العدد 3731 - الجمعة 23 نوفمبر 2012م الموافق 09 محرم 1434هـ

«الوفاق»: تنفيذ الدولة لتوصيات «تقصي الحقائق» اتسم بالضعف الشديد

في تقرير بمناسبة مرور عام على صدور التقرير

قالت دائرة الحريات وحقوق الانسان بجمعية الوفاق في تقرير صادر عنها بشأن تقييم أسلوب تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق خلال عام: «إن تنفيذ الجهات الرسمية لتوصيات التقرير اتسم بالضعف الشديد، لتجاهلها التوصيات الأساسية التي تلقي بتأثير واضح على نجاح تنفيذ باقي التوصيات».

وأشارت إلى أن «تركيز التقرير على التقييم العام المرتبط بالتوصيات المفتاحية، لا يعني إحراز الدولة تقدماً ملموساً في تنفيذ باقي توصيات التقرير، ولا في التفاعل مع النتائج التي خلص إليها التقرير، فهي أيضاً لايزال تنفيذها يتسم بالمحدودية والبطء».

وأوضحت دائرة الحريات في جمعية الوفاق أن «التقرير يرصد تنفيذ الجهات الرسمية توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI)، ويعتمد على تقييم تنفيذ التوصيات الأساسية التي تلقي بتأثير واضح على نجاح باقي التوصيات في تحقيق أثرها المستهدف، وهي ما تطلق عليه الوفاق بالتوصيات المفتاحية، وهي التوصية المتعلقة بالاستخلاص رقم 642 والتوصيات في الفقرات رقم 1716، و1722/ هـ، و185، و1725/ ب، لإعطاء تقييم عام بموجب ذلك عن تعامل السلطة مع كل التقرير».

وأشارت إلى أن «عدم التزام الدولة بتنفيذ الفقرة رقم 1715 بشكل صحيح ودقيق، وهي الفقرة الأم المتعلقة بتشكيل لجنة تحدد مسار التنفيذ والجدية فيه، لكونها توصية مفتاحية ركزت على الغرض من تشكيل اللجنة وهو متابعة تنفيذ التوصيات، الأمر الذي لم تلتزم به الدولة منذ البداية لتضمن الاستفراد بهذه المهمة وتحقق انتقائية التنفيذ وتزييف الالتزام».

وخلص التقرير إلى أن «الدولة إما أنها تجاهلت التوصيات المفتاحية، كما في التوصيات الواردة في الفقرات رقم 642 و1722/ هـ و1725/ ب، أو نفذتها بشكل شكلي وضعيف يفرغها من مضمونها كما في التوصيات الواردة في الفقرتين رقمي 1716 و185، وأن ذلك أثر على أي تنفيذ تمّ لباقي التوصيات، والذي هو محدود أصلاً، ومنع من تلمس أي أثر لتوصيات التقرير في الواقع اليومي المعاش من البحرينيين، وأنه بسبب ذلك يمكن التوصل إلى استنتاج أن تنفيذ السلطة توصيات التقرير اتسم بالضعف الشديد».

وقالت دائرة الحريات في جمعية الوفاق إن التوصيات المفتاحية وفقاً لتقدير الوفاق المنسجم مع الأهمية التي يوليها العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية؛ لتوفير الدولة التدابير القادرة على تفعيله، كمسألة أولية عند تقييمه لمدى التزامه بالعهد، هي:

أولاً - يمثل الاستخلاص في الفقرة رقم 642 من تقرير بسيوني توصية مفتاحية، كونه يحث السلطة على الاستجابة لمتطلبات دولة القانون، فيشير إلى أن الأزمة نتجت من رفض السلطة إجراء إصلاحات تقود إلى نظام ديمقراطي وحكم رشيد، كان الشعب يطالب بها، ومن كون النظام السياسي يفتقد متطلبات دولة القانون التي يعد مبدأ خضوع السلطة والجميع للقانون ركيزة أساسية فيها، ويمثل بذلك بيئة حاضنة بنحو مستدام لتكرار وقوع انتهاكات حقوق الإنسان من السلطة وموظفيها.

وأهمية هذا الاستخلاص في أن سيادة القانون هي الأساس لحماية حقوق الإنسان، وهو ما تؤكده المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي في كلمتها في الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء طرح إعلان الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة بشأن سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي، (تشكل سيادة القانون العمود الفقري لحماية القانون لحقوق الإنسان...).

