العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

علينا أن نحطم الأصنام الجديدة في بلداننا

ابتسم بعد أن قدم وجبة الأكل قائلاً: "تمتع بوجبة بنغالية شهية". كان هذا الشاب البنغلادشي في منتصف العشرينات، غير انه أيضا تحدث ولديه الكثير لقوله ولذلك فان الحديث معه سرعان ما دخل في تفاصيل حياته. فهو شاب مولود في بريطانيا ثم رحل مع أبويه إلى بنغلادش وأنهى البكالوريوس في اللغة الانجليزية في دكا ثم عاد إلى بريطانيا ليعمل في أحدى المطاعم التي تقدم الوجبات البنغالية.

ولكن لماذا تعود إلى لندن لتعمل في مطعم؟ ويجيبك بان الخيارات ليست سهلة. فلو بقى في بنغلادش سوف يقضي عمره أما في ترديد الشعارات السياسة تأييدا لهذا الطرف ومعارضة لذلك ( (كونه ناشطا طلابيا) أو البحث عن عمل في ظروف اقتصادية صعبة، "ولهذا أردت العودة لان لدي جنسيتان، واحدة بنغالية وأخرى بريطانيا". أو ليس هناك تناقض فيما تقوم به؟... (لا لا يوجد تناقض. أن لي حقوق كاملة في بريطانيا والجالية النبغلادشية في شرق لندن حولت المنطقة التي تعيش فيه إلى أجواء بنغلادش ويوجد لدى الجالية ممثلون في المجلس المحلي وحتى اسم المنطقة ثم تغييره إلى "بنجلو تاون"، يعني مدينة بنغلادش". وبذلك فان الجالية البنغالية حصلت على ما حصل عليه الصينيون في وسط لندن الذين تمكنوا أيضا من الحصول على موافقة رسمية لتغيير اسم المنطقة التي يعيشون فيها إلى "جاينا تاون" أي مدينة الصين.

أتطرق لهذا الموضوع من أجل مقارنة الحقوق التي يحصل عليها الوافدون إلى بلدان مصل بريطانيا مع ما يحصل عليها الوافدون في دولنا العربية والإسلامية، وتتشابه المعاملة في مختلف الدول الإسلامية الغنية والفقيرة.

الوافد يبقى أجنبيا دون حقوق معترف بها، ويندرج هذا المر على عائلته وأبنائه الذين يولودن في تلك البلاد التي هاجر اليها. فقد يكبر الأبناء الأبناء وليس لديهم جواز سفر ولا توجد أسماؤهم في السجلات الرسمية، بل أن بعض دول الخليج (مثل الكويت والبحرين) تطلق على بعض هؤلاء تسمية "البدون" أي بدون أي هوية وأي جواز وأي جنسية. و"البدون" (مع الاعتذار) ليسوا هم الفئة الوحيدة التي تعاني من الحرمات من جميع الحقوق، ففي مختلف البلدان العربية والإسلامية لا يوجد حل انساني وواقعي لمثل هذه القضايا. ويعيش الكثير من الناس الحسرة وهم يشاهدون كيف يتم التمييز ضدهم في كل شيء، لا لشيء إلا لانهم لا يحملون "جواز سفر" أو "جنسية" من تلك البلدان، هذه الأشياء التي أصبحت رمزا كرموز الأصنام التي كانت تعبد في الكعبة قبل أن يهدي الله البشر بالرسول محمد (ص).

أصبح هذا "المعبود السيء" يستخدم كما كانت قريش تستخدم الأصنام في مكة فقد وصل الأمر بإحدى الدول سحب جنسيات أبناء البلد "الأصليين" ومنحها إلى آخرين ثم طردهم من البلاد خدمة لأهداف سياسية غير مقدسة. هذا الوقت الذي يشقى فيه مل من عاش وخدم تلك البلاد للحصول على تجديد لجواز سفر يعيش كما يعيش ابناء البشر.

لقد زرت مرة القنصلية الفرنسية في لندن لأداء أحدى المهمات ورأيت طابورا من الفرنسيين وقفوا أمام شباك، وخلف ذلك الشباك يمكنك رؤية مجموعة منهم من فقد جوازه ومنهم من انتهت صلاحية جوازه، وجميعهم وقفوا لفترة تقل عن الساعة في قنصلية بلدهم للحصول على جواز جديد دون اي أذى نفسي ودون هم ودون حوف. أما في بريطانيا فان إصدار الجواز لا يحتاج من الفرج الذهاب إلى دائرة رسمية. أما على المواطن البريطاني (حتى ولو كان مواطنا بنغاليا أيضا) إلا أن يملأ استمارة متوفرة في أي دائرة بريد ثم يطلب من أحد الأشخاص (أي شخص يعرفه) لكي يوقع صورته ليشهد بان هذه الصورة مماثلة لصاحب الطلب، وكان الله غفورا رحيما، ولا يمضي أسبوعان الا والمواطن البريطاني لديه جواز صالح للسفر إلى أي بقعة من بقاع العالم.

المواطن "الأوروبي" الذي ينتمي لأي من الخميس عشرة دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (ويبلغ عدد السكان أقل من 400 مليون بقليل)، يستطيع ان يسافر عبر القارة الأوروبية وان يخترق حدود خمس عشرة دولة دون تن يتوقفه أحد ضباط الجمارك لأهانته كما يحصل في بلداننا الإسلامية والعربية. والبنغلادشي والباكستاني وغيرهما يشعرون بعزتهم وكرامتهم وهو يعلمون أن حقوقهم مضمونة في بلدهم وفي بلد الذي ستوطنوه أيضا. أما البنغالي والباكستاني المتواجد في دول إسلامية وعربية فانه يعامل كما يعامل الرقيق. وفي الوقت الذي اقبل بالقول بان الأوضاع تختلف إلا أنني لست مقتنعا بان الأسس صحيحة، فالدول التي يزيد الوافدون فيها على عدد المواطنين لديها مشكلة معقدة وليست قابلة للتبسيط، كما أن حكومات الدول التي ينتمي إليها أولئك الوافدون لن يقبلوا بأي حل.

وبدأت مؤخرا أنشطة داخل أورقة المم المتحدة تدعوا لمعاقبة الدول التي لا تحسن معاملة الوافدين ومتوقع أن تصدر بروتوكولات دولية في المستقبل تدعوا لضمان حقوق العمال المهاجرين وحمايتهم دوليا. الجوازات والجنسيات والهويات "أصنام" جديدة استبدلت الأصنام الجاهلية التي حطمها محمد (ص)، هذه الأصنام "الجديدة" تحطمت في البلدان غير الإسلامية، وآن الأوان أن يتم تحطيمها في البلاد التي انعم الله عليها بدين محمد (ص).

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً