العدد 3737 - الخميس 29 نوفمبر 2012م الموافق 15 محرم 1434هـ

رؤية غزَّة من خلال المشهد الفلسطيني

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

دعنا من تفاصيل ما حدث في غزّة، فالحاقدون والمهرّجون والمتآمرون والمتعبون من السير في دروب حروب الحق، يملأون ساحات الدراما الفلسطينية، ولنركز بهدوء تام على جوهر ما حدث.

أولاً: لو أن وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم المضحك المبكي في الجامعة العربية، مدّوا بصرهم نحو المشهد الفلسطيني برمَّته لوجدوا أن الهجوم البربري الحقير على غزة هو جزءٌ من مشهد أكثر بشاعة وهمجَّية وأقل إنسانيةً من ذلك الهجوم.

دعنا نستعيد صور ذلك المشهد الفلسطيني: إنه احتلال صهيوني ينتقل خطوة خطوة نحو مشروع فصل عنصري ليصل في النهاية للتخلص من السكان الأصليين. إنه احتلال يمارس جغرافية الكارثة من خلال التحكّم في كل حركة انتقال للإنسان الفلسطيني، وذلك بوضع الحواجز في كل مكان، فيسلب المكان الفلسطيني، وبسبب تلك الحواجز يُضيع الفلسطيني جزءاً كبيراً من وقته كل يوم وهو ينتظر عند الحواجز قبل السماح له بالذهاب إلى بيته أو مكان عمله أو مدرسته، فيسلب الاحتلال الزمان الفلسطيني، أي الحياة الفلسطينية، إذ إن الزمن هو مادة الحياة.

وهو احتلال قلب فلسطين إلى سوق وقف للبضاعة الصهيونية، فأوقف كل تنمية. وهو احتلال طبَع كل شيء، فالاحتلال والفصل العنصري والعنف الظاهر والباطن، والاغتيالات والتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم مرضى الجذام والطاعون الذين يعيشون في معسكرات الأوبئة بعيداً عن الأصحَاء اليهود، وإرغام الفلسطيني على أن يعيش حياة اللاتوازن والهلع من المجهول بسبب تحكُم أي مسئول صهيوني صغير في كل صغيرة أو كبيرة من نشاطاته الحياتية اليومية. كل ذلك وأكثر أصبح أمراً طبيعياً في الذهن الصهيوني يمارسه كحق للدفاع عن مزاعمه الأمنية.

ثانياً - لو أن وزراء الخارجية العرب استحضروا ذلك المشهد وربطوه بما كان يجري في غزة، لأدركوا أن القرارات التي خرجوا بها، والجميع يعرفها، كانت معيبةً وغامضةً وحتى غير واقعية. من هنا كانت الحاجة لرجوع وزيرة الخارجية الأميركية لتضع اللمسات الأخيرة على هدنةٍ لن تقدّم ولن توخّر في الصراع العربي-الصهيوني الحقيقي العميق.

ثالثاً – لكن أمام ذلك المشهد السياسي العربي البائس وُجِد مشهد المقاومة الفلسطينية في غزة، فهو الذي كان له الدور الأكبر في مجريات ما انتهى إليه الأمر. هنا يجب أن نكون صريحين: أية مقاومة كانت ستكون لولا السّلاح العسكري الذي امتلكته المقاومة؟ كانت ستكون مقاومةً محدودةً وعاجزةً.

من هنا يجب أن نرجع الفضل لأصحابه: من قدّم السلاح ونقله ودرّب رجال المقاومة على استعماله. وبغضّ النظر عن الخلافات السياسية أو المذهبية أو الاستراتيجية بين البعض وبين النظامين الإيراني والسَوري والمقاومة اللبنانية، فإن الجهات الثلاث هي التي قدّمت سلاح الصواريخ وغيرها، ونقلته إلى غزّة ودرّبت المقاومة الغزّاوية، وبالتالي لعبت دوراً هائلاً في صمود المقاومة أمام آلة الدمار الصهيونية. وستكون قلة مروءةٍ ألا يُشاد بذلك الجانب من المشهد.

رابعاً - ليس المهم أن تتصالح حماس مع فتح، ولكن المهم أن تتصالحا على أيّ أسس؟ إذا كان التصالح سيتمُ على أسس مراجعة جذرية للأهداف والاستراتيجيات والمراحل والخطوط الحمر والإشراك التام لكل الشعب الفلسطيني في تلك المراجعة والعلاقة مع الفضاءين العربي والإسلامي وإشراكهما في مقاومة ذلك المشهد المأساوي للاحتلال الصهيوني، فإنه تصالحٌ مرحّبٌ به ومفيد، وإلا فسيكون تصالح تقاسم للمنافع وللسلطة وللحظوة.

هل يستطيع العرب والمسلمون والفلسطينيون الانتقال بالموضوع الفلسطيني إلى مثل تلك الآفاق؟ هذا هو السؤال.

خامساً - أنظمة ما قبل الثورات والحراكات العربية الحالية لن تستطيع استيعاب أعماق المشهد الفلسطيني، إذ إنها تمارس بصور مختلفة وبمسمّيات أخرى الخطايا نفسها التي يواجهها الفلسطينيون. الأمل الآن هو في أنظمة ما بعد الثورات والحراكات، في أن تقوم بمراجعةٍ متناسقةٍ ومتناغمةٍ مع المراجعة الفلسطينية تلك، وذلك من منطلق أن القضية الفلسطينية هي قضية عربية وإسلامية تهمُ الجميع.

مأساة غزّة يجب أن تكون شرارةً تحيي نار الصراع الوجودي بين صهيونية بربرية استعمارية لا محلّ لها في أرض العرب، وبين كل العرب وكل المسلمين وكل القوى الإنسانية الخيّرة في العالم.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3737 - الخميس 29 نوفمبر 2012م الموافق 15 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:04 ص

      داود

      يمكن قصدك ...
      رؤية مهزة من خلال المشهد البحريني !

    • زائر 4 | 5:06 ص

      د. علي فخرو لم يزد شيآ

      وانما نقل ما ذكره خالد مشعل في مؤتمره الصحافي بان وجه رسالة شكر إلى الجمهورية الإيرانية الإسلامية، ودعا الدول العربية الأخرى إلى السير على خطى إيران لدعم المقاومة بالسلاح. مانريده من كتاب الاعمدة خصوصا عدم التحيز والكيل بمكيالين فعلي سبيل المثال نري البعض يغض الطرف عن فساد حكومة المالكي في العراق والبعض الآخر عن مماراسات الاخوان المسلمين في مصر ليس لان الولاء العقائدي هو ديدنه ليس الا..ونسي ان القلم أمانة ومسؤلية وليس وجاهة ..

    • زائر 3 | 1:38 ص

      دكتور ماذا تتوقع من حكومات تمارس مع شعوبها اسوأ مما تمارسه اسرائيل

      ما تمارسه اسرائيل مع الشعب الفلسطيني له الكثير من التشابه فيما يحصل في دول عربية كثيرة فالفصل العنصري والتمييز وغيره من الامور موجودة وملموسة وتمارس جهارا نهارا فلماذا نستغرب من دولة صهيونية عدوة تقوم بذلك

    • زائر 2 | 1:04 ص

      شكرًا لك دكتور

      بعيون المنصف انت محق وبعيون الحاقد انت صفوي مجوسي

    • زائر 1 | 10:41 م

      أحسنت دكتور

      أشاركك في آرائك أيها المعلم الكبير وأتذكر دائماَ كم كنت مقتدراً وزيراً للتربية والتعليم.
      قد وصل بالأمر أن يتراشق القادة العرب بتسميات ....وهذا شأنهم يختارون ما يشاؤون من تسميات لأنفسهم. أما الشعوب العربية الواعية ماضية في سيرها ترى الحق حقا وتثمن عالياً مساندة الآخرين عرباً وعجماً. لك منا ألف تحية وسلام ونتطلع أن تأخذ يوماً موقعك القيادي المتقدم من أجلنا ومن أجل بحريننا.

اقرأ ايضاً