العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ

اللهجات في البحرين: «بغى» وأخواتها

تناولنا في الفصل السابق أفعال المقاربة المستعملة في اللهجات في البحرين، وهي: بغى التي تنيب عن كَادْ، و گَرَّبْ، بمعنى قارب، وبَدَّا وكلاهما ينيبان عن أوشك وكرب، بالإضافة إلى وجود مصطلحات عامية تنوب عن الفعل «بغى». وقد تناولنا بالتفصيل في الفصل السابق أحد أفعال المقاربة وهو الفعل «بغى»، وأوضحنا أن هذا الفعل يأتي بمعنى كاد عندما يأتي في صيغة الماضي، أي بغى، ويأتي بمعنى يريد في المضارع إلا أن صوره في صيغة المضارع تطورت وتغير شكلها. وقبل أن نناقش بقية أفعال المقاربة عند العامة في البحرين سنناقش علاقة الفعل «بغى» بحرف الاستقبال عند العامة وهو حرف الباء.

حروف الاستقبال

في اللغة العربية الفصحى تستخدم «سوف» وحرف السين للحديث عن الحدث المستقبل، وتُسمّى السين حرف استقبال أو حرف تنفيس (أَي توسيعٍ) للمستقبل القريب؛ لأنها تَنقُلُ المضارعَ من الزمان الضيّقِ، وهو الحال؛ إلى الزمانِ الواسع وهو الاستقبال. وكذلك «سوفَ»، إلا أَنها أَطولُ زماناً من السين، ولذلك يُسمُّونها «حرف تسويف». وفي غالبية اللهجات العربية المعاصرة تستبدل «السين» و»سوف» بحرف الباء «فيقال: (بانام) بدلاً عن (سأنام)، وهذه الباء تتبع الحرف الذي يليها مطلقاً في حركته وهي لهجة سائدة في أغلب بلدان الوطن العربي، ماعدا بعض البلدان مثل مصر وسورية ولبنان؛ فإنهم يستخدمون الحاء التي هي بقية الفعل (راح) فيقولون: (حاروح)، وأحياناً يبدلونها هاءً، فيقولون: (هاروح)» (شبر 2001، الواحة العدد 23).

ويرجح عدد من الباحثين أن أصل حرف الباء هذا هو اختصار من اسم الفاعل «باغي» المشتق من الفعل بغى (مبخوت 1993، ص 166)، وقد أعطى القصاب دلائل ترجح هذا الأصل حيث يقول في بحثه حول اللهجات في القطيف: «وهذه الباء تعني الإرادة والعزم على عمل شيء ما كما تعني الاستقبال، ومن المحتمل جدّاً أنها جزء من فعل الإرادة (أبغي) في صوره المتعددة (أبغى، وأمبي، وأمبى، وأبي وأبِّي)، علاوة على صورته الأصلية بدليل أنه يقال: (أباروح)، ولو ردت الكلمة إلى أصلها لصارت أبغي أروح أو أبغى أروح، والدليل الثاني أنه بالمقارنة مع لهجة أخرى لمنطقة مجاورة مثل نجد والكويت يقولون أحياناً: يبيروح أي يبي = (يبغي يروح)، كما نجد ذلك في قول الشاعر: (?ان يبيعرف عن الشو? اللي فينا)، أي: إن كان يريد أن يعرف عن الشوق الذي فينا. وهذه الأداة لم تحل محل سين الاستقبال وحسب؛ وإنما حلت محل الأداة الأخرى (سوف)، فما نلاحظه أن هاتين الأداتين ساقطتان من الاستعمال في كثير من اللهجات العربية بعد إحلال أدوات أخرى غيرهما» (شبر 2001، الواحة العدد 23).

«باء التنفيس»

واللهجات الفرعية

تبدل العامة في البحرين سين التنفيس أو الاستقبال بحرف الباء، وهذه الباء تدخل على الفعل المضارع، أما حركتها فهي الفتحة أو الكسرة، وهذه الحركة تتباين بين لهجة وأخرى، ففي لهجة العرب في البحرين تكون حركة هذه الباء تعتمد على حرف المضارعة التي يليها فتكون مفتوحة إذا كان الحرف الذي يليها ألف مثل (بَانام) وبَاروح (سوف أذهب) وتكون مكسورة مع بقية حروف المضارعة (النون والياء والتاء) مثل بِنروح، بِيروح، بِتروح، وكذلك إذا كان فعل المضارع يبدأ بهمزة مكسورة مثل «إيْصوم» حيث يصبح «بِيصوم». أما في اللهجة البحرانية فتوجد طريقتان لنطق باء التنفيس، الأولى بحسب القاعدة السابقة لنطقها في لهجة العرب، أما الثانية فهي نطقها بالفتح دائماً فيقـولون: بَيْروح (سوف يذهب) بَيْنام (سوف ينام) وهذه الظاهرة سائدة في جزيرة سترة وقرى الساحل الشرقي (أي النويدرات والعكر والمعامير وسند وجرداب) وتمتد للوسط لتشمل قريتي عالي وبوري.

ظاهرة فتح «باء التنفيس»

إن ظاهرة فتح «باء التنفيس» بصورة مطلقة ليست حصرية على اللهجات الفرعية البحرانية كاللهجة الستراوية مثلاً؛ حيث إنها سائدة في لهجات الإمارات وعمان (شبر 2001، الواحة العدد 23)، وكذلك في اللهجة الحضرمية، إلا أنهم في حضرموت يشبعون الفتحة حتى تصبح ألفاً، فقد جاء في «معجم اللهجة الحضرمية» الذي جمعه وأعده فهد أحمد بن هلابي (نسخة إليكترونية): «با: لفظة بمعنى سوف ... فنقول: (بانجلس، بايروحرون، بايفعلون، بايموتون، ... إلخ)».

لاحظ التوزيع الجغرافي لهذه الظاهرة حيث إنها تمتد من حضرموت إلى عمان فالإمارات ثم البحرين. هناك عدد من الظواهر اللغوية الخاصة باللهجة البحرانية تشترك فيما بينها في أن لها نفس التوزيع الجغرافي السابق داخل شبه الجزيرة العربية، وقد سبق الإشارة إلى بعضها، مثل إشباع كسرة الضمير المنفصل للمخاطبة مع إضافة النون ليتحول للصورة إنتين، وسنتناول لاحقاً ظواهر أخرى لها التوزيع الجغرافي نفسه. يمثل هذا التوزيع الجغرافي خط هجرة قبائل عربية معينة استقرت في هذه المناطق، كذلك هذه المناطق تعرضت لظروف تاريخية مشابهة من حيث تأثير لغات سامية معينة. هذه الحقائق أدت إلى ظهور نظريات أو تعليلات لسبب وجود هذه الظواهر اللهجية، فهناك من يرجح أنها لهجة إحدى القبائل العربية القديمة التي لها انتشار شبيه بهذا التوزيع الجغرافي، بينما يرى آخرون أن هناك تأثيراً للغات السامية التي أثرت في هذه المنطقة. وربما يكون هناك تفاعل ما بين لهجة عربية قديمة وتأثيرات سامية. هذه التعليلات وغيرها سنتناولها بالتفصيل في فصل لاحق نخصصه لنقاش هذه الظواهر اللهجية المختلفة.

مصطلحات الإنابة عن «بغى»

تستعمل العامة في البحرين مصطلح ينوب عن الفعل بغى بمعنى كاد وهو «باگَي شوي» أو « باگَي شْوَيَّةْ» وتعني حرفيّاً «باقي قليل»، فيقال « باگَي شوي وتدعمه السيارة»، أي كادت السيارة أن تصدمه. وفي لهجة القطيف تنوب عنه الجملة «لَو مَا شْوَيَّةْ چَانْ» (القصاب 2004، الواحة العدد 32) وهي بالمعنى السابق نفسه.

الأفعال گَرَّبْ و بَدَّا

گَرَّبْ أي قَرَّب، وهي تأتي بمعنى قارب وهي تنوب محل (أوشك) و(كرب)، وهي تدخل على الأفعال نحو: (گَرَّبْ الفَجُرْ يِطْلَعْ) وكذلك على الأسماء (گَرَّبت النهاية). وقد تنوب عنها الصفة المشبهة باسم الفاعل أي قريب، وهي تلفظ في اللهجة البحرانية «گريب» وفي لهجة العرب «جِريب»، وهي تنيب عن أوشك في صورته المضارعة، أي يوشك، وهي تعني «عما قريب».

ويستعمل أحياناً الفعل بَدَّا، أي بدأ، بمعنى گَرَّبْ أي كأحد أفعال المقاربة التي تنوب عن أوشك وكرب، نحو: (بَدَّا الفَجُرْ يِطْلَعْ). وفي الغالب ما يكون الفعل بَدَّا من أفعال الشروع.

أفعال الشروع

أفعال الشروع هي الأفعال التي تدل على البدء أو الشروع في العمل، وأكثر ما تستعمل اللهجات في البحرين الفعلين قام نحو: قام يلعب بالكورة، وبدأ (بصورة بَدَّا)، وبصورة أقل، الفعل هب نحو: هبت الناس تشتري. ومن الأفعال التي تستخدمها العامة ولم ترد في اللغة العربية الفصحى الفعل «قعد» نحو: قعد يلعب بالكورة.

وتستعمل العامة اسم الفاعل المشتق من أفعال الشروع للدلالة على الشروع والاستمرار، نحو: (قاعد ياكل) و (قايم يلعب). وهي بذلك تحل محل لام التوكيد والاستمرار والتي أبدلت في لهجات أخرى بأدوات مثل (ذا) و(جا) «وهذه شائعة في العراق وحسب، فهم يقولون: (ذاياكل) و(جاياكل) أي: (وإنه ليأكل)، و(إذا به يأكل)، أما في بعض البلاد العربية كسورية ولبنان فإنهم يستخدمون المقطع (عم) فيقولون: (عـم ياكل)» (شبر 2001، الواحة العدد 23).

العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً