هناك وجه آخر إيجابي لمواقف المجتمع الدولي تجاه «تقرير بسيوني». فبعد مرور الوقت دون أن تبدي حكومة البحرين جديتها في تنفيذ مقرراته بإخلاص، بدأت الدول الصديقة التي تدعم حكومة البحرين بالتبرم وإبداء قلقها لعدم التنفيذ.
ولعل ما جاء في كلمة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان مايكل بوسنر في الدورة الثانية للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في جنيف بتاريخ (1 سبتمبر/ أيلول 2012) بقوله: «إن تنفيذ توصيات لجنة بسيوني تتعثر، وإن البحرين على مفترق طرق»، ما أثار رداً غاضباً من وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بقوله انه ليس صحيحاً أن تنفيذ توصيات لجنة بسيوني تتعثر، وأن اللجنة الوزارية تجتمع ثلاث مرات أسبوعيّاً أحياناً لمراجعة تنفيذها من قبل الأجهزة الحكومية.
لكن ذلك واضح من خلال مراجعة كلمات وفود غالبية الدول الأعضاء والمراقبين في مجلس حقوق الإنسان، أثناء المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان ـ البحرين في الدورة الأولى في مايو/ أيار 2012، وهو ما ترتب عليه صدور 176 توصية من الدول الأعضاء تتعلق بالحث على تنفيذ التوصيات، وتمّ التأكيد على ذلك في الدورة الثانية للمراجعة في سبتمبر 2012، بشكل أكثر وضوحاً وإلحاحاً، ما يدل على أن هذه الدول التي تشمل دولاً في أميركا الشمالية والجنوبية وأوروبا وآسيا، غير مقتنعة بتنفيذ الحكومة توصيات بسيوني. وكان أكثر المواقف صراحة موقف الدنمارك الذي وصف خطورة الوضع الإنساني في البحرين بأنه مثل سورية، وذلك في كلمته أمام الجمعية العامة في سبتمبر 2012.
المهم في الموضوع؛ أن توصيات بسيوني تم تضمينها في توصيات مجلس حقوق الإنسان، وبذلك أضحت ذات مرجعية دولية، وبالتالي ليست التزاماً بحرينيّاً بل دولي. وهناك شك كبير في تنفيذ الحكومة توصيات مجلس حقوق الإنسان كما لم تنفذ توصيات بسيوني من قبل، ولذلك فإن المطلوب آلية دولية للرقابة والمتابعة الحثيثة لضمان التنفيذ والالتزامات أمام مجلس حقوق الإنسان، وهو ما سيتضح في الدورة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان في مارس/ آذار المقبل.
موقف الأمم المتحدة
عبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي مبكراً، وتبعها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن قلقهما لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين، وعن خيبة أملهما في مناسبات عدة، ومنها صدور الأحكام بحق الأطباء والرموز السياسية والحقوقي نبيل رجب وإضراب عبدالهادي الخواجة. وقد انعكس ذلك على تعاون حكومة البحرين مع الأمم المتحدة، فمن ناحية؛ جرى تأجيل زيارة وفد مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة منذ أواخر العام الماضي حتى الآن، كما جرى تأجيل زيارة المقرّر الخاص بالتعذيب منذ مارس/ آذار 2012 حتى فبراير/ شباط 2013 هذا إذا تمت.
وبالنسبة إلى التعاون التقني بين مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان مع حكومة البحرين، وهو ما تطالب به البحرين، فإنه مرهونٌ باتفاق يتوصل إليه الطرفان، وتشترط الأمم المتحدة وجود آلية لمراقبة تنفيذ الاتفاق من قبلها.
وقد دخلت منظمة العمل الدولية طرفاً في مشكلة المفصولين عن العمل قسريّاً، وزار أكثر من وفد منها البحرين، وعقدت اجتماعات ثلاثية ضمت الحكومة، والاتحاد العام لعمال البحرين ومنظمة العمل الدولية، التي قبلت كضامن للاتفاق بعودة المسرحين في القطاعين العام والخاص. لكن اتضح للمنظمة أن الحلّ يتعثر، وأن الحكومة والقطاع الخاص غير جادين في عودة جميع المفصولين إلى أعمالهم وتعويضهم، وهو ما أوصت به لجنة بسيوني. بل إن المنظمة تأكدت من سياسة الحكومة الرامية الى تقزيم وإنهاء الاتحاد، وخلق اتحاد مسخ بديل له، ومن ذلك منع وفد المنظمة من حضور المؤتمر الثاني للاتحاد في نهاية سبتمبر 2012.
وتشير الزيارة الأخيرة لوفد المنظمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2012 إلى وصول المنظمة في علاقتها مع حكومة البحرين إلى طريق مسدود، لعدم وفاء الأخيرة بالتزاماتها بموجب دستور المنظمة، وخصوصاً منع موفديها من دخول البلاد ومنهم وليد حمدان.
الاستنتاج
لا شك أن المواقف في المجتمع الدولي تجاه حكومة البحرين ومدى تنفيذها لتوصيات بسيوني تتباين من بلد إلى آخر، تبعاً لطبيعة المصالح التي تربطها بالبحرين، بل الأهم المصالح التي تربطها بمجلس التعاون الخليجي، وطبيعة نظامها السياسي ومدى تأثير مجموعات الضغط ومنها المنظمات الحقوقية الدولية.
ويمكننا القول إنه حدث تطور بطيء لكن مستديم في مواقف الدول الديمقراطية الصديقة للبحرين، وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، باتجاه حث حكومة البحرين على التفاوض مع المعارضة من أجل إصلاح شامل للنظام السياسي ووقف العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، مع استعدادها لدعم الإصلاحات المطلوبة لكن دون شيك على بياض.
ومن هنا نفهم الرد الغاضب لحكومة البحرين وقوى الموالاة في رفض ما يعتبرونه تدخلاً خارجيّاً في الحوار الوطني ورفضهم تعبير «المفاوضات»، بل ومطالبة البعض برحيل السفير الأميركي لأنه برأيهم يتدخل في شئون البلاد.
وحتى الزيارات والعلاقات الطبيعية للمنظمات السياسية المعارضة والمنظمات الحقوقية للبلدان الغربية ولقاءاتهم في البحرين أو في بلدانهم مع المسئولين؛ أضحت تعتبر خيانةً للوطن ودعوة الآخرين للتدخل، واستثارت حملة من الكراهية وشيطنة المعارضة والحقوقيين البحرينيين.
وبناءً عليه، ارتفعت صيحات الفزعة في الحكومة وصفوف الموالاة والمنتفعين بوجود تقصير على مختلف الصعد، لتبيان حقيقة الوضع في البحرين ومنجزات الحكومة الكبيرة في مجال حقوق الانسان. واتخذ ذلك طابع النقد الذاتي لأداء الاعلام الرسمي من قبل وزيرة الدولة للإعلام، قابلته إشادة بأداء الإعلام الرسمي وخطط المستقبل من قبل رئيس هيئة الإعلام، ما يوحي بحالةٍ من عدم التضارب.
ومثلما وجه التقريع الشديد لوزير الدولة لحقوق الانسان صلاح علي لإجازته قبيل جلسة جنيف في سبتمبر، فقد سيق المديح له وللوفد الرسمي على النجاح الكبير للحكومة في جنيف في عملية رفع للمعنويات.
وعلى الصعيد البرلماني؛ تعالت الصيحات بتغييب البرلمان تماماً عن مسار جنيف، وطالبوا بعرض تقرير الحكومة عليهم، وهو ما حصل بنشره علنيّاً للجميع قبيل أيام من اجتماع جنيف، وإشراك ما تيسّر من مجلسي الشورى والنواب ضمن وفد ضم 100 شخص، هو الأكبر في تاريخ الأمم المتحدة.
وعلى الصعيد السياسي، جرى تبادل الاتهامات بالقصور فيما بين الجمعيات والصحافة ومنظمات «الغونغو» الموالية عن المسئولية في التقصير، في ضوء مواقف المجتمع الدولي لقناعته بعدم الجدية في تنفيذ توصيات بسيوني والمصالحة الوطنية وانتهاكات حقوق الانسان، وقٌدّمت وصفات سريعة. لذلك جرى على عجل تشكيل منظمات حقوقية شكلية تم إشهارها من قبل وزارة التنمية الاجتماعية بسرعة البرق، وأعلنت جمعيات سياسية موالية أنها بصدد تشكيل جمعيات حقوقية في تحدٍّ فاضحٍ للقانون ودون مواربة. بل إن وفد منظمات الغونغو المموّل علمه عند الله، قد ضم العشرات من هؤلاء.
إذاً النزاع سيستمر حول توصيات بسيوني، كما هو الحال حول توصيات جنيف، وقبله مقاصد ميثاق العمل الوطني، بين طرف يتهرب من استحقاق هذه التوصيات، وبين من يعتبرها حجةً ويصر على تنفيذها كاملة، على رغم إدراكه بأن ذلك لن يتحقق.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3729 - الأربعاء 21 نوفمبر 2012م الموافق 07 محرم 1434هـ
رد على التضليل سيستمر
لا تعويل على مجتمع دولي لأنه مبني على المصالح فقط لا غير ومن انتظر غيره لحل مشاكله فهو واهم قال المثل((ما يحك ظهرك إلا ظفرك))
التضليل سيستمر
مسلسلات التضليل والتسويف ستستمر الى ما لا نهاية وحتى يثبت لنا المجتمع الدولي مصداقيته في العدالة وحقوق الشعوب في نيل كرامتهم بعيدا عن المصالح المادية
تقرير بسيوني بلوه واشربوا ماءه انه قد انتهى مفعوله واصبح فاقد الصلاحية
نكرر ونعيد الهدف من تقرير بسيوني هو انقاد من الملاحقة القضائية الدولية فقط هذا بكل وضوح وبعد ان حصل ذلك فالتقرير كله يبلّ ويشرب ماؤه.\nهذه حقيقة نعرفه من الواقع المعاش وليس لدينا ادنى شكّ بأنه لا حلّ جذري ابدا.
العبرة بالتطبيق
تعلمنا من تاريخ الحقبة الاستعماريه ان لديها غرف عمليات وظائفها متعددة لكن جوهرها واحد،كلها تصب في التشويش والتضليل والهذيان عسى ولعل ان يخلق هذاحالة من اليأس والقنوط للمتلقي،فحين ان تنوي ان تقول إيجابا تنفي. وعكسه إيجابا،المهم ان النتيجة ان المسار لم ولن يطبق لما يريده الطرف الآخر