تراكمت التطورات في الشرق الأوسط خلال السنة الماضية، بما فيها إسقاط الحكّام الدكتاتوريين في تونس ومصر وليبيا، وتركت معظم الأوروبيين في حيرة وارتباك حول العلاقة التي يجب أن تكون بينهم وبين دول شمال إفريقيا في هذا المشهد الاجتماعي والسياسي المتغير.
اعتاد الأوروبيون قبل الثورات في المنطقة، على الحفاظ على علاقات سلمية مع دول شمال إفريقيا. اتخذت علاقاتنا وسياساتنا ومصالحنا الدولية أولوية كبيرة وغطّت أحياناً على القضايا المحلّية مثل الفقر والبطالة والتمييز. واليوم، وفي مشهد عالمي متغيّر، يجب علينا أن نتذكر أننا لا نستطيع أن نقف ببساطة ونهتف لنهاية هذه الدكتاتوريات. نحتاج نحن الأوروبيين لأن نرعى وبنشاط علاقات جديدة مع شعوب وحكومات هذه المنطقة المتغيرة.
تعتبر مجموعة معينة من الناس حاسمة في إيجاد هذه العلاقات الجديدة بين المنطقتين. بوجود جذور لها على جانبي البحر الأبيض المتوسط، تعتبر مجتمعات الشتات من تونس وليبيا ومصر التي تعيش في أوروبا، أساسيةً في بناء الجسور عبر البحر الأبيض المتوسط بين أوروبا وهذه الدول.
كانت العلاقات بين الأوروبيين وسكّان شمال إفريقيا صعبةً في معظم حالاتها نتيجة لتاريخ الاستعمار الأوروبي. بدأت ذكريات الهزيمة والظلم والمجتمعات المهملة والنزاعات التي جرى إسكاتها تظهر نتيجة للتغييرات وحراك الحرية في المنطقة. أصبحنا نحن كأوروبيين معتادين على الحفاظ على علاقات سلمية وعلاقات صداقة ضيقة مع دول يقودها دكتاتوريون قساة حافظوا أحياناً وعملوا على رعاية هذه العلاقات بشكل عاد بالضرر على حريات شعوبهم.
يبقى الشك قائماً على جانبي البحر الأبيض المتوسط، ففي جنوب الكرة الأرضية، تتساءل المجتمعات والحكومات إذا كان الغرب سيدعم بشكل حقيقي العمليات التي باشرتها دول الربيع العربي. وفي الشمال، يفكر العديد من القادة السياسيين الأوروبيين بقلق في السبل التي ستتبعها هذه الديمقراطيات الجديدة، وأين ستقف حكوماتها في علاقتها معهم.
يحتاج أي حوار صادق ومفتوح بين الدول الأوروبية والشمال إفريقية لأن يبدأ حتى يتسنى لها إنشاء علاقة صادقة ومتساوية. يعني ذلك بالنسبة للأوروبيين الحاجة لأن نتحدث عن أخطائنا وإثبات أننا على استعداد لإعادة دراسة تاريخ، والعمل باتجاه تطوير شعور بتاريخ مشترك.
يمكن لمجتمعات الشتات أن تكون في أسس عمليةِ تسويةٍ تتعامل مع الذكريات والتاريخ. وبسبب الرابط الذي لا يمكن إنكاره بينها، والعلاقة على جانبي البحر الأبيض المتوسط، تحمل هذه المجتمعات وزناً كبيراً في تذكيرنا بهذا التاريخ وبالدور الذي تستمر بلعبه في العلاقات التي نملكها اليوم. وهي تستطيع أن تشكّل جسراً بين ساحلي البحر الأبيض المتوسط والتوسط في هذه العلاقة. وهي تملك الفهم لتفسير التاريخ وسوء الفهم، وكذلك توقّع الشكوك والمخاوف والذكريات الأليمة والتعامل معها.
بدأت منظمات وجمعيات غير حكومية متنوعة في أوروبا والعالم العربي كذلك برؤية الحاجة للحوار، ولفهم أعمق للآخر والتفاهم والتسوية حول قضايا سابقة على المستوى العالمي. ينطوي تطوير علاقات كهذه بالطبع على عقد حوار موضوعي وحقيقي، وإدراك أن كلا الجانبين يتعامل مع واقع معقّد.
تسعى مبادرات مثل برامج تبادل الأفراد، التي تموّلها مؤسسة آنا ليند، والتي تهدف إلى «جمع الناس معاً عبر البحر الأبيض المتوسط لتحسين الاحترام المتبادل بين الثقافات»، إلى تشجيع شعور بالرؤية المشتركة بين منظمات المجتمع المدني العربية والأوروبية. تشجّع حركة أخرى هي «مبادرة الحوار»، وهي أحد برامج المنظمة الفرنسية «مبادرات التغيير»، الحوار عبر الثقافات من خلال المؤتمرات، وتهدف إلى إيجاد مساحات للحوار يمكن فيها التعامل مع الذاكرة الجماعية وسوء الفهم حول «الآخر».
يستطيع الأفراد الذين يشكّلون جزءاً من مجتمعات الشتات أن يفهموا تعقيدات الطرفين وذكائهما، والمساعدة على بناء وتشكيل علاقات، لأنهم خبروا الثقافتين ويشكلون جزءاً منهما. وهم أساسيون في الحفاظ على وتطوير حوار ورؤية مشتركة لمستقبل العلاقات الأوروبية والشمال إفريقية.
نحن بحاجة لأن نفكّر بمستقبل هذه العلاقة الأوسطية ككل، والاعتراف بالروابط الأساسية والجسور التي تستطيع مجتمعات الشتات توفيرها ودعمها.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3741 - الإثنين 03 ديسمبر 2012م الموافق 19 محرم 1434هـ