العدد 3741 - الإثنين 03 ديسمبر 2012م الموافق 19 محرم 1434هـ

الإصلاح السياسي ليس ترفاً

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

في كتابه «الضحك والنسيان» يلاحظ ميلان كونديرا أن «الماضي مفعم بالحياة يتلهف على إزعاجنا واستفزازنا وإهانتنا، وعلى إغوائنا لكي ندمره أو نعيد طلاءه. والسبب الوحيد الذي يجعل الناس يريدون أن يكونوا مسيطرين على المستقبل هو رغبتهم في تغيير الماضي».

في العام 1900 لم يكن في أي بلد حق الاقتراع العام للبالغين. وقد كانت البلدان جميعها تستبعد فئات كبيرة من حق التصويت لاسيما النساء والأقليات. وفي العام 2000 أصبح في غالبية بلدان العالم حق الاقتراع العام للبالغين، وأصبحت تجري انتخابات تشترك فيها أحزاب متعددة.

وخلال الفترة 1973 - 1990 أدخلت نظم انتخابية ذات تعددية حزبية في 113 بلداً، ووصف البعض السنوات الخمس والثلاثين الماضية بأنها سنوات «الموجة الثالثة» من الديمقراطية. وانتقل التحول الديمقراطي من منطقة إلى أخرى. ففي البداية كانت منطقة جنوب أوروبا في منتصف السبعينات، ثم منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات، ثم منطقة شرق أوروبا والجمهوريات السوفياتية السابقة ومنطقة شرق وجنوب شرق وجنوب آسيا، وأميركا الوسطى في أواخر الثمانينات والتسعينات. وبعدها اهتز الشرق الأوسط برياح التغيير ضمن ما عرف بـ «الربيع العربي» الذي آذنت بمجيئه صفعة شرطية لبائع تونسي فقير، ومعظم النار من مستصغر الشرر!

لقد انتهى عصر النطع والسيف، والثقافة السياسية التي تنتعش اليوم هي ثقافة «صندوق الاقتراع» وإرادة الشعوب، ويوماً بعد يوم تزداد رقعة الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان اتساعاً في نواحٍ عديدة من العالم. إن سيادة القانون ترتبط ارتباطاً عميقاً بالتحرر من الخوف وبجميع الحريات الأخرى، فبدون سيادة القانون وإقامة العدل بنزاهة لا تعدو القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان أن تكون حبراً على ورق. والعدل شيء عزيز على النفس. وكما قال مزارع فقير ذات مرة «باستطاعتي أن أتحمّل الفقر، ولكن ما لا يمكن أن أقبله هو ألا أحصل على العدل في نظر القانون في بلدي لمجرد كوني فقيراً».

تركز تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العادة على حقوق الأقلية وتهميشها، غير أن ذلك ينطبق على بعض المجتمعات التي تعاني فيها الأغلبية من استئثار «الأقلية»، والحقوق هي وقايةٌ من ضروب الأذى التي يحتمل أن يعانيها الناس، فحقوق الأقليات تحمي الجماعات من التهديدات النابعة من إجراءات صنع القرار التي تتبعها الأغلبية أو العكس. وتشمل التهديدات عادة:

- الاستبعاد من المشاركة: من خلال التلاعب بالحقوق السياسية وبوسائط الإعلام لزيادة نفوذ الأغلبية في المجال السياسي، مثلاً خلال تقسيم الدوائر الانتخابية لصالح الأغلبية، أو العكس.

- تجاهل سيادة القانون: تنحية سيادة القانون جانباً في أوقات الكرب الاجتماعي الشديد، استهدافاً للأقليات أو العكس في كثير من الأحيان التي تشك في ولائها. وعند تقييم وضع حقوق الإنسان في أي مجتمع ديمقراطي هناك سؤالان وجيهان: ما هي الحقوق المنصوص عليها في الدستور من حماية حقوق الأقلية؟ وما مدى نجاح النظام السياسي في حماية هذه الحقوق عملياً؟

- القمع: فرض ممارسات اجتماعية على الأقليات أو العكس، وهو ما يتكرّر في مجتمعات كثيرة، فكثيراً ما كانت الأقليات وثقافتها موضع خطر أو تهميش، والآن يفرض تصاعد التعصب الديني في بلدان عديدة ممارسات ثقافية على الأقليات غريبة عليها، وفي بعض المجتمعات يكون التعصب إزاء الراغبين في ممارسة ديانتهم إنكاراً للحق في حرية التعبير.

- الإفقار: أفعال الأغلبية أو العكس الرامية إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية على حساب الفئات الأخرى في المجتمع من خلال تجفيف منابع الثراء والتمتع بمزايا ثروات المجتمع وحكرها على فئة من الناس دون أخرى.

إن انهيار الثقة وفشل الاستيعاب السياسي الداخلي كثيراً ما يحدثان بسبب أوجه انعدام المساواة وعدم وجود عمليات ديمقراطية لتسوية المنازعات، وما لم تتحق «إرادة توافق» ورغبة جامحة للإصلاح ستبقى الأزمات السياسية في أي مجتمع تستمد مبررات وجودها مما يجري على الأرض.

تراهن بعض الأنظمة السياسية على عامل «الوقت» و «الجمبزة الإعلامية» الفارغة لتفويت فرص تقديم مكتسبات لصالح شعوبها، ولصالح التحوّل نحو الديمقراطية الحقيقية، غير أن هذا التسويف لا يغيّر من حقائق الحاجة الماسة لإصلاح ديمقراطي انسجاماً مع التحولات العالمية في هذا الإطار. بل يزيد من تفاقم المشكلات الأمنية ويعطل طاقات الأنظمة والشعوب على بناء التنمية التي تنشدها.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3741 - الإثنين 03 ديسمبر 2012م الموافق 19 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:08 ص

      بس عاد لاعة جبودنا .

      ترا دبحوتنا كله سياسة وسياسة وسياسة بس تمللنا من السياسة لا بارك الله فيها ولا وفي الي اختراعها وسوها بس عاد لاعت جبودنا من السياسة شنو حصلنا من السياسة ؟ ماحصلنا الا لوعة الجبد والقرحة في المعدة بس عاد ارحمونا . تكلموا في اشياء تفرح وتفيد الناس شنو راح نستفيد من السياسة . نبي اشياء تفيدنا وتفرحنا مو كل هم وغم في الصبح وفي المسا .بس عاد لاعة جبدونا .

اقرأ ايضاً