المكان: جامع الإمام الصادق، الضاحية الجنوبية بيروت، الزمان: يوليو/ تموز 1999. والحدث: لقاء مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان.
كنت قد اطلعت على بعض كتب الشيخ وأطروحاته الفقهية التي تتسم بالعمق والنبرة التجديدية قبل أن ألتقيه، وكانت تصريحات أقرانه من علماء الحقبة التأسيسية للحركة الاسلامية في العراق عن دوره البارز في صفوفها تنبّه عن مكانته اللافتة إن على مستوى نشاطه الحركي أو نبوغه العلمي، حتى أن أستاذ الفلسفة الاسلامية في الحوزة العلمية في قم سابقاً عبدالجبار الرفاعي اعتبر الامام شمس «الوريث الأول لعبقرية الصدر الأول»، في إشارةٍ إلى السيد محمد باقر الصدر (ت 1980).
كان الشيخ شمس الدين يتحلى بتواضع كبير، بسيطاً في حياته الخاصة ومريحاً في تعامله مع الناس، حتى أنه عندما علم بأني طالب جامعي أدرس بإحدى الجامعات اللبنانية في سنتي الثالثة، دعاني بتلطف والابتسامة تشق لحيته القطنية إلى الانضمام الى الجامعة الاسلامية التي أسسها لاكمال دراستي فيها في مرحلة الماجستير، أجبت بخجلٍ بأن هذا ما سأفكر فيه حتماً.
الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1936 - 2001) من أبرز مجتهدي مدرسة النجف الاشرف المعاصرين، وقد أوضح أفكاره في كثير من القضايا الفقهية والفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في مؤلفاته ومحاضراته ومقابلاته الصحافية. وكان لشمس الدين آراء اجتهادية جديدة، لعل أبرزها:
- في النظام السياسي الاسلامي طرح نظرية «ولاية الأمة على نفسها»، مقابل نظريات أخرى مطروحة في الساحة كنظرية «ولاية الفقيه المطلقة» أو نظرية «شورى الفقهاء المراجع» أو نظرية «عدم شرعية الحكم في عصر الغيبة»، إلى غير ذلك من النظريات المتداولة في أدبيات الفكر السياسي الشيعي.
- يرى ان مشروعية تولي غير المسلمين من مواطني الدولة الاسلامية الأكفاء المخلصين للوظائف الحكومية في المناصب القيادية العليا. وقد فصل القول في هذه المسألة في كتابه «نظام الحكم والادارة في الاسلام» تحت عنوان «الخيار بين الكفاءة المهنية والاخلاص الديني».
- يرى جواز تولي المرأة للسلطة ورئاسة الدولة. وقد تطرق لذلك بالتفصيل في كتابه «أهلية المرأة لتولي السلطة».
- إنكار الجهاد الابتدائي بالرغم من اتفاق علماء السنة والشيعة على تقسيم الجهاد إلى قسمين هما الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي، إذ يرى الشيخ أن الجهاد المشروع في الاسلام هو الجهاد الدفاعي فقط. وان لا مشروعية للجهاد الابتدائي، وقد تحدّث بإفاضة عن الموضوع في كتابه «جهاد الأمة».
- يرى جواز تقليد المرأة المجتهدة الفقيهة إذا كانت تتوفر على بقية الشرائط المعتبرة في مرجع التقليد. وقد بحث المسألة بالتفصيل في كتابه الاجتهاد والتقليد تحت عنوان «الذكورة» في باب «الشرائط المعتبرة في الفقيه مرجع التقليد».
في لقائي بسماحته بصحبة عدد من الاخوة اللبنانيين، كانت ظلال الحدث البحريني حاضرةً بقوة، وقد سعيت الى استغلال اللقاء في إثارة ما يمكن أن يشكل فهماً أوضح لرؤيته للأوضاع في بلدي وعما قيل عن دور له في حلحلة الأزمة البحرينية التي كانت قد دخلت عامها الخامس منذ أن انقدحت شرارتها الأولى في منتصف التسعينيات.
قال الإمام شمس الدين انه كان قد قاد مساعي بالتعاون مع الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي والبحرين تعيش أجواء الانفلات الأمني وعدد من القيادات الدينية رهن الاعتقال، وقال ان القيادة المصرية فاتحت الأمير الراحل سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (ت 1999) بشأن مبادرة حل لإنهاء فتيل الأزمة، غير أن أطرافاً في الحكومة البحرينية رفضتها فمات المشروع وهو في مهده.
وقد أكد شمس الدين، أنه تلقى دعوةً رسميةً من الأمير الراحل سمو الشيخ عيسى، لكن الارتباطات حالت دون تنفيذ الزيارة في موعدها، غير أن الزيارة تمت بعد أن تولى سمو الشيخ حمد بن عيسى (آنذاك) مقاليد الحكم، وأكد وقتها أن هناك مشروعاً سياسياً طموحاً يقوده الأمير، سيخرج البلاد إلى الأبد، أو هكذا يفترض، من مأزقها السياسي والأمني الصعب، ولديّ معلومات أكيدة – يقول الامام شمس الدين - أن الاخوة العلماء المعتقلين سيفرج عنهم في مبادرة صريحة لطي صفحة الماضي وتدشين عهد جديد.
كان هذا الحديث، قبل تدشين ميثاق العمل الوطني في فبراير/ شباط 2001، وقبل الانفراجات التي حدثت قبيل وبعد طرح الميثاق والتصويت، في وقت كانت البلاد مازالت مثخنة بالجراح والسجون تغص بالنزلاء. وقد أثار حديث الشيخ الواثق أملاً كنا قد فقدناه في تلك السنوات العجاف. ولإيماني بموقعية الشيخ على الصعيد الروحي والسياسي والاجتماعي ومكانته الكبيرة في العالم العربي والاسلامي، كنت مدركاً لما يخوله ذلك للعب «دور ما» لصالح القضية البحرينية استمراراً للنهج الذي بدأه مع حركة الامام السيد موسى الصدر (غُيّب عام 1978).
كان الشيخ يرى أن من الأمور المهلكة التي وقعت فيها الحركات الاسلامية خلال الخمسين سنة الأخيرة، اعتبارها أن مشروع السلطة من الأولويات، فمشروع السلطة هو من الأمور التي عطّلت نمو الإسلام كقوة محركة، وزجت بالحركة الإسلامية في مواجهة السلطات وقوى المجتمع.
ولهذا كان يرى أن التنظيم الاسلامي «حينما يدخل في السلطة على مستوى نيابة أو حكومة، إما أن يستعمل آليات السلطة، وعندها سيفقد جانباً كبيراً من نقاوته وطهارته وصدقه، وإما أن يكون أميناً لهذه المعطيات فيصبح مشروع تفجير للسلطة من الداخل، ويدفع السلطة إلى أن تقاومه، وهكذا يتحول فوراً إلى مشكلة لقاعدته ثم لمجتمعه، وهذه تجربة الاخوان في الأردن، وتجربة الإسلاميين في مصر، وتجربتهم المرة والمرعبة في الجزائر، وتجربتهم في الكويت، مع انها من أفضل التجارب... إلا أنها تبقى تجربة مؤسفة».
في كتابه الأخير «الوصايا»، وهي وصايا صوتية سجلها وهو على فراش العلاج من داء السرطان في منزل الوجيه محمد مهدي التاجر في باريس، لخّص الشيخ وصيته الأولى «أوصي الشيعة في كل وطن من أوطانهم وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم وأقوامهم في مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وألا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وألا يخترعوا مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم».
رحمك الله يا أبا إبراهيم... لقد عشت مهموماً بقضايا المسلمين ومستقبلهم.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 3734 - الإثنين 26 نوفمبر 2012م الموافق 12 محرم 1434هـ
لا ننسى مديحه لمجلس الشورى
لا ننسى مديحه لمجلس الشورى
نحترمه ونحترم عقولنا أيضاً
رحمة الله على الشيخ، ولكن للتاريخ، إن كلماته التي قالها عندما قدم إلى البحرين لم تكن مدركة لمجريات الأمور كما هي، كما أن حديثة كان مجيراً لصالح السلطة للأسف.
ماذا كان لدينا ؟
نعم لقد تخلينا عن مناصبنا القيادية في الوزارات السيادية ورفضنا الإندماج, لقد تركنا المراكز الحساسة التي كانت مفتوحة لنا علي مصراعيها.
هل
هل الاندماج يعني ان لايدرس مذهبي وتدرس باقي المذاهب في المناهج التربوية ؟؟؟
قارئ منصف
أشكر الكاتب وسام على طرحه أفكار الشيخ شمس الدين المعتدله.. لقد شهدنا محاضراته في مسجد الفاتح وجامع جدحفص وجامع سترة... حقا لو أخذنا بوصيته في دمج أنفسنا وأقوامنا في مجتمعنا وفي وطننا،ولم نميز أنفسنا بتمييز خاص،ولم نخترع مشروعاً خاصاً يميزنا عن غيرهنا، ما حل بنا ما لقيناه من البلاء... لقد ذكرتنا بأفكار الشيخ سليمان المدني رحمه الله وبأفكار الدكتور محمد علي الستري التي ينادي بها حاليا... كانت أفكار الشيخ شمس الدين والمدني والستري أقرب للواقع الذي نعيشه في البحرين وهي أفكار أبعد عن الوهم ...
ماذا أقول بعد أن قلت عن نفسك قارئاً منصفاً !؟
إن كنت منصفاً حقاً فهل المطالبة بحكومة منخبة يعد عدم اندماج ؟ ، وإن كنت منصفاً حقاً فهل في المطالبة بالمساواة بين أبناء الشعب كأسنان المشط يعد تهوراً؟ ألم يحاول الشعب طيلة تلك العقود أن أن يندمج ؟ إذن من الذي أقصى الشيعة عن المناصب والعسكر؟ من الذي فضل الأجنبي على ابن الوطن؟ من الذي أطلق العنان لإعلامه بالنيل منا، هل تعتبر ان المنهج التعليمي يوافق الإندماج بين مكونات الشعب ؟من ذكرتهم عليهم الرحمة عاشوا وزراء ولم يعيشوا فقراء.
الياس
شكراً للكاتب وسام السبع على تسليط الضوء على شخصية المفكر المرحوم شمس الدين والذي في اعتقادي ضاعت ولم تعرف الأمة قدرها كما الشيخ المدني عندنا في البحرين فكلاهما يقتربان من المنهجية الواحده
نسأل الله أن يمطر على روحيهما شآبيب الرحمة و الرضوان