وذكرت دائرة الحريات في جمعية الوفاق أن «موقف الدولة من هذه التوصية، هو عدم المبالاة بها، وهو ما يؤكده استمرار الدعوات التي لا تزال تصدر عن الجهات الدولية المختلفة لحثها على الدخول في حوار جدي وذي مغزى، وما تؤكده هامشية التعديلات التي أجريت على دستور 2002، بحيث إنها قاصرة عن إحداث إصلاح حقيقي في النظام السياسي الذي قيّمه تقرير اللجنة في الفقرة 642 بأنه يحتاج لإصلاحات تنقله إلى نمط الحكم الرشيد والنظم الديمقراطية».

ثانياً - تمثل التوصية المقررة في الفقرة رقم 1716 توصية مفتاحية أخرى في التقرير؛ كونها تركز على وجوب التفعيل الجدي لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، وخصوصاً بالنسبة إلى القيادات، وتقدم الآلية المناسبة لذلك، ويكتسب هذا المبدأ أهميته بسبب الإجماع الدولي على أن ترسيخ المحاسبة بكل أنواعها عن انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم تمكين مرتكبيها من الإفلات من العقاب المناسب، هو المدخل الحقيقي إلى دولة القانون الحقيقية وسيادة القانون.

وعبرت عن ذلك المفوضة السامية لحقوق الإنسان في خطة عملها للعامي 2013/2012 الذي جعلت فيه تفعيل هذا المبدأ من أولويات المفوضية، وأكدت أن «لانتقال إلى الديمقراطية المستدامة يتطلب إنهاء الإفلات من العقاب وضمان المساءلة».

ويكتسب هذا المبدأ أهمية كبرى في البحرين؛ بسبب أن تفعيله بالنسبة إلى القيادات في البحرين هو ما يمكن التعويل عليه لتحقيق أي نتائج ملموسة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان، ذلك أن شعور هذه القيادات المسئولة عن الانتهاكات بأنها خارج إطار المحاسبة بكل أنواعها؛ لمجرد أنه من الصعب إثبات صدور أوامر منها، ولعدم وجود نصوص تفرض عقوبات ملائمة على عدم اتخاذها إجراءات لمنع وقوع الانتهاكات مع علمها ببدء وقوعها أو باحتمال ذلك، وإيمانها بأن النظام القضائي يوفر لها الحماية من المساءلة الجنائية، والنظام السياسي يوفر لها الحماية من المساءلة السياسية، كل ذلك من شأنه أن يفقد هذه القيادات الحافز للامتناع عن تحريض صغار الموظفين على ممارسة هذه الانتهاكات، أو التحرك لمواجهتها والكشف عنها، واتخاذ إجراءات احتياطية مسبقة، فضلاً عن إصدار الأوامر بارتكابها.

وبفقدان هذا الحافز ينحصر المحفز لعدم ارتكاب هذه الانتهاكات ومواجهتها في الضمير الفردي لهذه القيادات، والذي يصعب التعويل عليه في البحرين؛ بسبب ارتباط هذه الانتهاكات بأزمة سياسية، وضعف آليات المساءلة السياسية في البحرين، ووجود مسئولين من طيف واحد في جميع القيادات.

وقد رسمت الفقرة رقم 1698 من تقرير بسيوني الواقع الذي تعيشه المنظومة الأمنية في البحرين، بسبب عدم تفعيل المحاسبة نزولاً من القيادات، فأكدت أن ثقافة الإفلات من العقاب سائدة، وأن ذلك شجع المسئولين على عدم اتخاذ اللازم لتجنب إساءة معاملة المسجونين والموقوفين بما في ذلك التعذيب، بنحو أفضى إلى تحول التعذيب وإساءة المعاملة بشكل عام إلى ممارسة منهجية لدى الجهات الأمنية.

موقف الدولة من التوصية المذكورة، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عنها، هو التنفيذ الشكلي والجزئي جدّاً، فوفقاً لما تدعيه السلطة؛ فقد صدر قرار النائب العام رقم 8/2012 بتاريخ 27 فبراير / شباط 2012 بتشكيل وحدة التحقيق الخاصة، وأن تشكيل هذه الوحدة يمثل التنفيذ الكامل لهذه التوصية.

