قبل أسبوع، وفي جولة سريعة برفقة أحد الأصدقاء إلى فعاليات السوق الخيري السنوي الأول الذي نظمته «جمعية شجرة الحياة الخيرية» بإحدى المجمعات التجارية، التقيتُ بنائب رئيس جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر عيسى خليل إبراهيم، الذي تحدث معي عن آخر استعدادات جمعيتهم ومشاركتهم السنوية الفعالة في مهرجان الإمام الحسين (ع) الفني السنوي الثالث عشر، والذي سُيقام هذا العام تحت شعار «من وحي عاشوراء» بالعاصمة المنامة. وما لبثت أن سألته عن الجديد في مشاركتهم بالسوق الخيري، فأجاب: «أمل وألم»! قلتُ له: نعم، وجدتُ عدداً من الفَرَاشات الصغيرات المنتشرات في المجمع وهنَّ يرتدين لباساً يشير إلى هذا المعنى، ما قصتهن؟ أجاب: هنَّ طالبات نشيطات من مدرسة سار الثانوية للبنات.
دخلنا في حوار موسع مع الطالبات عن مشروعهن «أمل وألم»، الذي يستهدف تسليط الضوء على مرض فقر الدم المنجلي (السكلر) في البيئة المدرسية، وتوعية الطالبات وتصحيح وجهة نظرهن حول هذا المرض الذي تسبب في وفاة الكثيرين، كانت آخر حصيلة الضحايا الشابة البحرينية فاطمة محمد هود (يوم الأربعاء الماضي) بأحد مستشفيات دولة الكويت الشقيقة.
منذ أن أطلقت طالبات سار الثانوية مشروع «أمل وألم» في 12 سبتمبر/ أيلول 2012، وهنَّ على اطلاع بعدد الحالات الموجودة في المدرسة والتي تقدر بـ 18 طالبة.
في البداية، ظننتُ أن المتحدثات معي من المصابات بهذا المرض، إلا أنني تفاجأتُ بأن جميعهن (أي القائمات على المشروع) لسن كذلك! إحداهن علقت بالقول: كل إنسان بشر وليس كل بشر إنسان، وكل ما في الأمر، أن الفكرة تولَّدت لدينا أثناء دراستنا لإحدى المواد العلمية التي تتناول قضية بيئية، ومن منطلق الإحساس بالمسئولية وحق هؤلاء الأفراد في المجتمع، قمنا بإطلاق هذا المسمى الطلابي ووجدنا تجاوباً كبيراً وإيجابياً من جمعية السكلر.
«كوكب الزهرة»... هو اسم النشرة التي تشرف الطالبات على إعدادها وطباعتها على حسابهن الخاص، وهنا لابد للإدارة المدرسية والمعلمات وأولياء الأمور من دعم وتشجيع مثل هذه المبادرات المتميزة التي تعزز ثقافة الصحة المدرسية، وخصوصاً أنها مبادرة طلابية ذاتية بدافعية عالية ممزوجة برؤية واضحة في الارتقاء بعمل المؤسسات التعليمية في هذا الوطن العزيز.
تكشف جماعة «أمل وألم» عن حلم جميل بدأ يراودهن مع انفتاحهن على الطالبات المنجليات (المنجليات نسبة للمرض)، فها هي فاطمة شبيب تقول: منجليُّون... عصافير تحلِّق في سماء الكون بآمال رفيعة. عظماء تصدروا الميادين متَّحدين المرض، فكونوا معهم لا عليهم.
وتقول آمنة عبدالحميد: جميل أن نستمد طاقتنا من أناس عرفناهم من زمن قصير، لقد تعلمت معنى الأمل والتحدي والصبر منهم، فلا مجال للاستسلام في حياتهم. لقد سعدتُ بمعرفتكم أيها «المنجليون».
وتصف منى حسن زميلاتها بالقول: «المنجليُّون» نصفنا الآخر الذي يمدُّنا بالقوة والثبات.
المسألة تتعدى لدى طالبات «أمل وألم» إصدار نشرة هنا أو محاضرة هناك، وإيماناً منهن بأهمية ثقافة الصورة والميديا في التعبير عن الأفكار الخلاقة، فقد بادرن مؤخراً بتصوير مونتاج قصير في المدرسة يحكي قصة السكلر، ويدعو لتعزيز روح التفاؤل والأمل ليمنحهن «أكسجين» للحياة.
