لم تكن التسميات التي صدح بها المفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر مجرد إضفاء رونق على الكلمات وتجميل لبعض السجعات حتى يستتم الكلام، ويظهر بديعاً فقط، أو خالياً من أي أبعاد روحية أو تأصيلية، وإنما كان يروم من تسمياته واقعاً تأصيلياً بكل ما للتسمية من أبعاد حتى أصبحت هذه التسميات سراً أو حقيقة أراد من خلالها إظهار ما أخفاه الواقع الجديد.
الـ «نا» في تسميات الشهيد الصدر كانت فرضاً للأطروحة والأيديولوجية الإسلامية مقابل الأطروحات التي ظهرت مؤخراً، خصوصاً في القرن العشرين، مما حدا ببعض المتولهين بتلك الثقافات والإطروحات إلى التشكيك بمدى واقعية الفكرة الإسلامية ومدى جديتها على واقع الإنسان ومعاشه، فكان للشهيد الصدر قبس السبق في هذا المجال. ولعل هذا من الأسباب التي جعلت الصدر في قمة المفكرين في عصره، سواء في الشرق أو الغرب.
وما يطالعنا في استعراض مؤلفات الشهيد الصدر هذه الـ «نا» التي تحدد الهوية والانتماء، الهوية، الإسلام، العقيدة، الفكر، الحضارة والتراث.
فالصدر من خلال تلك التسميات يرمي إلى الرد على التحدي، والفهم الخاطئ المتعمد لروح الإسلام حضارة، تراثاً وناموساً للحياة.
فالإنسان كما فهمه الشهيد الصدر خليفة الله في الأرض «إني جاعل في الأرض خليفة»، والله هو الهدف الأسمى والمثل الأعلى للإنسانية جمعاء. وقف الشهيد أمام استخلاف الله للإنسان وانتمائه في الأرض فساءه واقع ذلك الإنسان يترنح قلقاً أمام قدسية الخلافة، ويلتوي ضياعاً أمام شرف الأمانة.
الإسلام برأي الشهيد الصدر وحده طريق الخلاص بعدما عانت الإنسانية ومازالت من ألوان القلق والتذبذب بين تيارين ملغوم كلاهما بقنابل الذرة وأساليب الدمار. الإسلام الباب الوحيد الذي لم يبق غيره من أبواب السماء واحة وحيدة في صحراء العصر.
فقد خاب أمل الماركسية والرأسمالية، على رغم إخلاص الكثيرين لهاتين الأيدلوجيتين اللتين جعلتا من إنسان العصر غنياً شقياً ومتمدناً وحشاً. فلم يعد الإسلام وحده طريقاً للخلاص، ولكن أي إسلام؟ ليس الإسلام التقليدي الجامد. الإسلام كما يفهمه الشهيد الصدر وكما يدعو إلى فهمه فهماً متكاملاً، هو الإسلام بالإسلام، ثقافة تستند إلى تحليله وتنقيته من كل ما شابه في عهود الجهل والظلام. وهذا كله كلفه حياته الشريفة. (مقتبس بتصرف)
وعلى صعيد آخر، فقد رام الشهيد الصدر من تحديد هذه الهوية عملية التحدي، ولو أن الفشل كان حليفاً لكل تلك الهويات الزائفة والتي ظهر فشلها في تدريس كتب وأفكار الشهيد الصدر في الجامعات الغربية، فكأن الصدر أراد القول لهؤلاء هذه هويتنا وهذا هو إسلامنا النقي الذي جاء به الرسول الكريم (ص)، فهي انتماؤنا، وإذا أردتم تلفيق هويات مزيفة فهي لن تفلح أمام المد الإسلامي الذي هو المد الإلهي لصالح البشرية على مدى الدهور.
جانب آخر، ما كان يفكر به الصدر وكما تقدم، إعطاء الموروث الإسلامي والحضارة الإسلامية بعدها الحقيقي الذي نشأت عليه، والتي أرادها الاستعمار منطمسة في غياهب مظلمة، وإغواء لبني الإسلام عن إسلامهم، وحتى لا يأخذ المد الحضاري مداه الواقعي؛ فمنذ القرن الثامن عشر استفحل الاستعمار، خصوصاً في حقبة الرجل المريض، واستشرى بوسائل شتى في هذا الجانب، ولعل عملية التبشير هي أكبر هذه العمليات التي لم تفلح أبداً في صرف الأمة عن حقيقتها، هذا وحده كافٍ من أجل إبراز حقيقة لابد منها، وهي أن الاستعمار بشتى صنوفه لم يفلح، ولن يفلح، في صرف الأمة عن موروثها الحضاري الإسلامي الأصيل.
أحمد بديع
العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