وبمطالعة سريعة في ذلك؛ فإن هذا التنفيذ إنما يمثل الجانب الشكلي والجزئي جدّاً للتوصية، وتوجد عليه الكثير من الشوائب، منها أن إنشاء هذه الوحدة لم يرتبط بخطط واضحة لإيجاد بنية تشريعية تكفل محاسبة المسئولين وفقاً لمبدأ مسئولية القيادة، الذي قد تعجز البنية التشريعية الحالية في تفعيل بعض جوانبه، أو في فرض عقوبات متناسبة مع طبيعة الانتهاكات، فضلاً عن أنها لم تستجب حتى للتوصية رقم 1722/ب.

لذلك، من الواضح أن التنفيذ الحقيقي لهذه التوصية لا يعني تكليف النيابة العامة بهذه المهمة، وإنما تشكيل آلية جديدة خارج الآليات الحالية، فلجنة تقصي الحقائق كانت على دراية بوجود النيابة العامة وذكرتها في بعض توصياتها بالاسم، لكنها اختارت في هذه التوصية حث الحكومة على إنشاء هيئة مختلفة متخصصة في هذه الانتهاكات، وذلك يؤشر على أن لدى اللجنة قناعة بأهمية إنشاء جهة جديدة تحوز ثقة الضحايا.

أما بشأن أثر عدم تنفيذ هذه التوصية من قبل السلطة على التوصيات الأخرى في التقرير؛ فإن غالبية التوصيات الأخرى لن يكون لها أثر فعلي عندما تكون السلطة غير راغبة في تفعيل مبدأ مكافحة الإفلات من العقاب، ومنها التوصيات الواردة في الفقرات رقم 1717، 1718 ، 1719 ، 1722/أ ، 1722/ب ، 1722/ج، 1722/د، 1722/هـ، 1722/و، 1722/ز، 1723/1 ، 1724/أ ، 1724/ب ، 1724/ج ، 1725/أ ، 1725/ب، وكل هذه التوصيات ترتبط باحترام حقوق الإنسان بشكل حقيقي، وتطلب محاسبة القيادات التي تنتهكها أو تتسبب فيها سواء بشكل فردي أو منهجي؛ لمنع تكرار ذلك، وعندما لا تكون السلطة جادة في مكافحة الإفلات من العقاب سينتج عن تنفيذ هذه التوصيات مجرد دعاية إعلامية.

ومثال آخر؛ هو التوصية الواردة في الفقرة رقم 1722/ز التي تنص على أنه «يتعين وجود تسجيل سمعي ومرئي لكل المقابلات الرسمية مع الأشخاص الموقوفين».، فهذه التوصية التي لم تتم حتى تاريخه، وبفرض تطبيقها، فإنها تصبح مجرد ديكور تستخدمه السلطة للتجميل الإعلامي، إذ ماذا ينفع التصوير عندما لا يحاسب الضباط الذين يجرون المقابلات دون تشغيل هذه الكاميرات، أو عندما لا يجرى تحقيق مستقل بشأن تزايد المؤشرات على حصول التعذيب خارج مراكز التوقيف، وفي مواقع بعيدة عن التصوير، أو عندما لا يحاسب من يظهر في هذه الكاميرات وهو يمارس التعذيب، أو أية درجة من المعاملة السيئة، أو عندما لا يحاسب من يغض النظر من القيادات أو أعضاء النيابة أو القضاء عن فحص هذه التسجيلات للتأكد من شكاوى التعذيب. بل إن المشاهد التي تلتقطها كاميرات المواطنين وتنتشر في الفضاء الالكتروني لا تحرك ساكناً لدى أي من المسئولين على رغم شيوعها في العلن.

ثالثاً - تمثل التوصية الواردة في الفقرة رقم 1722/ هـ توصية مفتاحية أخرى في التقرير؛ كونها تركز على معالجة الممارسات التمييزية الواسعة في تشكيل قوى الأمن والمنظومة العسكرية في البحرين، ويمثل هذا التكوين الذي رصدته اللجنة ودفعها إلى تقديم هذه التوصية؛ بيئة حاضنة لفقد أحد مكونات الشعب الثقة بالمنظومة الأمنية، وخلق استقطاب طائفي بين مكونات الشعب، وحصول انتهاكات مبنية على أسس عرقية أو طائفية مع تصاعد هذا الاستقطاب.

