سئل حكيم عما هو الفرق بين العاقل والأحمق، فقال: ان العاقل ينظر دائماً إلى مد بصره والأحمق ينظر إلى ما بين قدميه. وقال آخر ان الفرق بينهما أن الأول يفعل في الحال ما سيفعله الثاني في النهاية.
الأزمات ومقياس التصرف فيها هو الوقت الذي يمكننا فيه أن نصف الفرد منا بأنه عاقل أو أحمق، لذا فان علماء النفس والاجتماع والإدارة سارعوا كما يسارع العلماء المختصون في التصدي للأمراض المميتة باكتشاف علاج يمنعنا من الحمق يعرف بإدارة الأزمات.
عرفت الأزمة بأنها حدث مفاجئ نتيجة لتراكم مجموعة من التأثيرات تشكل تهديداً لاستمرارية المنظومة بالشكل السابق. الأزمة ظاهرة طبيعية في سير الشعوب، وهي بداية تحول لمرحلة مقبلة مغايرة لما سبقها.
والأزمة لها سمات خاصة، أولها عنصر المفاجأة والمباغتة، والتشابك في الأمور وتعاقدها، فقدان السيطرة على الأمور، كما تتميز بضغط الوقت وما يرافقها من الشعور بالضبابية والاضطراب. وللأسف الشديد ليس في ثقافة حكوماتنا العربية إدراك بأن الأزمة ربما تكون نقطة تحول لما هو إيجابي، ونهاية طبيعية لما تحاول الهروب منه من قضايا معلقة مصيرية مهمة، لذا فإن ردة فعلها تجاه الكثير من أزماتنا هو إنكارها وإظهار صلابة في التعتيم عليها ورفض الاعتراف بوجودها أصلا، ومحاولة إخمادها بالعنف والقوة، وتفريغها عن طريق إيجاد مسارات بديلة لتتحول الأزمة إلى اتجاهات أخرى لتشتيت جهدها وضياع بوصلتها.
ان الإدارة الجيدة للأزمة هي كيفية التغلب عليها بالمنهجية العلمية والإدارية المختلفة، والتي من صلبها التشاركية في اتخاذ القرار بين أطراف الأزمة، وتجنب سلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها، وتحريكها نحو الانتهاء من إفرازاتها دون اللجوء إلى تأجيل حلها باتخاذ سبل ملتوية، أو محاولة إخمادها بالمال السياسي أو العقاب الجماعي المفرط.
إن شعوب الربيع العربي لم تكن تحدث أزمة سياسية في بلدانها إلا لأنها تعاني من أزمةٍ طويلةٍ تراكمت عبر سنين من القهر والكتمان، فثارت لتحقيق العدالة الاجتماعية، إذ لا يمكن أن يستقيم عيشٌ للإنسانية دون حريّة وكرامة.
شعوب الربيع العربي خرجت إلى الميادين لأنها تبحث عن وضع جديد، تريد فيه ما يحييها ويعيد إليها الشعور بالأمان لها ولأجيالها القادمة، وتقطع صلتها بالماضي لأنه نال منها ما نال. والشعوب التي ثارت على أزمة قيدها وخوفها قبل أن تخرج إلى الشارع وتملأ الساحات والميادين، كانت تريد تحقيق ما يشبه ثورتها، جديد بمعطياته، لذا فالأزمة باقية ما لم يعترف الآخر بأن التغيير والتحوّل الحقيقي هو المعول لإنهاء هذه الأزمة، لأنها أزمة تحوّل وليست أزمة جبرية عابرة.
إنها أزمةٌ تحمل منعطفاً تاريخياً مهماً، لذا فان اللجوء لمعالجتها بالتجاهل أو استخدام القوة المفرطة لإنهائها، يعطيها طاقةً لاستفحالها واشتعالها إلى نار حارقة.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 3721 - الثلثاء 13 نوفمبر 2012م الموافق 28 ذي الحجة 1433هـ