العدد 3743 - الأربعاء 05 ديسمبر 2012م الموافق 21 محرم 1434هـ

الاتحاد الخليجي ما بين مصالح الحكام وطموح الشعوب

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

في ما تلا العام 1971 من بعد إنهاء التواجد العسكري والسياسي المباشر للمستعمر البريطاني من منطقة الخليج العربي، وما انتهت إليه الترتيبات الدولية للكيانات المستقلة، مختلفة الأنظمة السياسية، كانت دولة الكويت أكثر دول الخليج تقدماً في نظامها السياسي الأميري البرلماني، بحكم تطورها منذ استقلالها العام 1961.

ونَحَتْ البحرين من بعد الاستقلال، منحى دولة الكويت حيث صدر دستور 1973 العقدي، ولكن ما لبثت السلطات أن انقلبت عليه في العام 1975، إلى أن عادت تحت ضغط الحراك الشعبي العام 2001 للتصويت على الميثاق، الذي أفرز دستور 2002، المُختَلف عليه بين السلطات والحراك الشعبي. ثم هناك دولتا الإمارات وقطر بنظام سياسي شمولي، لكنهما شاركا شعوبهما في جزء من الثروة، مع الاحتفاظ بكامل السلطات. أما سلطنة عمان، فسلكت نظاماً سياسيّاً سلطانيّاً، استمراراً لما كان عليه نظامها السياسي التاريخي، لكن مع شيء من المدنية والتطوير، وشاركت شعبها في شيء من السلطة والثروة. وجاء كل ذلك بعد أن كانت هذه الدول قبليات محمية من بريطانيا، مع بعض تأثرات التحديث التي أتى بها الاستعمار تسهيلاً لهيمنته.

كانت لبريطانيا إبان انسحابها من المنطقة، محاولات فشلت أمام اعتداد العائلات الحاكمة، باستفرادها بالسلطة والثروة، وبتبايناتها كلاًّ في مساحته، وتخوف كل عائلة من تَغَوُّل الأخرى، والتي أفشلت محاولات فكرة الاتحاد الخليجي آنذاك، بين دول الخليج في ظل تغييب إرادة الشعوب، وتحقيقاً لمآرب استعمارية، لتسهيل الهيمنة على المنطقة، عبر سيناريوهات حداثية، على إثرها تمت محاولة تطبيق السيناريوهات الحديثة في البحرين، تمهيداً ربما لاتحاد بينها وبين دولة الكويت، المتقاربتين في نظاميهما السياسيين، من بعد إصدار دستور البحرين 1973، لكنها فشلت كما أسلفنا في العام 1975.

وأمام هذا التبعثر الإقليمي والسياسات والقوانين المتباينة، في منطقة تحوي أكبر قدرة على التزويد والاحتياطي النفطي في العالم، وخصوصاً في طور إعداد دول المجلس فرادى، لتكون بيئة اقتصادية واستثمارية عالمية خلال السنوات العشر التي أعقبت الانسحاب البريطاني وما تلاها، بحيث كان لابد من التوحيد ولو في أدنى صوره، مثل الكونفيدرالية المشوهة، لتلبي احتياجات الغرب، فكانت فكرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. (لاحظ التسمية، فقط الدول العربية، وفقط الخليج)، استبعاداً لدول مطلة على الخليج بأكبر حدود ساحلية، مثل إيران الإسلامية غير العربية، (لو كانت أيام الشاه لربما اختلف الموقف)، واستبعاد العراق العربية الخليجية، نظراً إلى طبيعة نظامها السياسي، وكذلك الجمهورية اليمنية التي تُعد امتداداً استراتيجيّاً لدول المجلس، فما حظيت العراق واليمن من مجلس التعاون إلا باللجان الرياضية والصحية والثقافية.

في 16 مايو/ أيار 1976 زار أمير دولة الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح دولة الإمارات العربية المتحدة لعقد مباحثات مع رئيسها الشيخ زايد آل نهيان عن إنشاء مجلس التعاون الخليجي، واقترح فكرة إنشاء هذا المجلس، لإحساسه بوجوب سد النقص الذي خلفته المملكة المتحدة بعد خروجها من الخليج. وقد تم أخذ الموافقة العربية في قمةٍ للجامعة العربية في عمّان بالأردن في نوفمبر/ تشرين الثاني 1980. واستشعاراً من أمير الكويت لأهمية الإشراك الشعبي للمجلس، اقترح في العام 1996 إنشاء مجلس شعبي استشاري لدول مجلس التعاون، وذلك في القمة السابعة عشرة في الدوحة، يتكون من ثلاثين عضواً بمعدل خمسة أشخاص للدولة الواحدة، إلا أن هذا المجلس الشعبي لم ير النور.

