العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ

الإمام الحسين أسَّس مبدأ التسامح وجسَّده بمواقفه مع أعدائه في كربلاء

أكدوا أن ثورة عاشوراء وقفت ضد مبدأ العنف... خطباء ورواديد:

الشيخ محمود العالي - جعفر الدرازي - الشيخ جعفر الشارقي - أبا ذر الحلواجي
الشيخ محمود العالي - جعفر الدرازي - الشيخ جعفر الشارقي - أبا ذر الحلواجي

أكد خطباء ورواديد أن الإمام الحسين(ع) أسس مبدأ التسامح والمحبة والمودة، وجسده في العديد من المواقف مع أعدائه في ثورة كربلاء، مشيرين إلى أنه وعلى رغم اتخاذ أعدائه السلاح في مواجهته، إلا أنه كان يواجههم بالكلمة، وبالنصيحة.

وقالوا إن مبدأ التسامح مبدأ إنساني ينبغي الأخذ به في التعاملات اليومية، وأخذ العبرة من طريقة تعامل الإمام الحسين مع أعدائه، وكيفية صفحه عنهم، وتقديم الماء لهم في وقت كانوا عطاشى متعبين.

وشددوا في حديثهم إلى «الوسط» على ضرورة اتباع نهج التسامح في التعامل مع مختلف أصناف البشر، وبغض النظر عن انتمائهم وتوجهاتهم، إذ إن الكثير من القصص في المجتمع تحتاج إلى معالجة، وخصوصاً فيما يتعلق بالخصومة بين الآباء والأبناء.

العالي: الحسين أراد ترسيخ مبدأ التسامح في ثورته

وقال الشيخ محمود العالي إن التسامح كمبدأ إنساني، هو أمر ضروري، «ولا يمكن أن نتصور مجتمعاً متطوراً ومنظماً من دون أن يعتمد هذه الأساس في التعامل، فالتسامح مقوم أساسي لكل مجتمع إنساني ناهض».

وذكر أن «في نهضة الإمام الحسين، نجد الكثير من المفردات التي تدلل وتدعم هذا مبدأ التسامح، ومنها تلك التي تدلل على منتهى التسامح، وتأكيده للأمة الإسلامية أن يعيشوا هذا المبدأ، عندما تسامح الإمام الحسين مع من حاصروه، وهو جيش الحر بن يزيد الرياحي، وهو جاء لمحاصرة الإمام الحسين، وإجباره على الانصياع للحكم الأموي، كان الجيش في منتهى التعب والعطش، والحسين أمر بإروائهم».

وأضاف أن «التاريخ يذكر هذه القضية، وهي أن أحد الأفراد الذين منعوا الإمام الحسين من شرب الماء، كان الإمام قد سقاه الماء».

وأكد أن «التسامح هو الذي ينبغي أن تعيش عليه المجتمعات المتحضرة، فضلاً عن المجتمعات التي تريد تطبيق شرع السماء».

وأفاد العالي بأن «في كثير من المواقع كان الإمام الحسين يمنع قومه من البدء بالقتال، فمادام هناك مجال للكلمة، ومعرفة الرأي، فلا مجال في ثقافة الحسين بأن يستعمل سلاح الحرب والقتال، مادامت هناك فسحة لمعرفة الرأي ووجهات النظر، وفي هذه المواقف يتجلى منتهى تمسك الإمام الحسين بالتسامح».

وتابع أن «المفردة الثالثة التي تدلل على التسامح عند الإمام الحسين، هي المحاولات المتعددة التي تمثلت في خطبته، فمنذ أول لحظة من نزوله إلى كربلاء، كان يخطب في القوم ويحذر قومه، ويوضح لهم السبب الذي من أجله نزل إلى كربلاء، إذ كان يريد أن يوصل الكلمة وأن يصلح الأمر، ويسد الفتق الموجود، ويلم الشمل بين الأمة الإسلامية».

وأردف «من خلال المواقف المتعددة، نقرأ بوضوح أن الإمام الحسين كان يريد ترسيخ مبدأ التسامح، وأنه المبدأ الأول في التعاطي مع جميع القضايا، مهما كان خطرها وحجمها. والحوار يمثل حالة تسامح مع الأطراف المختلفة، فالحسين كان يريد أن يرسخ هذا المبدأ في مقابل مبدأ التدمير والعنف».

