يا له من لقاء رهيب؛ حيث تتجلى فيه كل معاني الصفح؛ الغفران؛ الفداء؛ والتضحية والقداسة.
هو لقاء العبد بالمعبود والوقوف بين يديه، فالمكان هو بقعة واسعة الأرجاء والفضاء والزمان. هو الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة.
ففي كل عام يطل علينا هذا المشهد، الذي هو غاية في الروعة والجمال، حيث تتوق الأرواح والأنفس إلى هذا العالم الرحب وتتحرق شوقاً من أجل الوصول لتلك البقعة الطاهرة، وتظل عالقة في الذاكرة، وتحلق جوارحنا وقلوبنا في كل عام لتلك الأجواء العجيبة؛ فتزحف أمواجاً من البشر لتلك البقعة المباركة باختلاف ألوانها وانتماءاتها ومراتبها التي رتبهم الله فيها.
تتذلل كل الصعوبات عندما تقبل على الكعبة المشرفة؛ حيث ينشرح الصدر؛ وتنسى ما خلفت وراءك من أحبة وفلذات أكباد؛ وتنسى هموم الدنيا.
فترى آلاف الأمواج البشرية المتلاطمة التي لا يهدأ موجها لحظة واحد ليلاً ونهاراً. دأبوا على العمل كالنحل الذي لا يستكين. وترى نفسك وسط هذه الأمواج الجميلة، رغم شدتها، تقذفك يميناً تارة ويساراً تارة أخرى.
في صباح اليوم التاسع من ذي الحجة ترى الأمواج البشرية قد تأهبت إلى «عرفة»، حيث الأصوات العذبة صدحت في السماء عالياً من أجل مناجاة الله سبحانه وتعالى لغفران الذنوب، والاعتراف بالخطيئة تطبيب الآلام.
أما «مِنى»، والذي يدرك فيها المرء كلما يتمنى، ففيها تشد الجموع البشرية رحالها من أجل الخوض في معركة ضد الشيطان؛ فالحجاج قد حملوا أسلحتهم من أجل الخوض في تلك المعركة، وما أن تصل إلى هناك تقول أنه بالفعل كانت هنا معركة قد وقعت؛ فترى الناس بين مغمى عليه، وآخر قد خارت قواه وأخذ زاوية ليرتاح فيها، وآخر يلتقط أنفاسه ليواصل المعركة.
وعوداً على بدء، إلى مكة المكرمة لأداء المنسك الأخير، وهذا من أصعب المناسك، فترى الحجاج استنفرت كل قوتها لأداء هذا الطواف الأكبر، وما أن تنتهي حتى تشعر براحة نفسية غريبة. بعدها فقط تشعر لما خلفت وراءك من أحبة وفلذات الأكباد، وكل ما علينا من مسئوليات وواجبات.
يارب، أعلم أن ذنوبي عظيمة، ولكن رحمتك أعظم..
يارب، أعلم أن خطيئتي قد اتسعت، ولكن رحمتك أوسع من كل شيء..
ربي اغفر لي ولأمي التي كانت سبباً في وجودي وارحم أبي برحمتك..
أمي الحبيبة، أشكركِ الشكر الجزيل، فقد كنتِ سبباً في ولادتي من جديد.
ليلى خليل إبراهيم عيسى
العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