العدد 3740 - الأحد 02 ديسمبر 2012م الموافق 18 محرم 1434هـ

قبل أن تتحول الأزمة إلى محنة

محمود القصاب comments [at] alwasatnews.com

.

في مقالة سابقة على هذه الصفحة، تناولنا أسباب الحالة المضطربة سياسيّاً واجتماعيّاً وأمنيّاً في البلاد، وأكدنا أنه لا مخرج من هذا الوضع المأزوم وكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الجميع سوى طريق الحوار الجاد والحقيقي الذي تدعو له وتتمسك به القوى السياسية المعارضة، ويقف معها العالم كله مسانداً هذا التوجه السلمي والحضاري.

واستناداً إلى هذه الرؤية؛ قلنا إن الدولة هي الطرف المعني أكثر من غيره بتهيئة الظروف والأجواء للمضي في هذا الطريق، ولكن على ما يبدو، هناك أيدٍ خفية تعمل جاهدة على استمرار الأوضاع من دون تغيير، بل ودفعها إلى ما هو أسوأ من خلال محاولات إقحام البلد في فتنه طائفية، مستفيدة من توتير الأجواء وتعكيرها بين مكونات البلد.

والواقع أن المرء يحار في تفسير هذا الوضع، فكلما اعتقدنا أن الأمور قد أوشكت على النهاية، أو أنها بدأت السير على طريق الخلاص والوصول إلى خواتيمها، سرعان ما أعيدت إلى مربعها الأول، وكأنما هناك «أشباح» تعمد إلى خلط الأوراق على الساحة المحلية، وتقوم بصياغة وإجهاض السياسات والتوجهات في هذا البلد من أجل إبقاء اللعبة السياسية الحالية دون أي تغيير يتجاوب مع مظالم الناس السياسية والاجتماعية، ومطالبهم في إيجاد نظام سياسي ودستوري ديمقراطي عادل يستوعب الجميع، ويساعد على خلق فضاء سياسي رحب يرفض الإقصاء والتهميش.

وإلا كيف يمكن لنا حل هذا التناقض الحاصل بين التصريحات المتتالية والكثيرة للمسئولين على مختلف مستوياتهم عن مسألة الحوار المزعوم، والممارسات الحاصلة على الأرض والتي تغلب عليها المعالجات الأمنية الخاطئة، والمدفوعة في الكثير من الأحيان برغبة الانتقام والتنكيل لا غير، كما نراها للأسف في الكثير من المشاهد والمظاهر التي تتنافى مع أبسط معايير حقوق الإنسان، ولم يكن الشريط الذي جرى تداوله حول اعتقال أحد الشباب في مقبرة بني جمرة حيث جرى إشباعه ضرباً والبصق في وجهه، سوى نموذج صارخ لمثل هذه التجاوزات البعيدة كل البعد عن القيم الإنسانية، وقبل هذه الحادثة وبعدها، ليس خافياً ما تعرضت له ولازالت بعض القرى من مداهمات لا تتوقف، وإخضاع أهلها لمزيد من المضايقات التي تجعل حياتهم في قلق ورعب دائمين مع أجواء مشحونة سياسيّاً وطائفيّاً.

أما ما حصل في عاشوراء هذا العام، فهو فصلٌ آخر من فصول المشهد السياسي المضطرب، كان يراد به على ما يبدو، فتح أزمة البحرين على باب يأخذنا جميعاً إلى مستنقع طائفي ومذهبي، ليس بمقدور أحد النجاة من الغرق في أوحاله، أو يكون بمنأى عن عواقبه الخطيرة، والنابعة من حجم الاستفزاز الذي تحمله تلك الإجراءات الأمنية لمشاعر غالبية الشعب البحريني، نعم لغالبية الشعب، شيعةً وسنةً، فلا يظن أحد أو يتوهم أن اقتلاع علم أو راية هنا، أو إزاحة قطعة قماش سوداء هناك، هو توجه سني ضد الشيعة.

