كانت الدعوة إلى الإسراع في تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، الحاضر الأبرز في المواقف الدولية الصادرة عن الدول الكبرى، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تجاه البحرين. كما شددت عدد من الدول أثناء مناقشة تقرير البحرين في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة بجنيف، على ضرورة أن تلتزم البحرين بتنفيذ توصيات التقرير وفق جدول زمني معين، وانتقدت دول أخرى عدم التزام البحرين بتنفيذ توصيات تقصي الحقائق بالصورة المطلوبة.
ففي جنيف، أمطر ممثلو عدد كبير من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان - أثناء مناقشة تقرير البحرين في مايو/ أيار الماضي - حكومة البحرين بوابل من الانتقادات اللاذعة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي تصاعدت منذ مطلع العام الماضي واستمرت تداعياتها من دون معالجات جدية، كما نصح بذلك تقرير تقصي الحقائق.
وانهالت الانتقادات من دول عدة، من بينها أميركا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وسويسرا واليابان وكوريا والتشيك وكوستاريكا ولاتفيا والسويد واستونيا واستراليا والنرويج والدنمارك واسبانيا والمسكيك، وغيرها من الدول.
وطالبت الدول خلال الجلسة بالتحقيق في ادعاءات التعذيب وتعويض الضحايا وأهاليهم، وإجراء حوار بنّاء يهدف إلى تحسين الأوضاع في البحرين، منتقدة بعضها عدم تنفيذ حكومة البحرين إلا جزءاً بسيطاً من توصيات لجنة تقصي الحقائق، والاعتقال التعسفي واستمرار محاكمة المدافعين عن حقوق الإنسان والنقابيين، بما لا يعبِّر عن التزام الحكومة بتنفيذ توصيات تقصي الحقائق.
وخلال اعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة بجنيف في جلسته بتاريخ (19 سبتمبر/ أيلول 2012) تقرير البحرين في إطار آلية المراجعة الدورية الشاملة، قال مندوب الولايات المتحدة الأميركية، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالولايات المتحدة الأميركية مايكل بوسنر: إن «البحرين اليوم على مفترق طرق. والحكومة قبلت بتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والآن بعد مرور عشرة أشهر بعد صدور التقرير؛ فإننا نشعر بالقلق من أن الحكومة قد تتعثر في تنفيذ بعض الأمور».
أما مندوبة المملكة المتحدة، فقالت: إن «البحرين قامت بخطوات جدية خلال الظروف الصعبة التي مرت بها، لكن هناك المزيد الذي يجب عليها القيام به، وندعو السلطات البحرينية إلى العمل بموجب جدول زمني واضح لتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق والمراجعة الدورية الشاملة».
ومنذ صدر تقرير تقصي الحقائق في (23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011)، كانت الدول الكبرى تجدد دعوتها حكومة البحرين إلى الالتزام بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق.
وفي حين شجعت الولايات المتحدة صدور التقرير في العام الماضي، واعتبرته «مصدر فخر» للبحرين، وتبعته إشادة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند في مؤتمر صحافي عقد في (9 ديسمبر / كانون الأول 2011)، فقد دعت إلى سرعة تحرك الحكومة البحرينية لتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق.
كما أكد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية مايكل بوسنر، في كلمة ألقاها خلال جلسة استماع أمام لجنة «توم لانتوس» لحقوق الإنسان بالكونغرس الأميركي قبل أشهر، أن مملكة البحرين باتت اليوم أكثر استقراراً عما كانت عليه قبل عام ونصف. وقال: «إننا نعول على قيام البحرين باتخاذ المزيد من الإجراءات حيال جميع توصيات اللجنة البحرينية المستقلة والتي ستساعد في التأسيس للإصلاح وللمصالحة على المدى الطويل، وأن تضمن للمتهمين في القضايا الجنائية خلال الأزمة محاكمات عادلة وسلسة في محكمة الاستئناف، كما لايزال هناك الكثير مما يمكن عمله للمعالجة من أجل أن تستعيد البحرين مكانتها كدولة رائدة إقليميّاً في مجال الخدمات الطبية».
إلا أن الموقف الأميركي من خطوات البحرين على صعيد تنفيذ توصيات تقرير تقصي الحقائق، اتخذ منحى آخر أكثر وضوحاً، حين عبّرت وزارة الخارجية الأميركية قبل أيام، عن قلقها من أن «العام قد شارف على الانتهاء منذ أن تسلمت حكومة البحرين تقرير لجنة تقصي الحقائق، وأن نحو نصف التوصيات فقط قد نفذت، وأن الحوار لم يتحرك إلى الأمام بين الحكومة والمعارضة».
