العدد 3743 - الأربعاء 05 ديسمبر 2012م الموافق 21 محرم 1434هـ

اختبار رجولة الدول بإهانة المرأة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

المرأة كانت في جاهلية العرب مصونة وأي دنوّ منها، تطاولاً أو اعتداء في حرب أو سلْم، هو بمثابة خزي يلحق بصاحبه إلى أبد الآبدين. كان ذلك قبل مئات من القرون. اليوم باتت الرجولة عبر أنظمة تسترجل على شعوبها، أن تنال وتتطاول وتعتدي وتتحرّش بأوامر غير مكتوبة لكل صوت نسائي معارض؛ وخصوصاً في استدعاء تخجل منه الجاهلية الغابرة وترى فيه عاراً لن تمحوه السنون ولا يمكن نسيانه بالترويج عبر وسائل إعلام متواطئة لمفردة تم تسخيفها وتفريغها من قيمتها ومحتواها ونبْل هدفها: «عفا الله عمّا سلف» وكأن الله في جلاله وقدرته خارج التغطية.

المرأة اليوم موضوع اختبار «رجولة» مريضة؛ وخصوصاً ممن يتوهمون أن بيدهم مقادير الهواء الذي تتنفسه الشعوب التي وجدت نفسها ذات يوم تحت رحمة أنظمة لديها موهبة القفز على كل شيء وأمر! تلك هي الإمكانات والمؤهلات والمواهب. تأتي من العدم لتهيمن على الحياة وتحيلها إلى ما يشبه العدم.

في قراءات كلاسيكية وتاريخية من اليونان إلى الرومان إلى الهند ثمة استشهاد باحتقار المرأة والنظر إليها باعتبارها واحدة من اللعنات. في الجاهلية كان الوأد صورة من مواراة العار ولكنه لم يكن متفشياً بين قبائل العرب جميعها. ثمة من بينها من يجعل للمرأة حظوة ومكانة يحسدها عليها الرجال. اليوم لزوم تقديم بعض الأنظمة سيرتها الذاتية إلى العالم ولزوم الترويج تلعلع أجهزة إعلامها بمشاريع تبدأ بـ «س» «سوف». على الأرض لا يمكن أن ترى «السينات» تلك ولو بمجهر!

هل نحتاج إلى تنشيط ذاكرتنا لتعداد وسرد ما حدث هنا؟ هل نذكر موضوعات وحالات التحرش بكوادر علمية ومشهود لها بالعبقرية طالها الاعتقال والتعذيب والإهانات والشتائم والابتزاز بالذي مورس عليها؟

لا نتحدث عمّا طال الكوادر العلمية من النساء. الأمر لا تمييز فيه هنا من قبل الممارس لتلك الرجولة الاستثنائية!

كل ذلك لم تضطلع به مسترجلات ممن هن زوراً في هيئة نساء من دون رهافة حس يتمتع بها هذا الكائن الذي من طبيعته أن يحن إلى جنسه. اضطلع بالأمر فتوّات الفوضى باسم القانون في مراكز الحجز والتوقيف والاهانة. وأفضّل تسميتها «مسالخ الإهانة».

كل ذلك في تسويق يستنزف موارد الأمة لنموذج سيحاسب عليه كثيرون لو تهكّموا على يقين ثابت لدى تلك الجهات باعتباره النموذج الديمقراطي الذي لم تستطع الديمقراطيات العريقة مجاراته أو الوصول إلى رُبْع قامته! نموذج يجد بعض منتسبيه رجولتهم الضائعة في الإهانة والتعذيب والتحرش الجنسي أمام عزلة وقسْر والله لن تجد صورها حتى لدى الكائنات التي من المفترض أنها أقل منها إدراكاً وإحساساً ووعياً.

لديكم خريطة الدول التي تتغنى بعروبتها والشرف وتدندن بكرامة مواطنيها وخصوصاً المرأة، لن تروا إلا الانفصام في التعامل معها وخصوصاً إذا ما رفضت الركون والانزواء أمام حراك عام لم تنطلق شرارته بمحض مزاج أو استفزاز فارغ بقدر ما هو رد فعل طبيعي لكل أنواع وصور الامتهان للكائن البشري وسحق كرامته وكرامة ذلك الكائن من كرامتها؛ إذ ليست خارج سياقه وجيناته.

ركّزوا أعينكم وذاكرتكم على الخريطة نفسها لن تجدوا كَمَّ إهانة وتحقير وتمييز ولأسباب وخرائط معظمكم يعرفها في طبيعة إدارة الأمور، طالت المرأة وأمعنت في ذلك كما حدث لها هنا. أقلها وهْم تفريغها من قيمتها وشرفها ودينها وأصلها. ولا يصدر مثل ذلك الهيجان إلا عن الذين فقدوا بوصلة أصولهم وما يرتبط بذلك.

استدعاء لما قبل الجاهلية بمراحل، لما قبلها من ظلمات تخلف وجهل، في عصور أنوار وفضائح لكل شيء غير سوي ويحاول أن يخاتل ويستغبي المخلوقات. في عصر هيمنة الدول على مكنات ووصفات الوعي. في ظل اكتشاف أنها في مهبّ الرصد. رصد سكناتها وانفعالاتها وتجاوزاتها وحسناتها وفعلها المضيء أيضاً.

