأرض في الداخل السوري، التي قد تقربها أو تبعِّدها أو تعدلها أو أكثر من ذلك حتى.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3747 - الأحد 09 ديسمبر 2012م الموافق 25 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 12:36 م

      بعد إنتصار المقاومة الفلسطينية

      و بعد كسر شوكة إسرائيل و تعريفه بحجمه بفضل مساعدة إيران للمقاومة، ألا زلتَ على رأيك تجاه جارتنا المسلمة؟

    • زائر 13 | 7:48 ص

      الفال للبحرين

      نتمنى حل جدري لأزمة البحرين

    • زائر 12 | 7:31 ص

      نحن مع طرح الزائر 10

      عندك شعب يدفع كل يوم ثمن بهيظ ويوجد حراك فى الشارع ومطالب شرعيه وحراك سلمى يا استادنا الفاضل نورننا بمقالأتك انك جيد ومبدع المشهد البحرينى اقرب للك من سوريا

    • زائر 11 | 5:05 ص

      انت طاقة ..

      نحتاج لك في قضايانا الوطنية فلا تبخل علينا بمقالاتك مع اني أعرف عذرك تقريبا

    • زائر 10 | 1:51 ص

      الأسد باق

      تحليلاتك تفتقر الى الموضوعية بشأن تصريحات المسؤوليين الإيرانيين

    • زائر 9 | 1:31 ص

      صعبة لا تستسهلها

      الموضوع أكبر من أن يختزل في رد على سؤال وتصريح .

    • زائر 8 | 1:07 ص

      هي وجهة نظر الكاتب.

      في رأي ان الكاتب حلل المعطيات التي طرحها حسب رؤيته, بينما الواقع غير ذلك, فالمستنقع السوري اصعب من ان يختزل في هذه الرؤى.

    • زائر 6 | 12:42 ص

      الروس يرفضون

      لابروف ينفي أن روسيا ناقشت مصير الحكم

    • زائر 5 | 12:14 ص

      علي نور

      المقابلة التي اشرت اليها انت نقلت منها اجابة مجتزأه واختزلت جزء مهم من الاجابة .. فاجابة لاريجاني كانت رد على سوال في خصوص العلاقة بين ايران واحزب الله والمقاومة الفسطينية بعد زيارة مشعل الى قطاع غزة ، فكانت اجابته عن مثلث المقاومة بالحدود التي رسمها السوال له ، فلا يعقل وهو السياسي المحنك ان يقحم سوريا في اجابة عن سوال عن الفلسطينين ويعلم تمام العلم العوة بينهم وبين الفسطينيين ؟؟ فهمت؟؟؟؟؟ اتمنى

    • زائر 7 زائر 5 | 12:56 ص

      رد يا نور

      لو كانت إجابة لاريجاني على زيارة مشعل لغزة فقط كما قلت ولا دخل لسوريا في الموضوع فما دخل حزب الله في الموضوع؟؟؟؟؟؟ هل زار نصر الله غزة ايضا لكي يحشر حزب الله في التصريح؟؟؟؟؟؟ باختصار سوريا آوت

    • زائر 15 زائر 5 | 2:10 م

      خرست 5

      زائر 7 رد عليك لماذا خرست لمّ لم تجبة ؟

    • زائر 4 | 11:56 م

      تحياتي لك يا أستاذي

      تحليل رائع يضع القارئ في الصورة ..

    • زائر 3 | 11:35 م

      التجرد

      تعجبني كتاباتك اخ محمد . الموضوعية تقتضي من الجميع التجرد من مشاعرهم كما انت

    • زائر 2 | 11:00 م

      اعجبني الموضوع ولكن

      ربط جميل وموضوعي لكنه خطير ومرعب

اقرأ ايضاً