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند في البيان ذاته: «يساورنا القلق من أن توصيات تقصي الحقائق، ولا سيما في مجال إصلاح الشرطة، لم تنفذ بصورة كافية، وهي واحدة من القضايا التي نستمر في حث البحرينيين عليها، من حيث كيفية الرد على الاضطرابات، وبناء قوة شرطة ممثلة لجميع البحرينيين، واتخاذ خطوات أخرى».
أما المملكة المتحدة، فدعت فور صدور التقرير عبر وزيرها للشئون الخارجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية اليستر بيرت، الحكومة البحرينية والمعارضة إلى تقبل نتائج وتوصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، لما تشكله من «قاعدة جيدة» لحل الصعوبات التي واجهتها البحرين خلال الفترة الماضية، على حد تعبيره. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قال بيرت، في تصريح صادر عنه في أعقاب حكم محكمة الاستئناف العليا بتأييد الأحكام الصادرة بحق ما عرف بـ «مجموعة الـ 21»: «أشعر بخيبة أمل كبيرة لقرار المحكمة البحرينية الصادر بحق 13 ناشطاً سياسيّاً في البحرين».
وأضاف «في حين أن المملكة المتحدة ترحب بقرار البحرين بمحاكمة هذه الحالات أمام محكمة مدنية، على النحو الموصى به في تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، إلا أننا مازلنا نشعر بالقلق إزاء مستوى أحكام الإدانة. وخصوصاً مع وجود تقارير، أكد مضمونها تقرير تقصي الحقائق، تقضي بتعرض المعتقلين لانتهاكات حقوق الإنسان في الاحتجاز، ومنعهم من الوصول إلى محامين، وإجبارهم على الإدلاء باعترافات معينة».
من جانبها، أعلنت فرنسا في أكثر من بيان صادر عنها دعمها لتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، كما أبدت تشجيعها السلطات البحرينية على المضي قدماً وتنفيذ الاستراتيجيات الإصلاحية والأمنية التي أعلنتها البحرين بعد أسابيع من صدور تقرير تقصي الحقائق.
وشدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو في بيان على أهمية «أخذ جميع الإجراءات اللازمة لإعادة بناء الثقة واستعادة الحوار بسرعة في البحرين»، مؤكداً تمسك باريس بتفعيل جميع التوصيات التي وردت في تقرير لجنة تقصي الحقائق عن أحداث البحرين. كما بعث وزير الدولة للشئون الخارجية والأوروبية بجمهورية فرنسا الصديقة ألان جوبيه رسالة إلى وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، شدد فيها على أهمية إجراء حوار لتنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، بمشاركة جميع الأطراف وذلك للوصول إلى الإصلاحات المرجوة.
وكرر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي، دعوتهما البحرين إلى الالتزام بتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، واعتبراها خطوة مهمة في معالجة المزاعم الجدية لانتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت بيلاي في مقابلة مع قناة «الجزيرة» الإنجليزية في مارس/ آذار الماضي، إنها تحث البحرين على تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، والتي مازالت تعاني من نواقص، وإن المفوضية مازالت في نقاش مع السلطات البحرينية لتحديد الشروط لإشراكها في متابعة الوضع الحقوقي في البحرين.
وأضافت أن «البحرين لم تفرج عن المعتقلين الذين احتجزوا بسبب الاحتجاجات السلمية، ولم تحدد المسئولية بالنسبة إلى كبار المسئولين الذين ارتكبوا الانتهاكات»، مشددة على أن البحرين تحتاج إلى «تحقيق سليم» لمحاسبة المسئولين عن تلك الانتهاكات، وتحديد العقبات التي تمنع دون مساءلتهم.
ورأت بيلاي أن سلطات الأمن البحرينية استخدمت القوة المفرطة والتعذيب لقمع الاحتجاجات في البحرين، مشيرة إلى أن ذلك هو ما أكدته لجنة تقصي الحقائق، وبموافقة عاهل البلاد على توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق، إلا أنها أكدت أن المفوضية رصدت استمرار استخدام الأساليب المفرطة للقوة في يناير/ كانون الثاني الماضي ضد المحتجين السلميين.
وشددت بيلاي على ضرورة تنفيذ التوصيات التي وعدت الحكومة بتنفيذها.
العدد 3729 - الأربعاء 21 نوفمبر 2012م الموافق 07 محرم 1434هـ