موقف السلطة البحرينية من هذه التوصية بحسب البيانات الرسمية الصادرة عنها، هو رفض تنفيذها بنحو مطلق، إذ التوصية تؤكد وجوب أن تطبق السلطة بصورة عاجلة، وبشكل قوي، برنامجاً لاستيعاب أفراد من جميع طوائف البحرين في قوى الأمن، إلا أنه وفقاً للبيانات الرسمية للسلطة، والتي منها تقرير جهاز متابعة تنفيذ التوصيات الصادر في يونيو/ حزيران 2012، فإن تنفيذ هذه التوصية حصر في توظيف 500 فرد في شرطة خدمة المجتمع، وهو رقم حتماً لا يمكن أن يشكل برنامجاً قويّاً تتبناه السلطة لاستيعاب أفراد الطائفة الشيعية المستبعدين من التكوين الحالي للقوى الأمنية والعسكرية، بحسب ما أكدته التوصية.

كما أن تقرير جهاز المتابعة يشير إلى أن هؤلاء الـ 500 لاتزال إجراءات توظيفهم مستمرة، أي أن التوصية لم تطبق بأي قدر، وبالتالي لا يمكن أن يشكل هذا التوظيف الشحيح برنامجاً عاجلاً تتبناه السلطة لاستيعاب أفراد الطائفة الشيعية المستبعدين من التكوين الحالي للقوى الأمنية. كما أن تقرير اللجنة الوطنية المكلفة متابعة تنفيذ توصيات التقرير يشير إلى أن وزير الداخلية يؤكد أن هؤلاء مجرد أعضاء في شرطة خدمة المجتمع، والتي هي شرطة محدودة العدد، وصلاحياتها محدودة جدّاً، أبرزها ملاحظة المشاكل الأمنية للطلاب في الصباح قرب المدارس أو أماكن تجمعهم، وخلافات الجيران، وتقرير جهاز المتابعة يشير إلى أن حتى هؤلاء 500 هم من جميع الطوائف، وغير مرتبطين ببرنامج لعلاج الخلل التكويني في قوات الأمن الذي رصدته التوصية وحذرت منه.

أما بشأن أثر عدم تنفيذ هذه التوصية من قبل السلطة على التوصيات الأخرى في التقرير؛ فإن أغلب التوصيات لن يكون لها أثر فعلي، ومنها التوصيات رقم 1717 ، 1718، 1722/أ ، 1722/ج ، 1722/د ، 1722/و ، 1722/ز 1724/ج، 1725/أ ، 1725/ب، إذ كل هذه التوصيات ترتبط بشعور الناس بالثقة بالمنظومة الأمنية والعسكرية الوطنية، ونزع أي عوامل قد تدفع بهذه القوات لتكون أداة لممارسة أي انتهاكات مبنية على أسس عرقية أو طائفية مع حصول أي استقطاب طائفي في المجتمع، والشعور بسيادة أحد أهم قيم دولة القانون، وهو عدم التمييز بين المواطنين على أسس دينية أو عرقية، وعندما لا تكون السلطة جادة في تبني التوصية رقم 1722/هـ سينتج عن هذه التوصيات مجرد دعاية إعلامية.

رابعاً - تمثل التوصية الواردة في الفقرة رقم 185 توصية مفتاحية أخرى في التقرير، كونها تحث الدولة على مراجعة جميع القوانين الوطنية لضمان مواءمتها للمعايير والمواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية، وهي تكتسب هذه الصفة نظراً إلى أن الكثير من الإجراءات الموصى بها في التقرير تحتاج حتى تحقق أثرها إلى أن تستند إلى تشريعات متوافقة مع المفاهيم الحقوقية الدولية، وإلا ستكون مجرد إجراءات للعرض فقط، وهو ما أكدته المفوضة السامية لحقوق الإنسان في كلمتها في الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء طرح إعلان الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة بشأن سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي، (بما أنني نشأت في جنوب أفريقيا، فقد خبرت بنفسي كيف أنشأ نظام الفصل العنصري مظهراً خادعاً لسيادة القانون في ظل نظام تشريعي يكرس الظلم وإجراءات تجسد الإجحاف، لقد بينت لي تجربتي أن سيادة القانون في غياب حقوق الإنسان ليست إلا قشرة فارغة).

وموقف السلطة البحرينية من هذه التوصية بحسب البيانات الرسمية الصادرة عنها، هو التنفيذ الجزئي جدّاً، فما تم كان تعديلاً على نصوص القوانين لا يتجاوز عددها أصابع اليد في قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، مثل مواءمة تعريف التعذيب في قانون العقوبات مع اتفاقية مكافحة التعذيب، وتعديل على مرسوم إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، إلا أنه لا يبدو أن هناك أية آلية لإجراء مراجعة شاملة للتشريعات البحرينية لفحص مدى مواءمتها للمعايير الدولية، على رغم تعهد الحكومة في جلسة مجلس الوزراء بتنفيذ هذه التوصية عبر مراجعة التشريعات لمواءمتها مع المعاهدات والقوانين الدولية، وعلى رغم أن ذلك واجب السلطة البحرينية بحسب نص المادة رقم (2) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه البحرين في 2006.

كما أن بعض هذه التشريعات التي جرت مراجعتها، بزعم السعي لمواءمتها مع المعايير الدولية، للتعديلات التي جرت لها كانت تتضمن تهرباً من الاستحقاقات الأساسية في هذه المعايير الدولية، وأبرز مثال على ذلك تعديلاتها الخاصة بتنظيم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي تمت بموجب الأمر الملكي 28 للعام 2012 الصادر في 11 سبتمبر/ أيلول 2012، فالتعديلات مرة أخرى تبتعد عن مبادئ باريس، والتي تؤكد اللجنة الفرعية المعنية بالاعتماد في لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان (International Coordinating Committee Of National Institutions For Promotion And Protection Of Human Rights) أن تشكيل المؤسسات الرسمية الوطنية المعنية حقوق الإنسان بموجب أوامر لا تتوافق مع مبادئ باريس، وأن من مستلزمات تحقيق استقلالية هذه المؤسسات، أن ينص تنظيمها القانوني على معايير موضوعية لتعيين أعضاء المؤسسة، وبشكل أساسي سجل تاريخي شخصي يظهر بوضوح وموضوعية صفات النزاهة والاختصاص والاستقلالية للعضو، ويضع آليات تضفي على عملية الاختيار قدراً كبيراً من الشفافية اعتماداً على مشاورات واسعة تجرى، إلا أن كل هذه المبادئ افتقدت في التعديل الأخير، إذ أصرت السلطة البحرينية على إبقاء تنظيم هذه المؤسسة بأمر ملكي، وألا يكون تحديد لطبيعة الأشخاص الذين يختارهم الملك لعضوية مجلس إدارة المؤسسة، بشكل دقيق، أو إلزام له بآلية موضوعية لتحديد نزاهة وكفاءة من يختارهم، وبإجراء مشاورات واسعة مع المجتمع، بل لم يشترط التعديل حتى أن تكون الشخصية المختارة معروفة باستقلاليتها في أرائها.

أما بشأن أثر عدم تنفيذ هذه التوصية من قبل السلطة على التوصيات الأخرى في التقرير، فإن أغلب التوصيات الأخرى لن يكون لها أثر فعلي عندما تكون السلطة غير راغبة في توفير البنية التشريعية المطلوبة لتفعيلها بشكل حقيقي، ومنها التوصيات الواردة في الفقرات رقم: 1716 ، 1717 ، 1718 ، 1719، 1722/أ ، 1722/ب ، 1722/د ، 1722/هـ، 1722/ز، 1723/1، 1724/أ ، 1724/ب ، 1724/ج ،1725/ ب، إذ كل هذه التوصيات ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بوجود بنية تشريعية ملائمة تدعمها، وتسمح لأثرها المستهدف بالظهور بنحو ملموس، وعندما لا تكون السلطة جادة في تفعيلها هذه التوصيات بشكل حقيقي؛ يكون من السهل عليها إفراغها من مضمونها بطريقة غير مباشرة من خلال القيود التي تفرضها البنية التشريعية السائدة التي تشكل بيئة مناسبة لتفاعل هذه التوصيات، فيتحول تطبيقها مجرد دعاية إعلامية فارغة المضمون.

خامساً - تمثل التوصية المقررة في الفقرة رقم 1225/ ب توصية مفتاحية أخرى في التقرير، كونها تحث السلطة على ضرورة إجراء برنامج شامل للمصالحة الوطنية يتناول بشكل واضح مظالم المجموعات التي تعتقد أنها تعاني من الحرمان من المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تكون هذه المصالحة الوطنية مصممة بطريقة تعم فوائدها على جميع طوائف الشعب البحريني.

وأهمية هذه التوصية وطبيعتها المفتاحية يعبر عنها اختيار المفوضة السامية لحقوق الإنسان ختاماً لكلمتها في الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء طرح إعلان الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة بشأن سيادة القانون على الصعيدين الوطني والدولي، بتأكيد أن «خير ما يحقق سيادة القانون هو تمكين جميع الأشخاص من المطالبة بحقوقهم».

إن موقف السلطة البحرينية من هذه التوصية، هو رفض تنفيذها، بل الإصرار على مخالفتها باتخاذ إجراءات تزيد مظالم المعارضة السياسية على نحو عام، وأفراد الطائفة الدينية التي ينتمي إليها أغلب فئات المعارضة بشكل خاص، ويبقي عناصر الأزمة الشاملة التي تعصف بالبحرين، وهو ما يؤكده تعاملها مثلاً مع التوصية 1723/أ و ب اللتين هما أصلاً جاءتا في إطار وعود رسمية قبل مباشرة اللجنة أعمالهما؛ بمعالجة قضية المفصولين والموقوفين جراء أحداث العام 2011 بشكل جذري؛ بإعادتهم إلى وظائفهم التي كانوا يشغلونها. إلا أن الواقع حتى الآن، بحسب آخر بيان صدر عن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين نهاية أكتوبر / تشرين الأول 2012؛ فإنه لايزال 10 في المئة من المفصولين لم يتم إرجاعهم إلى أعمالهم، ولاتزال هناك مماطلة في غلق هذا الملف بشكل نهائي، ولاتزال القضية على أجندة مجلس إدارة منظمة العمل الدولية بوصفها انتهاكاً لاتفاقية111 بشأن عدم التمييز في الاستخدام والمهنة، وقد تمت مناقشتها في الاجتماع الأخير رقم 316 الذي عقد في بداية النصف من شهر نوفمبر 2012.

كما أن ضمن موظفي القطاع الحكومي عدد ملحوظ من المفصولين أو الموقوفين ممن لم يعادوا إلى مراكزهم الوظيفية التي كانوا يشغلونها قبل أحداث 2011، وتعرضوا لسلوك تمييزي على خلفية سياسية وطائفية، فجرى استهداف بعض الأقسام الإدارية ذات العلاقة بعمليات التوظيف والترقيات، بإفراغها من أفراد طائفة في المجتمع البحريني؛ ونقل منها كل موظفيها الذين فصلوا أو أوقفوا عن العمل، وهم من المنتمين إلى هذه الطائفة إلى وظائف هامشية أخرى لا تتناسب مع مؤهلاتهم ومكانتهم الوظيفية، مثل موظفي إدارة الموارد البشرية في وزارة الصحة، إذ نقلوا لوظائف هامشية في مكاتب صغيرة تتولى الأرشفة أو السجلات الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية، دون أن تكون لهذه الوظائف علاقة بمؤهلاتهم أو خبراتهم الوظيفية، وهي بطبيعتها تمثل عقاباً لهم. والحال ذاته مع بعض المفصولين في هيئة شئون الإعلام، وهيئة الإذاعة والتلفزيون.

العدد 3731 - الجمعة 23 نوفمبر 2012م الموافق 09 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:49 ص

      بعتراف الدول الغربية

      تقرير بسيوني لم ينفذ

    • زائر 3 | 12:17 ص

      ................,,,,,حقوق الانسان في البحرين مجرد

      حقوق الانسان مجرد كلمه عندكم فلم انتم مهتمين بها اولااعرفو معنا هذه الكلمه وطبقوها انتم انتهاك حلاية الشعب بقلق الشوارع والترهيب لمن يعارضكم ورمي الملتوف وارهاب الناس بوضع قنابل وهميه وسكب الزيوت في الشوارع وحرق الاطارات وتلوث البيئه اليست انتهاك صارخ لحقوق الانسان لم يعترف احد بكلامكم مالم تعترفو بجرائمكم بحق الانسان الذي يعيش علي هذه الارض

    • زائر 2 | 10:44 م

      bahraini

      السلام عليكم ،،لجنة تقصي الحقائق اتصفت ليس بالضعف الشديد فقط ولكن ب ......ايضا

    • زائر 1 | 9:40 م

      ولد الرفاع

      من توصيات بسيوني بناء المساجد المهدومة مابين في عينكم

اقرأ ايضاً