وقعت حفلة أو مناسبة الختان في الحوش الكبير بين النخلة والبركة القريبة من المطبخ وفوقها في الطابق الأول، كان اثنان من أخوتي الكبار يلوحون بمبالغ نقدية ورقية (وكانت كبيرة مقياساً بذلك الوقت وأعمارنا). وكانت واحدة من أخواتي بيدها حلويات ملونة، أما جارتنا وهي حكيمة الفريج فكانت تصب كوب الماء لابن أختي (الذي يكبرني بسنة) وهو يصب آخر عبراته بعد ختانه. وكان في ركن من الحوش امرأتان من الجيران وكل واحدة منهما ممسكة بيد ابنها بإحكام في انتظار دورهما في الختان. لا أدعي الفرح بل متعة الحدث والتجمع والرجل بغترته البيضاء وكيس قماش به مجموعة أدوات القطع وهي بسيطة ولا تبقى بالذاكرة كثيراً وخاصة بعد الختان مباشرة، والذي هو عذاب لا ينتهي وخاصة إذا كنت في منتصف الدور وليس أوله والاستماع لمجموعة درجات البكاء والمتوزعة ما بين العالي والعالي جدّاً.
مناسبات الحياة قد تكون قاسية على تجربة الحياة لدينا (وخاصة قبل بلوغ العاشرة أو الثامنة) لكن التجمع بين أبناء البيت والجيران هي المتعة الحقيقية لهذه الذواكر، فهي المعرفة والتعرف بهذه الوجوه والعادات والأسماء وما يتبعها من آباء وأمهات وأخوات وأبناء عم وجيل من الحكوات التي يمكن ان تؤلف في الكتابة عنها أسفار ومجلدات، لذلك دوماً الكتابة عنها متفرقة تشكل متعة أما بالترتيب فهو واجب مدرسي ممل ومقيت ونصفه محلول بالغلط .
شرب الحلول كان حدث جماعي كذلك يشارك فيه الكبار مع الصغار، فكان الكبار يشربونه بدون أي ضجة أو بكاء أو رفس كما كان الصغار يفعلون. أما الصغار فكان الكبار كلهم تقريباً يشاركون في المساعدة على تشريب الحلول للصغار، وذلك بمسك وتكتيف أياديهم وأقدامهم وسد أنوفهم ثم غرغرتهم بالحلول الذي ينسكب نصفه أثناء هذه العملية والتي تحتاج إلى كوبي حلول لكل طفل لانسكاب النصف على الثياب. وبعد الحلول وزيارات الحمام (الجطيع) وهو الحمام ويقع في جهة من المطبخ بعيد عن قسم الطبخ وبه مجموعة حمامات بدائية بباب ومن دون سقف. وبكل حمام حنفية ووعاء بلاستيكي بأنف طويل، وما زال الوعاء البلاستيكي نفسه ذو الأنف يستخدم في منطفة الخليج حتي اليوم وبنفس النوع والقياس والألوان وربما المصدر. بعدها نجد الجميع مرتخين في الحوش وكلاً قرب أمه أو أخته الكبيرة وهي تسقيه كأس شاي الليمون الأسود، وبين عبراتنا تخرج طلبات وعود الأمهات للأبناء وهي تترجى تارة وتتوعد تارة آخرى «لقد وعدتني بروبية كاملة أريدها الآن» أو «اشتري لي شعر البنات الآن الآن وإلا لن اشرب حلول طول عمري... أنا احذرك».
إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل السعد"العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