العدد 3725 - السبت 17 نوفمبر 2012م الموافق 03 محرم 1434هـ

أزمة البحرين وصلاتها الإقليمية والدولية

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

في مارس/ آذار 2011 أعلنت حالة السلامة الوطنية التي أعقبها فضّ الاعتصام الشعبي الأول والثاني في دوار مجلس دول التعاون المعروف شعبياً بدوار اللؤلؤة، باستخدام القوة المفرطة، واستتبع ذلك إجراءات وقرارت طالت الشعب في غالبيته، وقادتنا إلى ما نحن فيه اليوم من فقد الثقة بين الشعب من جهة، والسلطة من جهة أخرى، التي تمنيناها أن تكون مصانة، الأمر الذي يدعونا للتمعن في الأسباب والجدوى، ليس عبر معلومات مستقاة من مصادر، بل هي نتاج تحليل منطقي للأحداث.

فنتيجةً لاحتجاجات 14 فبراير، تواكبت إبان مارس 2011 عدة أحداث، أهمها، انسحاب القوة الضاربة للأسطول الأميركي الخامس من قاعدته في الجفير بدعوى الصيانة والتطوير، ومن بعد تحرك عشرات الشباب الإيراني بالإبحار في قوارب خشبية من السواحل الإيرانية، باتجاه البحرين دعماً للتحركات الشعبية، ومنعتها السلطات الإيرانية من تجاوز حدود دولتها، وأعادتها من حيث جاءت. وأعلن تلفزيون البحرين أن إيران عازمةٌ على غزونا من بعد تحريك إيران بارجة حربية عبر البحر الأحمر، قيل بعدها أنها متوجهة إلى سورية. ونشر التلفزيون الرسمي للدولة، أفلاماً مثل قطع لسان مؤذن سني، ودهس شرطة مراراً من قبل المحتجين، وأعلن عبر مؤتمرات صحافية لوزراء بأن المحتجين استولوا على مستشفى السلمانية واحتفظوا فيه بسلاح، وحفروا منه نفقاً إلى الدوار.

ومن بعد الفض القسري العنيف للاعتصام في الدوار، بادر التلفزيون ببث صور لأشخاص معلَّمة وجوههم بالدوائر الحمراء المشهورة، على إثرها تم اعتقالهم عنوةً وفي ظلام الليل من قبل ملثمين أمنيين، ومن دون أوامر قبض، إعمالاً لحالة طوارئ بدل حالة السلامة الوطنية، وإيداعهم السجون، وممارسة التهديد والتعذيب عليهم، بما فيهم النخب السياسية والحقوقية والأطباء والممرضين والعمال والمدرسين والرياضيين وكثيراً من العاملين في الوزارات والهيئات الحكومية، وتم فصلهم من أعمالهم، من بعد صدور تصريح رسمي، بأن ثروة الوطن للمواطنين المخلصين. وسخّرت السلطات بعضاً من كتبة الأعمدة في الصحف الحكومية وشبه الحكومية والتلفزيون الرسمي، للنيل من كل من شارك في الاحتجاجات، في شرفهم ومواطنيتهم، واتُهِموا بخيانة الوطن، وكأنما الحالة استكمالاً للتصريح الرسمي ومازالت، وما تبقى معروفٌ لدى الجميع.

هذه أحداث جعلتنا نتفكر فيها، في حينها ومن بعد ما ثبت عبر لجنة تقصي الحقائق البحرينية برئاسة بسيوني، ومن بعد عقد جلسات مجلس حقوق الإنسان في جنيف وآخرها جلسة اعتماد تقرير وتعهدات حكومتنا 19 سبتمبر/ أيلول 2012، وما تكشف من حقائق سبق تزييفها من قبل الإعلام الرسمي، عبر أحكام المحاكم المدنية الاستئنافية والتمييز، وفي أقلها تصحيح التهم بغير ما أشيع فضاعةً، رسمياً من قبل مؤسسات الدولة، والقائمة تطول.

كل هذا جعلنا نحلل المعطيات لنصل للنتائج التالية: مالت الدولة بكل مؤسساتها ضد شعبها الأعزل، راعها منه أنه ملأ ساحات الدوار ومستشفى السلمانية من بعد كثرةٍ من الشهداء والجرحى، متجاوزةً في التعامل، الدستور والقوانين المحلية والدولية وخصوصاً تعهداتها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

واضحٌ أن الدولة رتبت أوراقها محلياً وإقليمياً ودولياً، في واقعة انسحاب الأسطول الخامس الأميركي، التي حللتها الصحف الحكومية بأنها تواطؤٌ مع إيران وتسهيلٌ لها لغزو البحرين، وحقيقة الخطوة ربما تكون تسهيلاً لما حدث لاحقاً، بحجة أن البحرين باتت مكشوفة أمام الغزو الإيراني المؤكد، وتحقيقاً وإشهاراً لمعيار أن الأسطول الأميركي في البحرين، مهامه دولية، ولا شأن له بالتدخلات في الشأن المحلي للدولة. وفيما بعد، يعلن بسيوني وأميركا، أن إيران لا دخل لها بالتحركات الشعبية البحرينية. والآن بعد مضي ما يزيد على سنة ونصف، لم نجد في يوم من الأيام ما يهدد فعلاً المنشآت الحيوية.

وكان واضحاً محاولات السلطة تنقية التحركات الشعبية من كل من حاول المشاركة فيها من الطائفة الأخرى، بدءًا بتغييب إبراهيم شريف ودرجة الحكم عليه، وآخرين تلوه في المشاركة الحرة، ليتسنى لها وصف التحركات الشعبية بالطائفية. وجندت لهذا كل وسائلها لترهيب ووصف حتى أي متعاطف من الطائفة الأخرى، بأنه مجوسي رافضي خائن للوطن، ذيلي القرار لولاية الفقيه السياسية وأيضاً الدينية، في صبغ أصل الصفات على الطائفة الشيعية الكريمة، بل وحرضت بالتضليل والتزوير عليها، لتُظهر للعالم بأن التحركات الشعبية ما هي إلا نزعة طائفية تموّلها وتحرّض عليها إيران. وقد تعاضدت هذه الدول مع السلطات في البحرين، لضرب التوجه والمطالبات بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وممارسة الشعب لحقه في القرار عبر برلمان يمثل إرادة الشعب، وحكم الشعب لنفسه عبر الحكومة المنتخبة والتصدي للفساد في المؤسسات الحكومية. إذ إن هذه المطالبات الشعبية الجَمعية في غالبية الشعب، متى ما تحققت في البحرين، هي توعية للشعوب في جميع بلدان الخليج، بأن يحذو حذو شعب البحرين، ما يهدد بتغيير معادلة الاستحواذ على الثروة العامة.

صُدمت السلطات في الخليج، بتطور حركة المطالبات الشعبية الجمعية، التي خطت خطوات تنظيمية وتحشيدية، وباستخدام إعلام شعبي متطور تخصصاً وممارسة ومصداقية، يفوق الإعلام الرسمي أداءً، على رغم استحالة المقارنة بينهما تمويلاً وتسهيلاً، واستمرار الحراك الشعبي الأعم في الوسيلة السلمية، ما جعل المنظمات السياسية والحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني في البحرين، تنتزع الاعتراف السياسي والحقوقي والمؤسسي الدولي، الأمر الذي سبب إرباكاً للجهات الرسمية، بعدما اكتشفت أن استخدام القوة المفرطة، في ظل الاستمرار بالحراك السلمي، وتقديم التضحية تلو الأخرى، واعتماد الشعب على مقدراته الذاتية، قد بدأ يفرز بعض العنف المضاد، من بعد اتهام السلطات للقوى الشعبية بامتلاكها السلاح بتزويد إيران ودولة خليجية أخرى.

من أجل أن يخرج الوطن من حفرة النار، على السلطات أن تبدأ بردم هذه الحفرة، بالعودة عن التنصل لنصوص الدستور في المساواة والعدل أساس الحكم، وإلغاء التمييز، والإيمان أن الشعب مصدر السلطات، وأن البحرين مملكة دستورية لها استحقاقات الفصل بين السلطات والقضاء المستقل النزيه، وبرلمان يختص بالتشريع والرقابة، وحكومة (سلطة تنفيذية) ينتخبها الشعب انتخاباً حراً مباشراً دون توكيل مواطن لآخر، عبر الصوت الانتخابي الواحد لكل مواطن، ليفرز سلطتين منتخبتين من قبل كل فرد من الشعب، دون محاصصة مناطقية ولا طائفية. أما الوسائل والخطوات التطبيقية فلها باب آخر.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3725 - السبت 17 نوفمبر 2012م الموافق 03 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 9:58 ص

      حفظك الله

      لنا الفخر أن نعتز بهذه الأقلام الوطنية الشريفة وهذه المبادىء الثابته التي لم تبدلها الزخارف ولا المغريات ، حفظك الله ورعاك ياشريف .

    • زائر 15 | 5:56 ص

      سلمت ياولدى

      سلمت ياحبيبي يامن اتى بالحقائق ولم تعمى عيونةكما عميت كثير من الناس فانا من هذا اليوم ساسميك الحر لانك فعلا حرا ولدتك امك حرا فيا ايها الحر ابقى كما انت عال الراس لاتغرك الاموال ولا الجاه نصرك الله وكثر من امثالك البصراء

    • زائر 14 | 5:19 ص

      يد وحدة ما تصفق

      صوت واحد لا يكفي اين النخب ؟ احييك استاذي الفاضل ولكن نحتاج الي اصوات اخرى قوية من الطائفة السنية الكريمة ليضعوا النقاط على الحروف اين هم ؟ ماذا ينتظرون هل مازالوا خائفين على مستقبل عيالهم !! وعيالنا ودمائنا وارواحنا بس احنا فدي البحرين والحرية

    • زائر 13 | 4:16 ص

      وجه نظر

      كلامك عقلاني لا يختلف عليه اثنان ولكن حبذا لو تنقل هذا الكلام الى القنوات الرسميه المتمثله في اذاعه وتلفزيون البحرين او القنوان الفضائية الاخرى التي تتكلم عن البحرين لانه للاسف الشديد نفتقر الى الصوت الاخر من الطائفه الكريمه الاخرى في الاعلام الخارجي مما يوحي وكاان المعارضه مقتصرة على طائفه معينه وهو الذي تريده الحكومه لتوصل رساله للعالم بان الحراك طائفي وانت يا استاذنا الفاضل ذكرت في مقالك درجة الحكم على الاستاذ ابراهيم شريف المنتمي للطائفه السنيه الكريمه مقارنة بالاخرين لذلك اردت التوضيح

    • زائر 11 | 2:42 ص

      شكراً لكم

      شكراً استاذي لانكم لخصتم الاحداث في مقالكم الاكثر من رائع

    • زائر 10 | 1:16 ص

      بلسم الجروح

      في كل يوم تطلع علينا ياأبن المحرق وتثلج صدور البحرينين بعرض ماجرى في هذا الوطن الجريح لتكشف الحقائق التي كانت مخبى عن المواطن البسيط الذي لاحولا له ويصدق المسرحيات التي كانت تعرض على التلفزبون العور والصحف المدفوعةالثمن مع كتابهاء,ولكن ضؤ الشمس لايمكن حجبه والكذب لابد وأن ينكشف وقد أنكش للعالم ولافئه المضلله والشريكه في الوطن بان كل ما كانو يشاهدونه ويقرئونه في الصحف كله افتراء على هذا الشعب العزل ولكن ومازلت اقترح على الحريصين من امثالك على هذا الوطن بأن تعقدو ندوات لتثقيف هائلاء المضللين.

    • زائر 9 | 12:17 ص

      الساعة هم الحين طهبلوا على الناس

      واصحاب العقول الباهرة شربوا هذه الفبركات وطافت عليهم والغرض منها حصل واذا بعد احتاجوا لفبركات اخرى فلديهم من هو جاهز للتصديق على كل شيء فلا زال البعض يسوق لما لا يعقل.
      مو قبل ايام طلع علينا مراسل وقال عن وجود انفاق؟ هذا الكلام قبل شهرين فقط
      مراسل المفروض ان يكون على درجة من الثقافة والمعرفة والعلم بان لا يحدث الناس بامور وينقل لهم اخبار خيالية مثل هذه والزين ان البعض رد عليه لكثرة ما بالغ في استحمار العقول

    • زائر 7 | 12:06 ص

      من العجائب وليس غريب

      ليس من العجائب ولا من الغرائب أن تجد الترهيب والترغيب من الأدوات القديمة التي استخدمت في السلم كما في الحرب. وقد لا يكون الاعتداء على البكر فيه جرم الا ما غر مرتكبه وبقى أثر الاعتداء و تبعاته وملحقاته ثابته لا تنهل ولا تنسل. فهل فظ الاعتصام بالقوة و سقوط قتلى وجرحى ليس فيه إرهاب لفئة؟ وترغيب أخرى لا جرم فيه؟

    • زائر 6 | 12:05 ص

      أنا من الشغوفين بمتابعة المسرحيات ولكن مثل مسرحيات البحرين ما شفت

      احب متابعة فن المسرح الفكاهي الكوميدي ولكن المسرح البحريني والمسرحيات التي تكلمت عنها من احتلال السلمانية وحفر نفق من السلمانية وقطع لسان المؤذن كانت مسرحيات خيالية بمعنى الكلمة وربما سبق افلام هوليود الخيالية
      والكارتونية؟
      احتلال السلمانية والناس تروح وتجي
      حفر نفق من السلمانية للدوار نفق عاد اذا كنا بهذا المستوى من التقنية ليش
      نكلف الدولة تبني جسور وكوبريات ما شاء والله احنا شعب فظيع.
      طيب ما في شركات تبي تتعاقد معانا نسوي لها انفاق وبسعر خاص لان البحريني معروف ارخص من غيره

    • زائر 5 | 12:00 ص

      باب البر والتقوى

      المفاتيح كما المداخل والأبواب كثيرة ومتعددة ومتنوعة لكن الأبواب ليست كلها متشابهة وربما المداخل كذلك. فالبوابة أو "ألدروازة" باب ذا بابان متشابهان، ومن هذه الأبواب المتشابهة باب البر والتقوى و البغي والعدوان و المودة والرحمة...
      فقد لا يكون فظ الاعتصام بالقوة المفرطة وسقوط قتلى وجرحى من باب الرحمة ولا المودة ولا من باب البر والتقوى. فعلى ما تعاون إذاً؟ ومن أي باب دخلوا لفض الاعتصام بالقوة المفرطة؟

    • زائر 4 | 11:29 م

      ملخص مفيد

      شكرا للكاتب على هذا الملخص للأحداث و التفسير المنطقي لما جرى... مطالب واضحة للشعب و التفافات و تلفيقات واضحة من النظام ...

    • زائر 3 | 11:01 م

      في الصميم

      كلام رع لكن من يسمع

    • زائر 2 | 10:32 م

      ليعلم الجميع مستوى الظلم الذي وقع علينا.. وما يهون علينا ذلك أنه بعين الله العدل الجبار..

      لنصل للنتائج التالية: مالت الدولة بكل مؤسساتها ضد شعبها الأعزل، راعها منه أنه ملأ ساحات الدوار ومستشفى السلمانية من بعد كثرةٍ من الشهداء والجرحى، متجاوزةً في التعامل، الدستور والقوانين المحلية والدولية وخصوصاً تعهداتها لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة..

    • زائر 1 | 9:38 م

      هاني العلوي

      مقال يبرد القلب و مباشر من دون لف ودوران واستعارات مكنية و تصريحية..

اقرأ ايضاً