العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

رولز رويس المانية!

عندما أعلنت الشركة الألمانية المصنعة للسيارات "بي. أم. دبليو" (BMW) أنها نجحت في شراء مصنع سيارات الرولز رويس الانجليزية بقيمة 340 مليون جنيه استرليني بتاريخ 30 آذار (مارس)، فإنها توجت بذلك سيطرتها على أهم وآخر صناعات السيارات البريطانية.

فالشركة الألمانية كانت قد اشترت قبل أربع سنوات مصنع سيارات الروفر "Rover" البريطانية وأسدلت الستار على الهوية البريطانية في صناعة أي سيارة. فجميع السيارات المصنعة في بريطانيا تملكها شركات اما أميركية، أو ألمانية أو يابانية أو كورية.

وبلا شك فإن انتهاء العهد البريطاني في امتلاك أي ماركة للسيارات يؤثر على نفسية الكثير من البريطانيين الذين يشعرون بأن بريطانيا التي كانت عظمى في الماضي بفضل ثورتها الصناعية أصبحت الآن لا تتصدر العالم الصناعي في تمويل وتصدير التكنولوجيا الصناعة.

والمسيرة بهذا الاتجاه بدأت عندما وصلت مارغريت ثاتشر لرئاسة الوزراء في العام 1979 وأعلنت أن "الدولة" عاجزة عن امتلاك الاقتصاد وخلق الثروة. فالدولة التي تملك وسائل الإنتاج تخنق إمكانيات النمو لعدم وجود محفزات السوق والربح والخسارة مما يكلف الدول المالكة الكثير من الميزانية للمحافظة على الصناعات التي لا تربح خوفا من العواقب السياسية والاجتماعية التي تنتج فيما لو سرحت الحكومة آلاف العمال وأغلقت المصانع. وبرنامج الخصخصة يعني فيما يعني أن الحكومة لا تتدخل في حركة السوق والبورصة إلا من أجل حفظ بعض التوازنات، كمنع الاحتكار أو ضمان توفر الخدمات مقابل السعر المدفوع من خلال المراقبة وليس من خلال الإدارة الفعلية المباشرة. ولهذا فإن العام فإن العام 1983 شهد ولأول مرة تصنيع مستورد أكثر من التصنيع المصدر من بريطانيا.

بريطانيا التي آمنت بحرية السوق لا يمكنها ان تتدخل لمنع شركة بريطانية "خاصة" من بيع مصنعها أو احد منتجاتها إلى شركة أجنبية تمتلك رأس المال المطلوب. وإذا كانت الشركات البريطانية لا تستطيع جنى الربح المطلوب من صناعاتها فما عليها إلا أن تبيعها وتستفيد من تلك الأموال لتسيير عمليات تجارية أخرى. هذه هي الفكرة الأساس من اقتصاد السوق والخصخصة وعدم تدخل الدول في صنع الثروة. وهذه الثروة لم تعد "وطنية" بالمعنى القديم، وإنما هي "ثروات عالمية" تنتقل بصورة متحررة من مكان إلى مكان حتى تحصل على الربح الأفضل والبقاء الأطول. بريطانيا، بتقويم منظري العولمة، تستفيد أكثر من هذا النهج مما لو حاولت أن تفرض هيمنة "الدولة القومية" والايديولوجية على الحركة الاقتصادية.

صحيح أن بريطانيا لا تتصدر العالم اليوم في الصناعات ما عدا صناعات الصيدلية وبعض أجهزة الطيارات وسيارات السباق الرياضي وبعض الصناعات العسكرية، إلا إنها أيضا في وضع أفضل من ناحية النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة الذي كان سيضمحل فيما لو استمرت بريطانيا في تشغيل المصانع القديمة (صناعات البواخر)، مناجم الفحم... الخ، والمصانع التي لم تكن تربح مثل مصاهر الحديد وغيرها.

الدولة "القومية" تأسست على مفاهيم السيادة المطلقة للحكومة الوطنية على أراضيها وتوسعت وتضخمت حتى وصلت إلى أقصى درجاتها. وبدأت تثقل كاهل مواطنيها.

ولهذا فإن مشاريع الخصخصة وتحرير السوق من القيود الحكومية وتحرير حركة المال العالمي وعولمة الاقتصادي أصبحت هي المخرج من أزمة "الدولة القومية".

غير أن مفاهيم وتطبيقات العولمة ليست حرة كما يدعي مفكروها. فالولايات المتحدة، مثلا، ترمي بمفاهيم العولمة والتحرير الاقتصادي في القمامة إذا كانت هناك مشاريع اقتصادية بحاجة لرأس المال العالمي وكانت هذه المشاريع في دولة معينة لا تحبها الولايات المتحدة. فأميركا، قائدة التحرر الاقتصادي، فرضت قيودا "غير اقتصادية" على أي شركة تحاول تطوير مشاريع الطاقة في دولة مثل إيران.

وأميركا هي ذاتها، ومن أجل تحرير سياسة الاقتصاد الحر تتنازل أمام الصين، ثم تصعد، ثم تتنازل لكي لا تخسر الشركات الأميركية.

الضوابط الايديولوجية والقيود القومية (مصالح أميركا الحيوية وغيرها) تستعمل بصورة انتقائية كما تستعمل ورقة حقوق الإنسان. وهذا مما يضر بالمفهوم الذي قد يحتوي على الكثير من جوانب الإيجاب.

وإذا أردنا أن ننظر إلى جانب آخر، فإن مشاريع تحرير السوق لا تنفع إذا كان هناك فساد إداري. فكثير من أصحاب القرار السياسي في بلداننا العربية والإسلامية هم المستفيدون من خصخصة المشاريع ومن تحرير المنافسة الاقتصادية. فأحد الوزراء يرأس بحكم وظيفته شركة حكومية. بينما أيضا الوكيل التجار لشركة عالمية تحاول منافسة تلك الشركة في بعض العمليات التجارية.

إذا ربحت الشركة العالمية أو الحكومية فإن المستفيد والمتضرر الأول هو المسئول الرسمي. وهذه المشكلة تظهر للعيان عندما تزداد الأزمة وتتكشف الأوراق كما حصل مؤخرا في اندونيسيا.

إذا مشكلتنا مع العولمة تختلف عن مشكلة البريطانيين الذين يشعرون بفقدان الأسماء ذات الهيبة مثل الرولز رويس بينما يستفيدون من النتائج العلمية.

مشكلتنا هي الانتقائية من دول قومية عالمية من جانب، ومن جانب آخر فإنها مشكلة الفساد السياسي الذي يصب الربح في جيوب الرسميين الذين لا يخسرون ابداً، إلا عندما يثور الشعب أو يحدث انقلاب!

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً