عندما زار الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إكمال الدين إحسان أوغلو القاهرة قبل بضعة أيام، اغتنمت الفرصة للحصول على رأيه عن الوضع الراهن في مصر. أردتُّ بشكل خاص الحصول على رأيه في بعض المخاوف والتحديات التي تواجهها الدولة وشعبها الآن: العودة إلى الأوتوقراطية أو حكم الفرد المطلق، والعلاقات مع المجتمع القبطي المسيحي، أكبر الأقليات الدينية في مصر، ودور الدين في الحكومة. فصوته، كممثل لأكبر مجموعة عبر الحكومات للدول ذات الغالبية المسلمة، يحمل وزناً دبلوماسيّاً كبيراً، على رغم اعتماد منظمة التعاون الإسلامي على القوة اللطيفة أكثر من أي شيء آخر.
إحسان أوغلو دبلوماسي وأكاديمي تركي، ولد ونشأ ودرس في القاهرة، وهو ناتج مصري إلى درجة بعيدة. عند عودته إلى القاهرة بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، التي أنهت حكم حسني مبارك، تحدث إلي بنبرة متفائلة، مدركاً بحذر التحديات التي تواجهها مصر.
رأيه، أن مصر لاتزال في المرحلة الانتقالية، إذ تنتقل من «نظام يحكمه فرد نحو تطلعات الحكم الديمقراطي». لكنه كان أثناء زيارته واضحاً في أمله لمصر، التي كان متأكداً أن «شعبها لن يقبل أبداً عودة حكم الفرد»، بأي شكل أو صورة أو من أي توجه سياسي، وهي رسالة إلى جميع سياسيي مصر الحاليين والمستقبليين.
وفيما وراء عودة حكم الفرد إلى مصر؛ يتعلق اثنان من مخاوف مصر الأكثر بروزاً بالدين: وضع أكبر أقلية ديمغرافية دينية في مصر، وهم الأقباط المسيحيون، وسياسة الهوية الدينية. بدا إحسان أوغلو واعياً بالقاعدة التاريخية لهذه القضايا، وعلى رغم ذلك، اتخذ وجهة نظر أكثر بعداً نحو إيجاد الحلول.
موقع الأقباط المسيحيين في مصر بالنسبة إليه ليس موضع تساؤل. تحدّث عن حالة «أسلوب العيش» التاريخية - الاتفاق على عدم الاتفاق - بين المسلمين والأقباط. وإحسان أوغلو، الذي اعترف بأن الأقباط واجهوا «مشاكل كبيرة» في الأيام الأخيرة للنظام السابق، اعتبر البابا السابق شنودة «رجل حكمة وعلم، ومصريّاً وطنيّاً».
بالنسبة لأوغلو، يُعتبر أقباط مصر مصريين وجزءاً لا يتجزأ من العالم العربي، وتجب معاملتهم كذلك، وليس كعنصر أجنبي. إلا أنه ربما يكون من الأكثر إثارة للاهتمام وجهة نظر الأمين العام عن سياسة الهوية الدينية والعلمانية في مصر والعالم الإسلامي الأوسع. فقد عبّر، وهو يتحدث كفرد وعالِم، وليس كممثل لمنظمة التعاون الإسلامي، عن الأمل في أن يقوم المسلمون برسم خط «حتى لا تهيمن السياسة على الدين، ولا يهيمن الدين على السياسة». وشرح ذلك بالقول: إن هذا الجهد يجب أن يرتكز على «احترام متبادل، وكذلك على عدم تدخّل متبادل» بين الإسلام كدين والنظام السياسي المصري. في الوقت نفسه، بحسب قوله، «إنه لأمر طبيعي بالنسبة إلى المسلمين أن يكون للإسلام أثر على الساحات السياسية والعامة». وقد ترك ذلك الأثر مفتوحاً من دون تقديم المزيد من الشرح أو التفسير.
إلا أن إحسان أوغلو أوضح أن المؤسسات الدينية في مصر، كما في أماكن أخرى، تزدهر بشكل أفضل تحت «أسلوب أنجلو-ساكسوني من العلمانية»، وهو نوع من العلمانية «تملك فيه المؤسسات الدينية حكماً ذاتيّاً وعلاقات تعاون مع المجال العام، بدلاً من الهيمنة عليها، أو أن تُحكَم من قبلها». وقد يعكس هذا توجهاً ذكيّاً لا يشبه النموذج العلماني الفرنسي الذي يستثني الدين من المجال العام، ولا نظاماً مفضّلاً يرفض الاعتراف بوجود العلمانية كنموذج يمكن للمسلمين تطبيقه.
لا يملك المرء أحياناً كثيرة فرصة الانخراط في حديث مع مفكّر بارز أو أكاديمي أو شخصية سياسية. ومن النادر أكثر أن يجتمع الإنسان بشخص يضم هذه الصفات الثلاث. ولا يسع المرء إلا أن يأمل أن يأخذ المسلمون المصريون هذه المشاعر المتعلقة بالأقليات والعلاقة بين الدين والدولة. وتبقى هذه المواضيع مهمة لمصر والمنطقة العربية والعالم الإسلامي الأوسع.
*إتش إي هيليير، زميل غير مقيم بمعهد بروكنغز ومعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، والمقال ينشر بالاتفاق مع خدمة «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3739 - السبت 01 ديسمبر 2012م الموافق 17 محرم 1434هـ