كما يجب ألا يعتقد أحدٌ أن التحقيقات أو الاعتقالات التي شملت بعض خطباء الحسينيات ورواديد العزاء، الذين أكدوا أن التحقيقات تناولت أو تركزت في بعض جوانبها على روايات تأريخية تتعلق بحقائق عن ثورة الحسين (ع) ضد ظلم وجبروت يزيد، نقول لا أحد يجب أن يتصور أن هذه المسألة تدخل في إطار الخلاف المذهبي بين الشيعة والسنة، لأن مثل هذه الحقائق قد استقرت وتجذرت في وجدان كل المسلمين، الشيعة والسنة، بل كل الإنسانية التي تؤمن بأن واقعة كربلاء الخالدة بما ترمز إليه من قيم، إنّما تمثل انتصاراً للعدالة ضد الظلم والاستبداد الامبراطوري الأموي.

إن ثورة الإمام الحسين (ع) في التاريخ والحاضر ومدى الزمان كله، تعني بروز الإسلام كله في وجه الباطل كله، وما نعرفه وندركه جميعاً، عبر كل التاريخ أن عقيدة السنة تجّل وتعظم آل بيت النبي محمد (ص)، كما أن أهل السنة يؤمنون مثل إخوانهم الشيعة، أن قتل سبط رسول الله وأهله بالبشاعة التي تمت في صبيحة العاشر من محرم هي جريمة لا تغتفر، وأن قاتله والمشارك في قتله والراضي به جميعهم ملعونون في الدنيا والآخرة، ومغرضٌ خبيثٌ من يروّج لغير هذه الحقيقة. وعلينا ألا نصدق من يكذب أو يدعي أن البحرينيين منقسمون أو مختلفون حول من قتل الإمام الحسين (ع)، من أجل ألا ننزلق إلى أتون معارك وهمية لا ناقة لشعبنا فيها ولا جمل.

وينبغي النظر إلى تلك الاستفزازات في إطار الانتهازية السياسية، التي لا تقيم أي اعتبار أو وزن للقيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية، وليست معنية بأصول وقواعد العمل السياسي، لذلك يكون الهروب من القضايا الرئيسية والمشكلات الكبرى التي تشغل الناس وتطلعاتهم نحو الحرية والعدالة والمواطنة، والانشغال بقضايا ومعارك مغشوشة وهامشية، مثل الطائفية وغيرها، كما يفعل أحد من يعتلون منبر الخطابة ولا همّ له سوى إفراغ ما بجوفه من أحقاد، والتطاول على الطائفة الشيعية والطعن في عقائدهم، إمعاناً في تكريس الفرقة وإشعال الفتنة المذهبية من دون رادع أو حسيب. ويجب أن نعرف أن مثل هذا الشخص ينطلق من طبيعة استبدادية قمعية، تستمد مواقفها وسلوكها من بيئة سياسية وفكرية ظلامية متزمتة، ترفض الشريك في الوطن، ولا تعترف بوجوده، لذلك هي تستسهل كل الإجراءات الظالمة ضده وتشرعن كل وسائل التخلص منه.

وما نقوله رداً على كل هذه السلوكات المدمرة اجتماعيّاً وسياسيّاً، إن المبدئية تقتضي الانحياز إلى جانب حقوق الناس العادلة والمشروعة، ويجب إخراج هذه المطالب من دائرة المزايدات والتجاذبات الطائفية، لأن حرية الناس وكرامتهم ليست موضع نقاش أو يمكن إخضاعها للمساومات، وعلى من يفكّر أو يحاول أن يسجّل لنفسه بعض البطولات الوهمية على حساب أوجاع وجراحات الناس، ومحاولة تجميل الواقع الراهن عبر تزييف الحقائق أو تبرير القرارات المنافية للعدل والمساواة، أو من خلال اللجوء إلى أساليب التحريض وإشاعة أجواء الفتنة والتفرقة، عليه أن يكف ويتوقف عن هذه اللعبة المدمرة للوطن كله، أما العناد والمكابرة والإصرار على المضي في هذا الطريق المنحرف؛ فيعني استمرار الفتن والخصومات المنهكة للجميع والمكبلة لمسيرة بلدنا، والتي لن تحمل له إلا المزيد من المتاعب والصعاب... وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"

العدد 3740 - الأحد 02 ديسمبر 2012م الموافق 18 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً