اشعر بالحرج كثيرا عندما اقرأ البيانات الخاصة بعدد العرب والمسلمين في أوروبا وأميركا مقارنة بنفوذهم الضئيل. وبالمقابل أقرأ البيانات الأخرى التي تتحدث عن النفوذ الواسع لمجموعات أخرى، فأزداد ضيقا.
في الولايات المتحدة، تلك القوة العظمى الوحيدة في عالمنا اليوم، يهيمن اللوبي اليهودي على كل ما يخص القضايا اليهودية، إلى درجة التي أصبح هناك نهج أيديولوجي صارم تلتزم الإدارة الأميركية تجاه كل ما يخص اليهود.
هذا على الرغم من أن الأميركيين يكرهون الايديولوجيا والالتزامات الصارمة الناتجة عن التفكير الايديولوجي الشامل. فبإمكان أي شخص أن ينتقد من يشاء وما يشاء إذا كان في الولايات المتحدة، ما عدا أمرين: الأول أن لا يسيء الشخص لرمز الولايات المتحدة الأهم المتمثل في العلم الأميركي، والثاني أن لا ينتقذ إسرائيل أو اليهود. ما دام الشخص لا يحاول التعرض لأي من هذين الأمرين في خطاباته فإن باستطاعته أن يعبر عن رأيه. أما أولئك الذين تحدوا هذا الأمر – حتى ولو كانوا أعضاء من الكونجرس فإنهم لم يوقفوا في حياتهم السياسية. فـ "إسرائيل" والقضايا اليهودية لا يمكن التطرق إليها إلا من من باب المدح والثناء والتأييد والمساندة واستذكار ما حصل في الهولوكوست وأيام الحرب العالمية الثانية. هناك التباس أيضا بالنسبة لمسألة تعدد الولاءات. فهناك من يطرح انك لا تستطيع أن تندمج في مجتمع ما إلا إذا كانت ولاءاتك واضحة المعالم. ولكننا نرى أن هذا الأمر لا ينطبق على كثير من المجموعات الأخرى. ولو أخذنا اليهود مرة ثانية (على أن نستشهد بأمثال أخرى لاحقا) لرأينا أن كثيرا من اليهود يفتخرون بانتمائهم للحركة الصهيونية العالمية. فالحركة الصهيونية ليست دعاية فارغة ولو كنت أود أن ابتعد عن استخدام هذا المصطلح خوفا من الانزلاق إلى نهج الدعائي الذي طبلت له إذاعاتنا دون ان توضح ماذا كانت تقصد.
الحركة الصهيونية ستحتفل بمرور 100 عام على تأسيسها في آب (أغسطس) القادم. وهناك عدد كبير من المنظمات الكبرى التي حصلت على اعتراف من الأمم المتحدة ودخلت ضمن المجلس الاقتصادي الاجتماعي (قسم المنظمات غير الحكومة) وهي تحمل اسم الصهيونية. وكانت أميركا قد استخدمت كامل نفوذها لإزالة وجهة النظر الرسمية التي كانت تتبناها الأمم المتحدة تجاه الصهيونية والتي كانت تقول أن الصهيونية حركة عنصرية. وأي عضو في الحركة الصهيونية يؤمن بأن الوطن اليهودي هو الأساس وهو الهدف. وعندما اجتمع قادة الحركة قبل مائة عام في سويسرا (مدينة باسل) كانت شعاراتهم ومصطلحاتهم تتحدث عن وطن أعلى من جميع الأوطان التي جاء منها اليهود وكانوا ينهون اجتماعاتهم بعبارة "لقاؤنا القادم سيكون في القدس"، وهكذا كان لقاؤهم في القدس بعد العام 1948. أن أحدا لا يتطرق أو يتهم الأعضاء المنظمين للحركة الصهيونية بأن ولاءهم مزدوج ولا نسمح أن الولايات المتحدة أو دولة أوروبية اعتقلت أو طردت أو طاردت هذه المجموعات لانها تعمل لصالح دولة أجنبية.
أيضا ترى في الولايات المتحدة مجموعات قوية أخرى. فمثلا الأرمن الأميركيون يستطيعون استصدار بيان بصورة سنوية لإدانة تركيا الحليفة الإستراتيجية لاميركا. والأرمن يتهمون تركيا بارتكاب المذابح ضدهم في الزمن الماضي بينما تنكر تركيا ذلك ولكن لم تستطع لحد الآن وقف الانتقادات الصادرة من مراكز النفوذ السياسي في أميركا وغير اميركا.
لو سألنا أنفسنا كم عدد أعضاء البرلمان العرب أو المسلمين في أميركا وأوروبا؟ وكم عدد أعضاء المجالس المحلية (التي يسهل دخولها) ممن ينتمون لجاليات إسلامية؟ الجواب ليس مشجعا.
هناك الجالية العربية الكبيرة في بريطانيا ولكن ليس لها أي عضو في مجلس محلي ناهيك عن البرلمان. لقد فرحت، كما فرح غيري، عندما تم انتخاب أول عضو برلماني من الجالية الباكستانية المسلمة في بريطانيا. ولكن سرعان ما تبددت آمالي وسرعان ما شعرت بالخيبة وأنا استمع للأخبار في شهر أيار (مايو) الماضي وذلك بعد الانتخابات مباشرة وهي تتحدث عن قيام أخينا المسلم برشوة أحد الأشخاص أثناء الانتخابات. وبالرغم من نكران النائب المسلم ذلك، إلا أن لجنة حزب العمال التي حققت في الأمر قالت أنها لم تكن سعيدة ببعض التصرفات، أنا لا أوفق من يقول أن هناك من المنظمات المعادية للعرب والمسلمين التي تمنعنا من الدخول في عالم السياسية وتعبر على تواجدنا على الهامش السياسي. أن المؤسف حقا ان أعضاء البرلمان (البريطانيين مثلا) الذين يعتبرون مناصرين لقضايانا هم عادة من أولئك الذين يبحثون عن المصالح وأن كثيرا منهم متورط في استلام "هدايا" من حكامنا وان هؤلاء يناصرون قضايانا هم عادة من أولئك الذين يبحثون عن المصالح وأن كثيرا منهم متورط في استلام "هدايا" من حكامنا وأن هؤلاء يناصرون قضايانا ولكن على طريقة حكامنا في الشرق الأوسط. ولذلك تكون النتيجة صفرا، بل تنعكس علينا عندما تفضح الصحافة الرشاوي والعمولات والهدايا التي استلموها. لقد كانت مؤتمراتنا الفكرية في السبعينات وطلع الثمانينات تركز على تربية الشباب لكي يعودوا لبلادهم ويقوموا بدورهم. وكنا في الثمانينات واستمرينا في التسعينات نتحدث عن قضايا بلداننا بلغة تمنعنا من الاستفادة من حقنا المشروع في البلاد التي استقر فيها مئات آلاف بل الملايين من جاليتنا العربية والإسلامية.
لقد ركزنا على الهوامش في أنشطتنا ولم تعد لدينا حتى تلك المؤتمرات الفكرية الهامة كما لم تعد لدينا صورة واضحة عن كيفية خدمة قضايانا من خلال الخطب التي نخطبها على الهامش السياسي. هل آن الأوان لاقتفاء أثر غيرنا؟
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