العدد 3733 - الأحد 25 نوفمبر 2012م الموافق 11 محرم 1434هـ

ثورة الكرامة البشرية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم تحظَ ثورةٌ في التاريخ من المتابعة والاهتمام والتفاعل الوجداني بمثل ما حظيت به ثورة كربلاء.

كانت حركةً تصحيحيةً في مسار التاريخ الإسلامي، تركت ارتدادات واسعةً على المدى القريب والبعيد، ولم تتوقف تفاعلاتها حتى العصر الحديث.

كانت واقعة كربلاء زلزالاً عميقاً، وصلت ارتداداته داخل الأسرة الأموية، فالحاكم لم تطل به الحياة، وقضى نحبه في رحلة صيد غامضة وهو لم يبلغ الأربعين. واعتذر ابنه معاوية الثاني عن تسلّم المسئولية استفظاعاً لما حصل، وتسلّمها الفرع الآخر من الأسرة (المروانيون)، ليحكموا امبراطوريةً ضخمةً ظلت تتعثر في أخطائها الدموية القاتلة.

على المدى القصير أيضاً، كانت المدينتان المقدستان، مكة والمدينة، على خط ارتدادات زلزال كربلاء، فأخرج أهل المدينة الوالي في العام التالي فأرسل إليهم الحاكم جيشاً استباح مدينة الرسول ثلاثة أيام كما تذكر كتب التاريخ. وفي العام الثالث ضرب الكعبة بالمنجنيق بعد إعلان عبدالله بن الزبير ثورته على الأمويين. وظلت الأرض بعدها تهتز بحركات الاحتجاج لعقودٍ قادمة.

على المستوى البعيد، ظلّت عاشوراء تضخ في جسد الأمة تلك القيم والمبادئ التي جاءت بها الرسالة الجديدة في فجرها الأول، وحاول الحكم سحقها، تنفيذاً لمشروعه الامبراطوري البديل. كانت كربلاء صراعاً بين مشروعين، وفكرتين، ومبدئين.

كان قد مضى على رحيل صاحب الرسالة (ص) خمسون عاماً، يوم خرج حفيده معلناً على رؤوس الأشهاد: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد». وكان الطريق أمامه واضحاً، لمعرفته التامة بطبيعة خصمه، وكانت تتراءى أمامه عواقب هذا المرتقى الصعب فيحدّث أصحابه بما ينتظرهم في نهاية الطريق.

كانت ثورةً مبدئيةً نقيةً كالبلور، فبعد انفضاض أصحاب المصالح والمطامع، بقيت تلك الثلة القليلة المؤمنة بأهدافها، القابضة على مبادئها كالجمر، تزول الجبال ولا تزول، فتركت للإنسانية هذه الملحمة الخالدة في الصبر والإباء، والفداء والإيثار. لتبقى مدرسةً للبشرية التي تتطلع إلى غدٍ أفضل، خالٍ من الأثرة والظلم والطغيان والاستبداد.

كانت أول المبادئ التي بشّرت بها الرسالة الجديدة أن الله يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. ومن أوائل الدروس التي تعلّمها المسلمون أن الناس كلهم سواسية، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وعاشوا عملياً تجربة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في مدينتهم الجديدة. كل هذه التجربة السياسية والميراث الحضاري أطاح بهما الحكم الامبراطوري بعدما أحكم قبضته على الأمور.

كانت الخطوة الأولى محاولة جسّ النبض لمعرفة مدى تقبل هذا التحوّل في نظام الحكم، بتحويله إلى التوريث. وبينما سكت الكثيرون خوفاً أو طمعاً، رفع الحسين (ع) صوته بالاعتراض. كانت القاطرة تندفع بقوةٍ نحو الهاوية، وكان مستقبل التجربة الإسلامية كلها على المحك.

اليوم، وبعد مرور كل هذه القرون، يحتفل قسمٌ من العالم الإسلامي بإحياء ذكرى هذه الواقعة الحاسمة في التاريخ بهذه الصورة الحماسية الواسعة. وربما تختفي ملامح تلك الثورة الناصعة مع الإغراق في جانب المأساة، لكن الحقيقة أنها أول ثورةٍ في التاريخ تعلن بوضوحٍ رفض مبدأ توريث الحكم، سابقةً عصر حقوق الإنسان بألفٍ وثلاثمئة عام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3733 - الأحد 25 نوفمبر 2012م الموافق 11 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 8:26 ص

