عقدت الجامعة العربية اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية لبحث هذا العدوان الإسرائيلي. ودعا أمينها العام نبيل العربي لإعادة النظر في الاستراتيجية العربية الخاصة بعملية السلام، وهو يدرك بخبرته السياسية والقانونية أن هذا ليس أمراً ميسوراً ولا متاحاً، وأنه تكرار للشعارات وليس للسياسة الحقيقية.
وأصدرت العديد من الدول العربية بيانات الشجب والإدانة لإسرائيل والتأييد لفلسطين، وقررت الجامعة إرسال وفدٍ إلى غزة للتضامن مع شعبها، ودعت المجتمع الدولي لتحمل مسئولياته.
أما رئيس وفد السودان في الاجتماع الوزاري الطارئ فقد قدم تساؤلاً فيه من التهكم ومن الحقيقة المُرّة الشيء الكثير؛ إذ قال إن هذا الاجتماع ليس له سبب ولا مبرر، وإن العدوان الإسرائيلي على العرب أمر متكرر، وهذا ما حدث على بلده منذ أيام قلائل، عندما قامت إسرائيل بغارة دمّرت فيه أحد المصانع العسكرية، ولكنه لم يقل إن هذا المصنع تم بناؤه بمساعدة أو لمصلحة إيران، لمصالحها الاستراتيجية، ومنها يتم من خلاله إرسال الأسلحة لغزة ولحزب الله اللبناني، وربما لدول أخرى عديدة كما جاء ذلك في الأخبار العالمية.
وإسرائيل الثعلب المكار لم تقل شيئاً، فهي تدمّر وتحطم وتقتل بدم بارد والشعب العربي، الذي أسماه الشاعر السعودي غازي القصيمي «ظاهرة صوتية»، مستمر في تأييد تراثه كظاهرة صوتية.
أما الشعب الفلسطيني فهو مغلوبٌ على أمره سُلب منه التفكير، وفُقدت البوصلة من كثرة المعاناة. أما كثير من قادته المقيمين في عواصم الدول الأخرى فأإنهم يتمتعون بالطيبات ويكررون الشعارات. ويناضلون عبر الميكروفونات، ثم أصبحت هذه الميكروفونات الجديدة تحمل اسم الإسلام «المفترى عليه من أبنائه»، والذي ينطبق عليه «كلمة حق أريد بها باطل». والقادة يتصارعون فيما بينهم أيهم أكثر حباً لليلى الفلسطينية، وليلى لا تقر لأي منهم بحب، فهم عشقوا تسيبي الإسرائيلية الحسناء، ووقعوا في حبائلها، وفريق منهم عشق الخطابة والفصاحة، واعتقد أن ذلك هو النضال، وفريق ثالث أحب المال الإيراني أو المال العربي حباً جماً، وفريق رابع أحب التجارة عبر الأنفاق على الحدود المصرية الإسرائيلية بدعوى تخفيف المعاناة، وهي تجارةٌ لا تمت للمعاناة بسبب، وإنما أصبح بعض التجار مليونيرات وعملوا بهمة لإفقار الشعب المصري، وتهريب السلع منه بما في ذلك النفط، والحكومة المقالة في غزة ترفض الاستقالة أو الإقالة وأثبتت بجدارة ما يردده الأعداء، بأنه لا ديمقراطية في الإسلام (السياسي)، وأن المسلمين يؤمنون بصندوق انتخابات حر وشفاف لمرة واحدة، والبقاء في السلطة إلى الأبد، وما حدث في غزة هو نموذج واضح بعيداً عن قواعد العمل الديمقراطي، وهو ما يحدث في دول عربية وإسلامية كثيرة يضحِّي قادتها بأعمارهم للبقاء في المنصب مع إبادة الشعب البائس، وكل من يعارضهم يصبح كافراً أو ليبرالياً أو علمانياً أو خائناً أو عميلاً للأعداء، وغير ذلك من المسميات، ومن ثم فهو ضد الإسلام، ويجب طرده من الأوطان تحقيقاً للنقاء الإسلامي.
سبحان الله، أي إسلام هذا؟ لو عاد محمد بن عبدالله ثانيةً لتبرأ من كثير من أتباعه هؤلاء.
السؤال الذي نطرحه، هل من دروسٍ استفادها العرب والفلسطينيون من هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الجديد أو المتجدد والمتكرر؟ في تقديري أن ثمة دروساً كان ينبغي الاستفادة منها واستخلاصها من الصراع الإسرائيلي العربي، وخصوصاً العدوان على الشعب الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص على غزة.
الدرس الأول: إن أي قائد في أية دولة يفشل في المعركة أو يرتكب خطأً جسيماً فإنه يستقيل احتراماً لنفسه ولشعبه، وأي زعيم حزب سياسي يرتكب خطأً أو حتى يخفق في الانتخابات يستقيل من الحزب الذي ينتمي إليه، ويفسح المجال لمن يخلفه.
فهل يمكن أن يحدث هذا في غزة أو في فلسطين أو في أية دولة عربية؟ أم أن زعماءنا يقلبون الهزيمة إلى نصر، وفلاسفتهم من الكتَّاب يقلبون الهزيمة إلى نكسة تظل لعشرات السنين؟ أية فلاسفة هؤلاء!
الدرس الثاني: نستدعيه من الصين الصاعدة، وهي تضع برنامجاً علمياً لتدريس قياداتها، من منصب رئيس قسم في أية وزارة حتى منصب الوزير لتدريسه وتثقيفه في مدرسة الحزب حول المستجدات على الساحة الدولية والمتغيرات، حيث يتم تدريسه السياسة والاقتصاد والقانون والثقافة والاستراتيجية حتى تجعله يفهم معنى القيادة ودورها ومسئوليتها، فلا يرتكب الأخطاء بصورة متكررة.
وهذا لا يعني استحالة ارتكاب الأخطاء، فالجميع بشر، وإنما التقليل من ذلك.
والسؤال: هل السادة المحترمون خطباء المساجد الذين أصبحوا قادة سياسيين يعرفون المتغيرات الدولية، ومبادئ العلاقات الدولية، ومبادئ الاستراتيجية؟ إن صحابة رسول الله (ص) ليسوا كلهم سعد بن أبي وقاص أو خالد بن الوليد أو أبو عبيدة الجراح، وليسوا كلهم في عدالة عمر بن الخطاب، ولا في علم وتقوى علي بن أبي طالب، وليسوا في حكمة عثمان بن عفان وتضحياته بالمال من أجل الدين ولا في لين وحزم أبي بكر، وليسوا في فقه جعفر الصادق، يؤمنون بالإسلام ويعملون على هديه ويبتعدون عن السياسة ومآسيها.
الآن في هذا القرن الحادي والعشرين، أصبح كل خطيب مسجد يفتي في الدين والسياسة والاقتصاد والاستراتيجية والطب والثقافة والآثار والتاريخ. فسبحان مغير الأحوال!
الدرس الثالث: مستمد من المقولة التي نكررها نحن العرب «إن التاريخ يكرر نفسه»، ونحن أثبتنا بجهلنا تلك المقولة، إننا نكرر أخطاءنا ولا نتعلم منها ولا ندرسها حتى نتجنبها، وإنما نحن نعيد اجترارها، وكأننا نستعذب الألم الذي نوقعه بأنفسنا، ونصيح أين العالم الحر، وأين القوى الكبرى، غير مدركين أن السياسة مصالح، وأن أحد علماء السياسة الأميركيين الواقعيين قال ذات مرة لسياسيين ودبلوماسيين عرب عندما سألوه: لماذا تؤيد أميركا إسرائيل، رغم إن مصالحها مع العرب؟ فقال بوضوح وبلاغة واقعية: كم صوتٌ لدى العرب والمسلمين في الانتخابات الأميركية؟ وأضيف أن السياسة مصالح للأوطان، ومصالح أميركا مضمونة في بلادنا العربية، فلماذا تغيّر أميركا سياستها ولماذا تتخلى عن إسرائيل؟ (يتبع)
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3733 - الأحد 25 نوفمبر 2012م الموافق 11 محرم 1434هـ
مقال واقعي جداً
كل عبارة بهذا المقال صحيحة ... وبالأخص الفرق بين الصحابة (رض) وأئمة المساجد حالياً ...
منطق غريب
هذا كلام عفى عليه الزمن الأمة مقبلة على تغيرات بسبب الثورات والحراكات العربية التي اطاحت بالأنظمة الفاسدة مثل نظام مبارك صاحب السياسة العقلانية على راي الكاتب