ما نلاحظه من عوامل مشتركة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية القائم، يتمثل في أمرين، أولهما جغرافي في أنها جميعاً تطل على ضفاف الخليج العربي، إضافة لاتصال حدودها البرية ببعضها بعضاً أو لقربها، (مستثنى منها الجمهورية العراقية). والثاني، أن جميع دوله يحكمها نظام سياسي عائلي مستفرِد لكنه متصل في الجذور القبلية، لذلك نرى أن تسمية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لا تعبّر عن فحوى هذا التعاون إلا في هذه الجزئية، إضافة إلى سلب الشعوب إرادتها.

إذن ما دواعي إنشاء مثل هذا المجلس؟

لا يخفى على عاقل؛ أنه دوليّاً، يُسَهِّل عمليات التبادل التجاري، فكان للاتحاد الأوروبي وأميركا، ضغوط لتوحيد المعايير والمقاييس، التي على أساسها تُصَنِّع تلك الجهات البضائع بشتى مجالاتها العسكرية والمدنية، وخصوصاً البضائع المتعلقة بالبنية التحتية من مواصلات وغيرها، وفي مقدمتها وسائل النقل الشخصية والطبيعية. فصعبٌ أن تتم عمليات التصنيع بناءً على ستة مقاييس مختلفة، فقد بدأ العمل على قانون التوحيد الجمركي العام 1992، ليقر في الدورة العشرين للمجلس الأعلى في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999، أي بعد 7 سنوات، إضافة إلى 11 سنة من إنشاء مجلس التعاون. وقد طبق بشكل تجريبي إلى نهاية العام 2000، ثم تم تمديد العمل به إلى مطلع العام 2002، ومن بعده تم تعميم لزومه، كل ذلك جاء من بعد تنقيحه من قبل منظمة التجارة العالمية (WTO) ومنظمة الجمارك العالمية (WCO).

أما في الجانب السياسي؛ فتلخص في حماية الأوضاع الحاكمة، حيث الاستفراد بالسلطة والثروة كلاً في مساحته، فأبرز إنجازات المجلس هو إنشاء القوات العام 1982، (أي خلال السنة الأولى من عمر المجلس)، وتطويراتها اللاحقة لتصبح فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها القتالي والإداري، والتي فشلت في صد الهجوم العراقي على الكويت العام 1990، الدولة العضو في المجلس، إلا من استضافة النازحين من الشعب الكويتي الشقيق، مع كتائب مسلحة خليجية ثانوية شاركت الدول الغربية في الحرب على نظام صدام حسين. ثم في 2006 أصبحت هذه القوات مشتركة عبر المساهمة فيها بقوات وإدارة من قبل جميع دول المجلس، وأسندت بمدد جوي وبحري، تحقيقاً لإسناد القوات المسلحة الوطنية لكل دولة عضو في المجلس.

وفي العام 2009 تم إنشاء قوات التدخل السريع، ثم تم التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك العام 2000 في دورة المجلس 21 بالمنامة، وفي الدورة 30 في الكويت تم التوافق على الاستراتيجية الدفاعية لدول المجلس. أما الاتفاقية الأمنية التي كانت عليها تحفظات من قبل بعض دول المجلس، فقد عادت بقوة ووقّعت عليها جميع دول المجلس من بعد أحداث 14 فبراير/ شباط في البحرين، وبدء الحراك الشعبي فيما يتعلق بحقوق الإنسان وبعض مطالبات المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات في عدد من دول المجلس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 على رغم أن ما جاء في الاتفاقية من جديد ظلّ يناقض ما منعه الدستور في الكويت مثلاً من توغل لقوات أمن دولة أخرى في أراضيها. إذ تم تحديد نقاط لقاء لقوات الأمن للدولتين يحدّدها وزير الداخلية للدولة المعنية، وتسليم مواطني الدول الأخرى سلطاتهم، من بعد تطبيق القانون المحلي للدولة القابضة على المتهم، بما في ذلك منع دخول مواطنين خليجيين بعينهم من دخول دول المجلس الأخرى، عبر قوائم المنع التي تصدرها كل دولة على حدة، على خلفية الرأي والتعبير والموقف السياسي.