      لبيك يا حسين

      كذب الموت ُ فالحسبن مخلد

    • زائر 15 | 5:26 ص

      الحسين ثورة مستمرة

      الحسين علمنا كيف نكون و كيف نموت بعزة و كيف ننتصر

    • زائر 14 | 5:12 ص

      المصلي

      هذه الثورة هي ثورة الهية ربانية مسددة من الله العلي القدير شاء الله أن يرى الأمام الحسين ع قتيلا مرمل بدمائه الزكية الطاهرة ولذلك بقيت هذه الثورة تحملها الأجيال تلو الأجيال وبكل عنفوان وقوة فهو في قلوب المحبين حرارة لن تبرد ابدا لأنه مصباح هدى وسفينة نجاة وهذه الكلمات الربانية مكتوبة على ساق العرش يوم ان عرج بالرسول الأعظم ص الى السماء ولذلك أخد رسولنا ص على عاتقه من اول يوم ولد فيه ابو الأحرار اقامة هذه الشعائر الحسينية بالنياحة عليه واخدها ائمتنا الطاهرين امام بعد امام وورثها شيعتهم عنهم

    • زائر 13 | 4:50 ص

      وتبقي مسيرة الحسين مستمرة

      علي كل عاقل أن يعي أن ذكرئ الأمام الحسين ستضل تضيئ طريقنا الي يوم القيامة. واكبر دليل علي ذالك هو الزخم الذي تأخذه هذه الثورة في أيامن هذه.

    • زائر 11 | 3:23 ص

      المصلي

      عظم الله اجورنا واجوركم سيدنا بمصاب جدك الحسين نعم لم تحظ ثورة كما حظيت هذه الثورة المباركة من الأهتما م والمتابعة والبدل والتضحية والعطاء من الأجيال تلو الأجيال من المحبين لآل الرسول ص وهل هذا الا الخلود الأبدي لثورة ابي الأحرار ع الا مصداق لقول الحوراء زينب لبن زياد علية لعنت الله كد كيدك وسعى سعيك وناصب جهدك فوالله لن تمحوا ذكرنا ولن تميت وحينا وسبقى ثورة الأمام الحسين ع شعلة تضىء الدرب لكل الأحرار في العالم ينهلوا من معينها العذب الزلال والذي لا ينظب ابدا فالسلام على الحسين مابقينا

    • زائر 10 | 2:44 ص

      لك الاجر العضيم

      شكرا لك لايضاحك للقراء الذين تختلط عليهم ماهية ثورة الامام الحسين سيد شباب اهل الجنه و ابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وابن علي ابن ابي طالب عليه السلام و اخ الامام الحسن سيد شباب اهل الجنه الذي نزل في حقهم سورة التطهير. وشكرا لك لايضاحك البعد التاريخي والحديث الى الان لماهية ثورة الامام الحسين الذي خرج طالبا الاصلاح لكل المسلمين لايوجد في ذاك الزمان من هو محسوب شيعي او سني بل مسلمين فقط ولاكن الزمان غرس الطائفيه في نفوس واعمي بصائر الكثير عن الحق.

    • زائر 9 | 2:23 ص

      نبراس هدى هو الحسين ابن علي عليهما افضل الصلاة والتسليم

      ما بقت الدنيا الفانية وما تخلده بخلد النار والجنة سيبقي هذا النبراس الجلي هو الفيصل بين الآنية الفانية والتالية الباقية فهو سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عن الركب لم يبلغ الفتح ومأواه جهنم وبئس المصير فهل تتعض أمة انها افضل أمة أخرجت للناس فتسير على الهدى أم يحسبون ان الآنية لهم مخلده...؟؟ السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام السلام عليك ياسيدي ومولاي يا أبا عبدالله الحسين وعلى أهل بيتك الاطهار الميامين

    • زائر 8 | 2:07 ص

      السلام على الحسين

      نتعلم من الحسين الإباء الكرامة الوقوف مع الحق وعدم الخنوع القبول بالذلة التضحية ون ينتهك حقوق الانسان وغيرها الكثير يعلمها ... لذلك لازالت المحاولات لدثر هذه الثورة المباركة الانسانية

    • زائر 7 | 1:35 ص

      الملحمة الخالدة

      انها ملحمة خالدة تضم قيم الصبر والشجاعة والصمود والاباء والصدق والاخلاص.

    • زائر 6 | 1:32 ص

      اقولها صدقا

      الحسين للجميع ولابد من استلهام العبر من حياته وانه رحمة الله الواسعة للخلق اجمعين

    • زائر 4 | 12:11 ص

      امل البحرين

      والآن اتباع الحسين بالملايين مازالوا على نفس النهج يرفضون الظلم والاستبداد وذكره خالد الى قيام الدين واتباع الدولة الأموية مازالوا يتبعون نهج أجدادهم وآسيا دهم من سفك الدماء والبطش والظلم ولكن اين ذكر يزيد وأين قبره الذي لايعلم أحدا اين هو وانما في مزبلة التاريخ هذه سنة الحياة الا من معتبر!

    • زائر 1 | 10:15 م

      الحسين عليه السلام شمعة لا تنطفئ

      السلام عليك يا ابا عبدالله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك عليك مني سلامأ ما بقيت وبقي الليل والنهار، اعزي شيعة اهل خاصة والمسلمين عامة بستشهاد سبط النبي.

اقرأ ايضاً