نقرأ في نشرة «كوكب الزهرة» عن أبرز الآثار السلبية الناجمة عن مرض فقر الدم المنجلي (السكلر) والتي تمس حياة الطلبة، كتسببه في إحداث مضاعفات حادة ينجم عنها الغياب المتكرر للطلبة وانقطاعهم عن الدراسة فترة معينة قد تطول أو تقصر.
هذا الغياب المتكرر الذي يلقي بظلاله على فهم الطلبة المرضى المصابين بالسكلر ومدى قدرتهم على استيعاب كل مفردات المناهج الدراسية، أو لجوء البعض منهم إلى الدروس الخصوصية في المنازل كتعويض عما فاتهم من دروس، في الوقت الذي نتطلع من الإدارات المدرسية قيامها بمسئوليتها في إعداد برنامج تدريس مسائي لهؤلاء الطلبة وتشجيع معلميهم على القيام بذلك.
ما سرق نظري أيضاً في نشرة «كوكب الزهر» إشارتها إلى ثقل «الحقيبة المدرسية» بالنسبة لهؤلاء المرضى، وخصوصاً فترة تفاقم حدة المرض والألم، وتقترح الطالبات في هذا السياق تخصيص كتابين اثنين للمقرر الواحد، بحيث تحتفظ الطالبة بكتاب واحد مثلاً في المنزل والآخر في المدرسة فيما لو غابت عن المدرسة؛ لكي يتسنى لها متابعة دروسها. بل، ونجد في النشرة تأكيداً على حق الطالبات في مزاولة بعض أنواع الرياضة التي تتناسب مع ظروفهن الصحية.
يعتقد الكثيرون من المهتمين بشئون هؤلاء الطلبة أن فترة الامتحانات هي الأكثر صعوبة بالنسبة إليهم، وذلك يرجع إلى طبيعة الامتحانات حيث الضغط النفسي والتوتر والقلق وغير ذلك، ما يؤدي إلى زيادة الآلام والأوجاع لديهم والامتناع عن أداء الامتحانات في مواعيدها المحددة، والانتظار لحين فترة إعادتها لهم.
في السابق كان البعض منا ـ وللأسف الشديد ـ يعتبر قيام المعلم بقراءة أسئلة الامتحان للفئات الخاصة بمثابة تواطؤ معهم على الغش، وعلينا كتربويين تصحيح نظرتنا في تعاملنا مع هذه الفئة؛ انطلاقاً من رؤيتنا لمستقبل التربية على حقوق الإنسان التي تضمن لجميع الطلبة من دون استثناء حقهم في الحصول على التعليم الجيد والملائم تحقيقاً لمبدأ العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.
إن طالبات مدرسة سار الثانوية للبنات نموذج راقٍ في فهم برنامج «حق الصحة»، ويتوقع من المدرسة أداءً متميِّزاً في الزيارات القادمة لهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب، وخصوصاً بعد تقسيمها على مدرستين (سار والشروق) في العام الدراسي الماضي 2011 - 2012.
«أحباؤنا المنجليُّون كونوا بخير؛ من أجل بقاء دمائكم على وجه الأرض»... هذه هي الرسالة الإيجابية التي ذيَّلتها طالبات سار بخط عريض في نشرة «كوكب الزهرة» والتي تريد إيصالها لكل من يؤمن بالحقوق ويدافع عنها.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3725 - السبت 17 نوفمبر 2012م الموافق 03 محرم 1434هـ
موفقات
مشرووع جميل موفقات لكل خير وتشرفت بمعرفتكم واتمنى لكم المزيد من التقدم والنجاح
الروح الطيّبة لم تمُت بعد !
كم تؤرّقنِي قضيّة مرضَى السكلر ..
ولآ زلتُ أحلُم أن يأتِي الفجرُ الذِي ألقَى فِيه نفسِي إحدَى مَن يرسِمُ البسمَة ويمتصّ الوجَع مِن قلوبِ " المنجليين " ..
*
مبدعات وشي يرفع الراس ، واصلوا عملكن الرائع
ماشاء الله
هذا ما تعودنا عليه من ابداع ابنائنا الطلبة بارك الله فيكم
الاطفال انتبهوا والحكومة خبر خير!!!!
حتى التلاميذ صار لهم دور في هذه المشكلة الانسانية واتخذوا مبادرات جميلة فماذا عن حكومتنا .. ماذا فعلت لهؤلاء!؟؟؟؟؟