ما حدث هنا للمرأة وما حدث في غيره من دول بائسة على الخريطة يكاد يكون هو الصارخ والمتفرد والمتجرّئ على ما عهده وعينا بالقديم من النظر والممارسة وحتى العهد القريب قبل عقود أربعة أو تزيد كانت المرأة خطاً في مراجعات قانونية مركّزة؛ وخصوصاً تلك التي لا تمسّ الأنفس والأمن وضمن تشديد وتأكيد على أدلتها من دون تمييع لحق هنا وتشنج له هنالك في حق أو باطل.

ارحموا الأمة كل الأمة بعيداً عن تصنيف نوعها. ارحموها من مشروعات التسويق لتجميل الصورة أمام العالم باعتباركم سدنة الحقوق والحارسين لبواباتها ومداخلها ودهاليزها وإيواناتها؛ فيما الواقع يشير الى ألاّ موضع لإبرة من ذلك الحق كي يشعر به في الدرجة الأولى أولئك الذين مورس عليهم التمييز والعُقد وفشل السياسات وتخلّفها والأهم من كل ذلك، تخلّف أخلاق اليوم تجاه المرأة وغيرها في القرن الحادي والعشرين مقارنة بعقود في الجاهلية ظللنا لسنوات نمعن في احتقارها بالنظر إلى العناوين الصارخة.

إهانة أي كائن بشري إنما يكشف اختراقاً وتجاوزاً وتعدّياً على الفطرة ويكشف عن إمعان في الغطرسة سواء تمّت تلك الغطرسة بشكل فردي أو بشكل ممنهج عبر دول أو ما يُظنّ أنها كذلك. المرأة في اللب وحساسية الالتفات لذلك التجاوز والتعدّي ليس لأنها في الأدبيات المسطّحة كائن ضعيف، وفي ذلك أيضاً أضعَاف من التجاوز والتعدّي؛ بل باعتبارها حصانة لقوة أو ضعف أي أمة من الأمم اليوم. هذا بيان لا يرمي إلى استدرار عاطفة المُتجاوِز أو الذي وقع عليه مثل ذلك التجاوز. هو بيان يدعو إلى شيء من الخجل وما تبقى من غيرة العرب أو ما يدل عليهم ولن تحتاج إلى بيان مثل هذا في دول يدعى عليها بالهلاك والدمار والثبور فيما هي أجلّ وأعظم في ممارساتها واحترامها لقيمة المرأة ودورها من أصحاب الحناجر/ الطناجر.

كأنه يراد للغيرة أن تضمحل وتندثر وتذهب إلى غير رجعة بحسب ما تريده المرحلة ومن يهيمنون عليها بعيداً عن أخلاقيات غابرة أو حاضرة أو عابرة في نهاية المطاف بحسب الممارسات على الأرض.

بعض الدول اليوم لا تستطيع التأكد من رجولة كوادرها وعسسها وأجهزتها الأمنية إلا بتعميق إهانة المرأة والإمعان في ذلك. هل ثمة شبح رجولة أساساً في هكذا حال؟

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3743 - الأربعاء 05 ديسمبر 2012م الموافق 21 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 5:46 ص

      ما نراه هو قمة جبل الجليد

      ما نراه من صلف وتجاوز وحقد واستمرار في الغي ما هو الا قمة جبل الجليد والا فالحقد حالك السواد اكثر من هذا وهو ليس وليد اليوم او من 14 فبراير بل هو من تراكم لعقود في النفوس المريضة .. واتى من يعينها على ذلك بمرضه وعنجهيته .. ولكن الحمد لله لقد انكشف المستور واستوضح المخبؤ بالمواراة والدجل لحقب مضت علينا وعلى اجيال اسلافنا .. والان ما عاد شيء يخفى .. والسماء منفطر به وما أشده من ظلام دامس مقبل يلامس العتبات الاخيرة في أنفاسها المتبقية حضارات التسلق على القيم والمبادئ .. فالليل صبح وشيك نكاد نلمسه.

    • زائر 8 | 2:32 ص

      حتى تسقط كل القيم لا بد من التعدي على المرأة

      انها قمة السقوط ان تهان المرأة في كرامتها وتمسّ فإذا بلغ بالناس هذا الامر يعتبر المؤشر قد بلغ مداه واقصاه فلا بعد هذا التعدي تعدي وقد اتضح ذلك جليا بعد هدم المساجد جاء دور الكرامة النسوية لكي تهدم

    • زائر 7 | 1:27 ص

      الإيلام سلاح الضعيف

      عندما يعجز الضعيف عن المواجهة يلجأ الى مايؤلم الخصم وليس هناك مايؤلم مثل التعدي على المرأة ولكنه يكشف عن انحطاط اخلاقي لايهتم الضعيف ببروزه طالما يؤمن له مراده في ظنه وليس كذلك.

    • زائر 3 | 11:38 م

      لم يخجل أحد منهم.. مهما قلت..

      مقال يفضح الواقع، عكس ماتفضلت به _ للاسف عن حال المرأة بالبحرين.

    • زائر 4 زائر 3 | 12:06 ص

      تصحيح

      هل اصبح انتقاد نائبة على تصريحها ممنوعا؟

اقرأ ايضاً