لم يكن موعداً مقرراً سلفاً، لولا الحاجة لطرق أبواب «الكراجات» حين تقرر سيارتك أن يكون موعدها قد حان لتركن إلى الهدوء والسكينة التي تفتقدها شوارعنا منذ أشهر.
وفي ذلك الموعد اضطررت للمكوث قليلاً في غرفة الانتظار بالكراج، وكان من سوء الحظ أنني كنت مضطراً أيضاً لتصفح أوراق بعض الصحف الصفراء، مع أنني قررت الابتعاد عن هذا الإزعاج الإرادي منذ فترة؛ حفاظاً على ما تبقى من بقع هادئة في نفسيتنا.
واستغربت أن هناك كتّاباً مازالت عقولهم مقفلة تماماً على مفهوم واحد لا يرى سوى مصلحته وصورته هو فقط في المرآة التي أمامه. ولذا تراه يتخبط يمنة ويسرة فيما يدّعيه بأنه تحليل للأوضاع، وأنه هو وحده الصادق الأمين فيما يطرح، فتراه لا يفارق في قوله وعمله الخارطة التي رُسمت له مسبقاً، وإلا حل الغضب عليه. رغم أن بعض هؤلاء الكتبة أعرف أنهم كانوا في صف المعارضة يوم كانت في الخارج منذ السبعينيات، وفي لحظات الاختيار بين الفقر وغضب الكبار أو بين التمتع بخيرات دنيوية ورضاهم، رأيتهم تحوّلوا ونكثوا ثم غدروا. وهنا تذكرت قول أحد الحكماء: «لا تنصدم بغدر الأقرباء! فيوسف (ع) غدر به إخوته وهو نبي»!
ليس من باب «من ليس معك فهو ضدك» أبدي هذه الملاحظات، فليكتب من شاء ما شاء، فاختلاف الرأي لا يفسد القضية المطروحة هنا؛ لأنها تجاوزت الزمن بمراحل سريعة ومن هم خارج الزمن؛ لكني أتحدث عن طريقة تفكير البعض، وعن دورانهم حول أنفسهم بعيون مغمضة تماماً عما يدور حولهم.
فمن طريف ما قرأت لبعض هؤلاء الكتبة في تحليلاتهم أن أميركا بالتعاون مع إيران تعبثان بالبحرين في حراكها السلمي! مما جعل حدقة عيني تتسع؛ محاولاً قراءة ما هو مكتوب أمامي أو على الأقل قراءة ما بين السطور إن وجد.
وآخر يخلط بين أكثر من مذهب وعقيدة وفكر سياسي وحكم أسرة انتهى عمرها منذ قرون ليجمع كوكتيلاً غريباً عجيباً فقط ليصل من خلاله لوصف عصابة، كما يقول، في إحدى الدول العربية بأنها «عصابة صفوية علويّة نصيرية باطنية حاقدة»! فما هي العلاقة التاريخية العقائدية بين الباطنية والأسرة الصفوية؟
وأقلام أخرى تذكر أن هناك مرتزقة من إيران وبغداد وبيروت تمارس أبشع أنواع الانتقام الطائفي في سورية، لم ترتكبه حتى العصابات الصهيونية، التي يبدو أنها صارت بريئةً جداً، في نظر البعض، أمام تعاطي الأنظمة العربية التي ابتليت بثورات الربيع العربي، ضد شعوبها.
ولا أدري ما يحدث في غزة الأبية الصامدة اليوم، ماذا يُطلق عليه من عنف ووحشية آلة القمع الصهيونية واستباحة الدم العربي الفلسطيني؟ هل هذه نعومة وحضارية ورفق في التعامل مع الجماهير العربية من قبل العصابات الصهيونية المحتلة للأرض أساساً؟
وقلمٌ آخر ما زال يبحث عن «معارضة رشيدة» في البلد! وإلا فهو يسجل أمامها تهمة «الخيانة الوطنية الكبرى» إذا لم تكن «رشيدة» بحسب اعتقاده الموجه من قبل بوصلة الاصطياد في الماء العكر.
أي فقط المعارضة يجب أن تكون «رشيدة» دون سواها ليصلح الحال، فبقية المكوّنات المجتمعية والسياسية في البلد كلها «رشيدة»، وبقي فقط المعارضة التي ما زالت بعيدة عن الرشد القسري! وطويت بقية صفحات تلك الجرائد سريعاً حين أسعفني موظف الاستقبال بكوب من القهوة بالحليب لتعديل المزاج.
ألم أقل لكم أنه سوء حظ في يومٍ بدأ بزيارة كراج، وانتهى بقراءة غير موفقة لأوراق صفراء بالية أصبحت خارج الزمن المقروء جيداً.
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ
إذا أردت راحة البال
لماذا لا تعمل مثلي؟ أنا أصد عن قرائة كل الجرايد الصفراء والحمراء والملونه .. ولا أقرأ إلا الجريدة الأولى في البحرين .. المدلية الاراء .. والشعبية الأهواء .. والحقانية الاجواء. وكذلك المحطات الفضائية لا أشاهد إلا المحطات الحقانية والتي تنور من مناراتها القلوب ومن أخبارها تلتمس الصدق، أما باقي المحطات فالحمد لله أن في كل رسيفر خاصية المسح .. فانا أمسح كل محطة منافقة أو كاذبة .. ويبقى رسيفري نظيف ولا يشير بعد.
كاسر الصمت
أستاذي العزيز لابد من الصحفي ان والمثقف والكتاب ان يقرأ جميع الجرائد حتي تعرف ما ينون وما يفكرون به علينا ان نفهم كيف يفكرون ونقيس عقول كل واحد
هادة وجهة نظر