ورأى العالي أن ما نشهده من حالة عدم التسامح في المجتمعات في الوقت الحاضر، هو «إفرازات تحكيم مبدأ العنف والتطرف، على مبدأ التسامح والمحبة».

وبيّن «إننا نعاني من مجموعة أزمات، واحدة منها عدم فهم الآخر، والتشويه على الآخر، من خلال الإعلام المضاد، ما يدعو الآخرين إلى عدم فهم ما نريد; ولذلك نحتاج إلى أن نبين أفكارنا ورؤانا وما نريده بالطرق الصحيحة، والسليمة التي تعتمد على مبدأ التسامح، ومبدأ الأخوة الإنسانية والإسلامية».

الدرازي: الحسين اعتمد مبدأ التسامح في كل مراحل حياته

إلى ذلك، قال الرادود الحسيني جعفر الدرازي إن الإمام الحسين اعتمد مبدأ التسامح في جميع مراحل حياته، وقبل ثورة عاشوراء، مشيراً إلى أن من أشهر الحوادث التي تدلل على ذلك، «حادثة الحر بن يزيد الرياحي، عندما جاء مع جيشه لمقاتلة الإمام الحسين، وقطع الطريق عليه. فعندما وصل الحر إلى الحسين كان هو وجيشه في تعب وعطش شديدين، فما كان من الإمام الحسين إلا أن أمر بإعطائهم الماء، ورشف خيولهم، وهذه حادثة تعطى معنى التسامح الذي كان لدى الحسين».

وأضاف الدرازي «كان الإمام الحسين اليد التي تمتد إلى العطف، واليد الحانية على الجميع، وعلى رغم مواجهته بالسلاح، إلا أنه كان يواجههم بالعطف والحنان».

وذكر أن «الإمام الحسين لم يخرج إلا لطلب الإصلاح، ولم يخرج إلا حاملاً مبدأ التسامح، فهو القائل: (إني لم أخر أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي...)».

وبسؤاله عن كيفية توظيف مبدأ التسامح في وقتنا الحاضر، رأى الدرازي أن «الوضع في البلد لا يسمح لكل الأطراف بالتأجيج، فالمطلوب هو التسامح، والابتعاد عن المشاحنات المذهبية، التي تؤدي إلى العنف والدمار. التسامح هو دور المؤمنين والمثقفين في المجتمع، والمشاحنات لا تؤدي إلا إلى الدمار، والهلاك العام».

وأكد أنه «لابد من التسامح والمودة، ودائماً يقال واجه عدوك بالكلمة الطيبة، ولا يمكننا أن نعيش إلا بالتسامح والعطف والمحبة بيننا. أنا وأخي نبني هذه الأمة، سواء أكان على مذهبي أو مذهب آخر، المهم أن يكون على ملتي».

وأضاف «لا ننكر وجود أخطاء من جميع الأطراف، ولكن في النهاية لابد من التسامح، والمحبة والمودة بين الجميع. نحتاج إلى تلطيف الجو، وخصوصاً في هذه الأوقات، وأن ندعو إلى عدم المواجهة، ونبذ العنف والتسامح، وأن يكون المنهج الذي نعمل به، ولغة التسامح هي ألطف شيء في الحياة، لازدهار الوطن والمواطن».

الشارقي: التسامح والنصح والموعظة أسس عمل بها الحسين

ولم يختلف رئيس مكتبة الشارقي للمعلومات الدينية الشيخ جعفر الشارقي عمّا قاله العالي والدرازي، مؤكداً أن «الإسلام هو دين التسامح وقبول الآخر، وقد تجلّى هذا الخلق العظيم في رسول الإسلام (ص) كما تجلّى في خلفائه الطاهرين (ع) بأنصع صوره، وفي مختلف مجالات الحياة ومواقفها الصعبة. كما أن الله عزّ وجل يقول في كتابه المجيد (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم)».

وقال: «إن الكفار والمشركين والمنافقين قد أذاقوا النبي (ص) والمؤمنين به ألوان الأذى والعذاب في مكة وخارجها، ولمّا فتح النبي (ص) مكة قال بعض قادة الفتح: (اليوم يوم الملحمة، اليوم تسبى الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً) لكن ما كان من رسول الله (ص) - وانطلاقاً من مبدأ التسامح - إلا أنه عفا عن الجميع، وأطلق كلمته المشهورة: أذهبوا فأنتم الطلقاء».

وأوضح الشارقي أن «التسامح نراه جلياً في خلق الحسين (ع)، وحتى قبل كربلاء، وتعامله مع أعدائه وقاتليه، فضلاً عن محبيه وناصريه».

واستشهد الشيخ الشارقي «وفي موقفه مع الحر بن يزيد الرياحي حين مسيره إذ اعترض للحسين وآله (ع) وأصحابه في الطريق وجعجع بهم إلى كربلاء، فعلى رغم أنه جيش لعدوه يزيد بن معاوية، وقد جاء لحربه وقتله إلا أنه قال لأصحابه: اسقوا القوم الماء ورشفوا خيلهم ترشيفاً. فسقاهم ثم تناقشا معاً في شأن بيعة يزيد ومقصد الحسين (ع) حتى انتهى الأمر إلى قصد طريق وسط».

وأفاد «وفي كربلاء نرى التسامح جلياً مع من قتلوا أولاده وأهل بيته وأصحابه، إذ كان أكثر الناس ألماً على أعدائه لأنهم سيدخلون النار بسبب قتلهم له».

وأضاف «كان الإمام الحسين كلما أرسل أحداً من أهل بيته أو أصحابه إلى جيش الأعداء، كان يوصيه بالقوم خيراً بأن ينصحهم وينبههم إلى طريق الخير والصلاح، الذي ابتعدوا عنه بالقول اللين المتسامح. وهذه وصيته لكل من يقتدي به ويحبه من الناس إلى يوم القيامة».

وقال الشارقي: «إن مما روي من خطبه (ع) قال: يا أيّها الناس نافسِوا في المكارم، وسارِعوا في المغانِم، ولا تحتسِبوا بمعروف لم تُعجّلوا، واكسبوا الحمدَ بالنُجح، ولا تكتسِبوا بالمطلِ ذَمّاً، فمهما يكنْ لأحد عند أحد صنيعةٌ له رأى أنّه لا يقومُ بشكرِها، فالله له بمكافأته فإنّه أجْزَلُ عطاءً وأعظمُ أجراً. واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم فتُحوّر نقما».

الحلواجي: يجب توظيف

مبدأ التسامح في حياتنا

إلى ذلك، أكد الرادود الحسيني أبا ذر الحلواجي أن الإمام الحسين حمل مبدأ التسامح طيلة أيام حياته، وحتى آخر يوم، وقبل أن يقتل، كان داعياً لمبدأ التسامح والمحبة.

وذكر أن «من أبرز ما يجسد التسامح لدى الإمام الحسين أنه سقى أعداءه الماء، وهو يعلم أنهم جاءوا ليقتلوه، بل إنه سقى خيولهم الماء، ولو كانت شخصية غير الإمام الحسين، لما فعلت ما فعل مع أعدائه، ولا قارعتهم وجعلتهم يموتون عطاشى».

ورأى أن «من الضروري توظيف مبدأ التسامح والمحبة والمودة مع الناس وفي حياتنا، ومع من يخطأون في حقنا. وحتى مع أسرنا وأهلنا».

وتساءل: «إذا كان الإمام الحسين (ع) يغفر لعدوه، فكيف لا يغفر الأب لابنه مثلاً، وفي المجتمع توجد قصص كثيرة، ينبغي أن نوظف هذا المبدأ، ونجعله هو الأساس في التعامل».

وأضاف «في المجتمع لدينا قصص أن أباً اختلف مع ابنه، ومضت أعوام وهو لا يتحدث معه، وقصص أن إخواناً اختلفوا على إرث أبيهم، وغيرها من القصص التي ابتعدت عن مبدأ التسامح التي أسس له الإمام الحسين، وجسده في حياته وثورته».

العدد 3724 - الجمعة 16 نوفمبر 2012م الموافق 02 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً