العدوان الإسرائيلي المتجدد والمتكرر والوحشي على الشعب الفلسطيني في غزة الذي بدأ يوم (14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012) بقتل القائد العسكري لكتائب القسام الجعبري، ثم تصاعد حيث بلغ الشهداء حوالي مئة شهيد، فضلاً عن مئات الجرحى والمصابين، جاء نتيجة الذريعة التقليدية، وهي قمع الحركة الفلسطينية وأي فصيل من فصائلها وتدمير المنشآت والمزروعات.
العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني أصبح حدثاً متكرراً، ففي العام 2002 كان هناك عدوان وحشي على مدينة جنين وعدد آخر من مدن الضفة الغربية.
وفي العام 2008-2009 جاء العدوان على غزة بصورة هدّدت فيها إسرائيل باكتساح القطاع، وهو ما تكرّر في هذه المرة. السبب المباشر هو إطلاق صواريخ من غزة على جنوب إسرائيل. هذه الصواريخ أسماها قائد فلسطيني يتسم بقدر من العقلانية والاعتدال بأنها صواريخ عبثية، فهي لم تقتل أحداً ولم تدمّر مبنى، لكنها كانت بمثابة إزعاج، والإسرائيليون لا يقبلون الإزعاج، وإنما يسعون للعيش في سلام وأمن وطمأنينة خاصة بهم، تعتمد مبدأ الأمن لهم والدمار لغيرهم، هذا الغير الذي أطلق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شامير بأنه حشرات، لقد أسرَ الفلسطينيون في غزة العام 2008 قبل العدوان الإسرائيلي، الجندي جلعاد شليط. وعندما توقفت المفاوضات جاء العدوان الإسرائيلي، ليلقن الفلسطينيين درساً، فدمّر في مناطق غزة عشرات المباني، وقتل عشرات الأشخاص، واستمرت الحملة العدوانية آنذاك 22 يوماً، صمد فيها الشعب الفلسطيني في غزة، لكنه كان يصيح داعياً إخوته العرب للمساندة، وداعياً المجتمع الدولي لإنقاذه وهيهات هيهات. وبعد أن حققت الحملة الإسرائيلية أهدافها، توقفت وتم الاتفاق على هدنة بين حماس وإسرائيل، ثم نشطت الدبلوماسية لإطلاق سراح شاليط، وهو ما تحقق عمليّاً بوساطة مصرية بعد ثورة 25 يناير/ كانون الأول في مصر، وأطلق مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل جندي إسرائيلي واحد، وهذه صورةٌ معكوسةٌ لقيمة الإنسان. فالأسير الإسرائيلي بأكثر من ألف أسير فلسطيني.
ووقفت الصواريخ لفترة، ثم تكررت بصورة متقطعة، وكان الرد أكثر عنفاً من صواريخ حماس في غزة، لكنه لم يكن كاسحاً، حتى جاءت هذه المرة، وأطلقت حماس عدة صواريخ على جنوب إسرائيل، وبعضها قيل انه بعيد المدى، وإسرائيل من جانبها لم تقصر في الرد والتهديد، وهي لديها قدرات ضخمة كمعدات وأسلحة ومعلومات وخبرة عسكرية وفكر استراتيجي يفوق ما لدى الدول العربية مجتمعة، وليست فقط تفوق ما لدى غزة من معلومات وصواريخ قيل إنها محلية الصنع، وقيل إنها مصنعة في دولة جوار للعالم العربي، وقيل إن من أهداف إطلاق الصواريخ والرد الإسرائيلي، هو التخفيف عن الحملة الإعلامية الدولية والضغوط الدولية على النظام السوري، وأعوانه الإيرانيين. وصرح بذلك الحاخام الأكبر لليهود في بريطانيا في حديث له مع الـ BBC يوم 16 نوفمبر 2012 عندما سأله المذيع عن دوافع الحملة ومن وراءها، وكان الحاخام يتصور أن الميكروفون ليس مفتوحاً للتسجيل، فأجاب بتلقائية وثقة، باعتبار ذلك دردشة تسبق البرنامج، إن وراء ذلك إيران ومصلحتها، وعندما أدرك أن التسجيل مفتوح أضاف أن هذه الأحداث لن تحقق منها أية نتيجة ولا مصلحة سواء لإسرائيل أو لحماس أو للشعب الفلسطيني. وأحدث هذا التصريح ضجة، واعتبر سقطة من سقطات هيئة الإذاعة البريطانية، لأنها جعلت الحاخام يصرّح بشيء ما كان سيقوله لو كان يعرف أن الميكروفون مفتوح للتسجيل. وسواءً كانت هذه الضجة حقيقية أو مفتعلة؛ فإن هذا ما تم تسليط الأضواء عليه.
وفي يوم 14 نوفمبر احتفلت سفارة فلسطين بمملكة البحرين بذكرى صدور بيان قيام دولة فلسطين، هذا البيان الذي صدر بعد مؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر العام 1988، وأحدث صدى واسعاً آنذاك. وقد أشار سفير فلسطين المناضل طه عبدالقادر إلى أن حكومة بلاده تقدمت بطلب رسمي للأمم المتحدة لتغيير وضع مشاركتها من مراقب إلى اعتبارها دولة غير عضو، أي أن الدعوة أو الطلب الجديد جاء لرفع مستوى مكانة فلسطين إلى دولة، وهو الطلب الذي أربك إسرائيل والمجتمع الدولي طوال أكثر من خمس سنوات مورست فيها ضغوط مكثفة على السلطة الفلسطينية في رام الله لعدم تقديمه مقابل استمرارية عملية السلام، ولكن عملية السلام توقفت، والمستوطنات ازدادت، وأعمال العنف والقمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني لم تتوقف، ولكن حركة حماس رفضت مساندة الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة؛ لأنه، كما قالت، لا يخدم القضية الفلسطينية وهو مسألة مظهرية، ولكن في حقيقة الأمر؛ إن الطلب جاء من حركة فتح والسلطة الفلسطينية من دون تشاور معها كما أعلنت ذلك في البداية.
هذا وقد نسي المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة وعوده بإقامة دولتين على أرض فلسطين التاريخية، وهي وعود في حقيقتها اعتمدت على قرار تقسيم فلسطين الذي صدر من الأمم المتحدة العام 1947، بإقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية. والعجيب أن هذا الاستدعاء للقرار القديم اعتبر تقدماً في الموقف الأميركي عندما أطلق الرئيس السابق جورج بوش ما أسماه حل الدولتين، لأن قرار التقسيم نسيه العالم. ومع هذا مضت سنوات بوش الثماني، وسنوات أوباما الأربع ثم التجديد له، ونسي أو تناسى العالم في الشرق والغرب، والعرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي النفوذ الأكبر، استعارة لهذا المصطلح، من المؤرخ العلامة عبد الرحمن بن خلدون، وقد خلدت غزة للهدنة، وابتهجت فلسطين وفصائلها للثورة المصرية باعتبارها تنتمي إلى فصيل الثورة الفلسطينية الدائمة حتى النصر، واعتبرها الإيرانيون تنتمي إلى فصيل الثورة الإسلامية وأنها امتداد لثورتهم، واعتبرها المصريون ثورة مصرية أصيلة خالصة دون شائبة، ثم وجدوها تقع بسرعة في أحضان الإخوان المسلمين والسلفيين وفصائل متطرفة تهدد بتدمير الأهرام والآثار المصرية العريقة باسم الإسلام، الذي هو بريء منها كبراءة الذئب من دم يوسف (ع)، أو فصائل تدعي الاعتدال؛ ولذلك تدعو لتغطية الأهرام بالحجاب والنقاب ستراً للعورة في الأهرام وأبو الهول! عجبي كما قال صلاح جاهين منذ زمن مضى.
وتساءل كثيرون وفرح كثيرون مما أطلقوا عليه عودة مصر للنضال العربي وللقومية العربية، وسعوا كعادتهم لتوريطها في القضية الفلسطينية التي هي قضية عادلة، ولكن كثيراً من قادتها منحرفون وفاسدون، ولا يهتمون بها، وها هي الحسناء الإسرائيلية تسيبي ليفني تعلن صراحةً في مذكراتها وتصريحاتها للصحف البريطانية إنها أوقعت بعدد من القادة الفلسطينيين والعرب في حبائلها، ومارست الجنس معهم، وإنها استفتت الحاخام الأكبر الإسرائيلي، فأفتاها بأن هذا عمل صالح، ما دام لمصلحة إسرائيل. وهكذا يتحوّل رجل الدين للإفتاء بإباحة الجنس، كما يتحول بعض رجال دين مسلمين للإفتاء العجيب بتحريم قروض صندوق النقد الدولي لأن فوائد ذلك ربا محرم، وذلك في حالة حكومة لا يرضى عنها هؤلاء المسلمون المسيسون، ثم يتم توصيفهم لها بأنها -وفقا لمنطقهم- تصبح مصروفات إدارية ومن ثم حلال. وهكذا كثير من رجال الدين من مختلف العقائد والأديان والطوائف، يحرّمون ويحلّلون بحسب الأهواء والأغراض، ورحم الله نبي الإسلام عندما أعلن قولته العظيمة «إنما هلك من كان قبلكم من الأمم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد». وأضاف للتأكيد على النموذج والقيم الإسلامية الصحيحة قائلاً: «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها». سبحان الله! أين نحن من هذا الانسان العظيم المبعوث رحمةً للعالمين، صاحب ميزان العدالة الحقيقية وليس مثلما يحدث الآن.
إن هذا النبي هو القائل «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فأثار هذا القول دهشة واستغراب أصحابه لكنهم لم يشكوا في مصداقيته واستفسروا قائلين «عرفنا كيف ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ فقال لهم النبي الكريم أن تكفوا يده عن الظلم». هذا هو الإسلام الحق وليس إسلامنا الذي ننصر أخانا الظالم على غيره من المظلومين ونكذب ونقتل ونتفنن في الفتاوى والتبريرات!
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3731 - الجمعة 23 نوفمبر 2012م الموافق 09 محرم 1434هـ
اتتصرت اسرائيل
الحقيقه ان اسرائيل انتصرت بكل المقاييس سواء بعدد القتلى او الخسائر او المكاسب بفضل جهل زعماء حماس -- وا
سبحان مغير الاحوال
وكثثيرا من المثقفين يغيرون مواقفهم حسب مصالحهم في العدوان على غزة قبل اربع سنوات كان يصف سياسة مبارك بالحكيمة والمعتدلة موبس رجال الدين ترى