فواضحٌ أن إنشاء هذا المجلس، جاء بدايةً لحماية الأوضاع السياسية القائمة، من احتمالات النهوض الشعبي بما وصل اليوم إلى المطالبة بالحكومات المنتخبة، والمجالس الشعبية للتشريع والرقابة على أداء الحكومات، ومحاربة الفساد المستشري في أجهزة الدولة، إضافة إلى تسهيل العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دوله والمجتمع الدولي، وما عبارات «حدّد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشئون التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص»، إلا تخصيص المعنى بالعائلات الحاكمة لدوله من دون شعوبها فقد ظلت المياه الإقليمية لكل دولة محرمة على مواطني دوله الأخرى ومثالها أحواض صيد الأسماك. فأين المجلس من طموحات شعوب دوله؟ لو سألت أي مواطن خليجي عما لمسه من تحقق أي تغيير إيجابي، في وضعه المعيشي والحقوقي والسياسي جاء به مجلس التعاون، لوجدت الجواب «لا جديد»، إلى درجة أن اضطرت بعض دوله، حين تقديم مساعدات مالية إلى أخرى، إلى أن تفتح لها مكتباً خاصّاً لإدارة صرف هذه المساعدات، ووراء هذه الإجابة، «لا جديد»، وهذه التوجهات لإدارة الصرف، علامات استفهام كثيرة.

وأتذكر في أواخر العام 1981 من بعد إنشاء مجلس التعاون في 25 مايو/ أيار من العام نفسه، أن تداول الناس ما هو قائم في حينه من علاقات اجتماعية وعائلية وتواصلية، أمُلَ الناس في أن تُوصِلَهم إلى اتحاد حقيقي فيما بينهم لدرجة أن ظن البعض، بقرب محو التفاوت المعاشي (الرواتب) والمعيشي من توافر السكن والوظائف المتوافرة لمواطني الخليج في شتى دوله وأسباب العيش، بما يوحد دخل الفرد في جميع دول مجلس التعاون. وكان الأمل أن يمتد دعم السلع الأساسية في إحدى دوله إلى مواطني الدول الأخرى، وأن تُفتح الحدود لانتقال مواطني الخليج بين الدول الأعضاء من دون إجراءات هجرة وجوازات وجمارك، كما ينتقل أي مواطن ما بين مدينة وأخرى في وطنه.

ولقد خاب ظن الجميع، فها نحن من بعد انقضاء 31 عاماً على إنشاء مجلس التعاون، وعليكم عد الأسابيع والأيام، كان واجباً خلالها تذويب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيما بين دوله وشعوبه، وتوحيد السياسات الداخلية والخارجية، والتعامل مع الدول الأخرى والمحافل الدولية والمؤسسات والعهود الأممية، بصفة الاتحاد.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3743 - الأربعاء 05 ديسمبر 2012م الموافق 21 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 1:57 م

      لا يوجد اتحاد حقيقي بين دول الخليج

      أنا عملت في دولة خليجية وكان هناك تفاوت كبير في الرواتب بين مواطني تلك الدولة ومواطني دولة الخليج العاملين في نفس القطاع حيث يصل التفاوت إلى أكثر من 100%. اعتقد أن مجلس التعاون لا يمثل طموح شعوب المجلس.

    • زائر 9 | 10:35 ص

      مقال

      مقال جداً رائع

    • زائر 7 | 8:27 ص

      أختلف وياك

      انا اختلف وياك. في نقطة لو كان المجلس تأسس أيام الشاه كان الوضع مختلف
      لأن الشاه عنده اطماع في الخليج تخلي إيران من أيام الشاه علاقتها مستحيل تكون في مجلس تعاون
      نفس قضية مطالبته بالبحرين وقضية الجزر الإماراتية

    • زائر 4 | 2:47 ص

      خذ الامارات كنموذج اتحاد ,,,,,

      على الطريقة الخليجية ,,,,و التي تهتم بجهة واحدة و تغفل عن جهات كثيرة اخرى,,,,
      و سترى في الامارات الفرق الشاسع بين الامارات الشمالية و غيرها من الامارات,,,,

    • زائر 3 | 1:33 ص

      نحن في البحرين "هنود الخليج"

      لا يصلنا الا الفتات !!!

    • زائر 2 | 1:29 ص

      البناء من الأعلى لا يحصل الا في الخليج

      من المعروف بديهيا ان البناء يتم من تحت لفوق ومن الاساس الى الاعلى ولكن بما أننا في بلد مقلوب فإن العكس سوف يحصل يريدون البناء من الاعلى للاسفل وهذا البناء لن يستقيم مهما كان البناء ماهرا. الا اذا ذهب للفضاء بعيدا عن الجاذبية فإنه يستطيع البناء بأي طريقة

اقرأ ايضاً