من الخرافات التي استقرت في عقولنا طويلاً هو ما يريد الحكام العرب إيهامنا به، وهو أن هناك فصلاً بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، أو تعاونها لصالح الشعب والوطن، فضلاً عن سلطة الحاكم. وهو ما هو منصوص عليه في جميع الدساتير العربية في الأنظمة الملكية أو الجمهورية، الإسلاموية أو العلمانية.
لكن ذلك غير صحيح، فالسلطات الثلاث أو الأربع تختزل وتنتهي في سلطة واحدة، هي سلطة الحاكم أو الرئيس، أو سلطة التحالف أو الحزب أو النخبة الحاكمة. وأجهزة الدولة التي يفترض أنها تضم الجهاز البيروقراطي العسكري والأمني والمدني والسلطتين التشريعية والقضائية، والتي يفترض أن تكون محايدة في التنافس السياسي بين الفرقاء السياسيين وتخدم الجميع بالقدر نفسه ما يتيح الفرص لجميع أبناء الشعب أن ينالوا حقوقهم ويقوموا بواجباتهم، كما يتيح للمعارضة أن تصل للحكم ومن هو في الحكم الانتقال إلى المعارضة، كل ذلك غير موجود في بلداننا السعيدة.
وبسبب إخضاع أجهزة الدولة لسلطة الحكم؛ فإنه لا يمكن الفصل بين السلطات أو تداول السلطة، والحاصل هو تأييد حكم الرئيس حتى الموت، أو انقلاب قصر يطيح به كما حدث في تونس والجزائر مثلاً، أو ثورة أو انقلاب يطيح بالنظام كما حدث في تونس وليبيا ومصر واليمن (إلى حدٍّ ما).
فصل السلطات يتطلب أن تكون أسس ومضامين وآليات النظام السياسي والدولة ديمقراطية حقّاً، وهو ما يتطلب استقلالية السلطات وتعاونها فعلاً. فرأس الدولة في الأنظمة الملكية هو رمز وحدة البلاد وسيادتها، ويشرف على سير الدولة من خلال ضمان استقلالية السلطات والأجهزة وتعاونها، لكنه لا يتدخل في المسار اليومي لذلك ولا ينتصر لطرف لحساب آخر.
وفي الأنظمة الجمهورية هناك نوعان، الأول في النظام البرلماني حيث رئيس الدولة من دون صلاحيات تشريعية أو تنفيذية بل هو أقرب إلى الرمز، رمز وحدة البلاد وسيادتها؛ والثاني في النظام الرئاسي، حيث الرئيس ينتمي إلى الحزب أو تحالف الأحزاب الفائزة في الانتخابات أو حتى يمكن أن يكون من الأقلية البرلمانية، لكنه يتمتع بصلاحيات واسعة، وخصوصاً في السياسة الخارجية والدفاع، لكنه وفي كلتا الحالتين، يحتفظ الرئيس بمسافة بين الفرقاء السياسيين المتنافسين، ويترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراها، وهو ما يتيح خسارته وخسارة حزبه أو تحالفه للسلطة ومجيء رئيس آخر ينتمي إلى المعارضة.
وفي جميع الأنظمة الديمقراطية؛ لا تتدخل سلطة رأس الدولة أو الرئاسة أو السلطة التنفيذية في شئون القضاء، فله استقلاليته المطلقة، وحتى في البلدان حيث الرئيس يعين بعض أعضاء المحكمة الدستورية كما في الولايات المتحدة، فإن المعيار ليس حزبيّاً بل هو مهني صرف. وفي بعض البلدان مثل بريطانيا حيث يحق لرئيس الوزراء أن يعطي لقب لورد أو بارونة، وبالتالي يصبحون أعضاء في مجلس اللوردات، فإن الاختيار ليس حزبيّاً، بل لمن قدموا للبلاد خدمات جليلة.
والسلطة التنفيذية بدورها لا تتدخل في أعمال وجهاز القضاء المستقل فعلاً، ولذلك؛ فإنه من الاعتيادي أن تصدر أحكام بحق وزراء ورؤساء وزراء بل ورئيس جمهورية، كما حدث ضد نيكسون وكلنتون في أميركا وضد رئيس وزراء فرنسا جوبيه وكذلك ضد نواب بعد نزع الحصانة عنهم إذا ما تورّطوا في أعمال إجرامية أو مخالفات جسيمة كالفساد واستغلال النفوذ أو الغش أو إساءة السلطة.
أما عندنا في الدول العربية؛ فالقضاء خاضعٌ لسلطة الحكم، ولذلك فمن الخطوات المهمة في الثورة التونسية هي إزاحة قضاة فاسدين وتابعين إلى بن علي. وليس غريباً انه على رغم كل التجاوزات والفساد والانتهاكات التي تصل إلى حد جرائم ضد الإنسانية، ألا يحاكم أحد من الكبار، بل العكس فالضحايا والمعارضون والناشطون هم الذين تجرى محاكمتهم وتجريمهم أو نفيهم أو حبسهم أو إعدامهم.
ليس من وهم في أن لا قضاء مستقل في نظام استبدادي غير ديمقراطي. كذلك الحال في برلمانات الدردشة، فمن الوهم استقلالية السلطة التشريعية حيث تأتي بها السلطة، ومن يأكل من مائدة السلطان يضرب بسيفه.
ليس هناك بالطبع استقلال مطلق أو فصل مطلق بين السلطات في أي نظام في العالم، لكن في الأنظمة الديمقراطية هناك قدر كبير من فصل واستقلالية السلطات، والنظام الديمقراطي يجب تحسينه على الدوام والنضال لمزيد من السلطات للقضاء والسلطة التشريعية المنتخبة على حساب السلطة الرئاسية والسلطة التنفيذية، ولذلك ابتدعت بعض الأمم مثل سويسرا الاستفتاء على النطاق المحلي والوطني.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3727 - الإثنين 19 نوفمبر 2012م الموافق 05 محرم 1434هـ
الكبير دائماً يبقى كبير
انت كعادتك يا أبا منصور تبقى كبير في كتاباتك ومواقفك الوطنية وهذا الموضوع يتطرق الى اهم قضية تصارع الشعوب وخاصتا العربية منها الى تحقيقة وبدون فصل السلطات لن تكون هناك عدالة ولا مساواة بين الناس، أن الطريق الى الوصول الى هذا الهدف صعب وطويل ولكنه ليس مستحيل
الكبير دائماً يبقى كبير
انت كعادتك يا أبا منصور تبقى كبير في كتاباتك ومواقفك الوطنية وهذا الموضوع يتطرق الى اهم قضية تصارع الشعوب وخاصتا العربية منها الى تحقيقة وبدون فصل السلطات لن تكون هناك عدالة ولا مساواة بين الناس، أن الطريق الى الوصول الى هذا الهدف صعب وطويل ولكنه ليس مستحيل
ولد البلد
ما أكثر الخرافات حين تعدها
ان شاء الله
ان شاء الله احفادي يشوفون هذا اليوم اللي تفصل فيه السلطات عن بعضها وتكون مستقله وليست تابعه مع اني اشك ان يحصل هذا في دوله عربيه
أفضل الجهاد
جاء في الحديث الشريف (أفضل الجهاد كلمة حقٍ في وجه سلطانٍ جائر) مقال جداً موفق أستاذ