تعودنا أن نلوم الآخرين على الطريقة التي ينظرون بها الينا وعلى طريقة تعاملهم معنا. كما وتعودنا أن نستذكر تراثنا وكيف كنا سادة وقادة وكيف اخترعنا وإلى ماذا وصلنا، عسى ولعل نتمكن من إسعاف أنفسنا من الانهزام المعنوي والمادي المسيطر علينا في زننا المعاصر. والسؤال الذي يمكن طرحه لفهم جزء من الصورة الأخرى هو كيف ينظر إلينا الساسة التقليديون في الغرب.
الشرق الأوسط يحتوي على قرابة 70 في المئة من احتياطي النفط و30 في المئة من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم. ولحد الآن لا يوجد بديل حقيقي للنفط والعالم سيستمر في الاعتماد على النفط للعقود القادمة، ربما حتى منتصف القرن القادم، قبل أن يخرج بديل حقيقي وعملي للنفط. والطاقة الشمسية لا يتوقع لها أن تكون المصدر الرئيسي للطاقة في القرن القادم، رغم استمرار البحوث والدراسات. ويحتمل أن تكون الشمس المصدر الرئيسي بعد العام 2100. وأكبر تفاؤل للطاقة الشمسية يقول انه مع العام 2025 فإن الطاقة الشمسية ستوفر 25 في المئة من الاستخدامات التي يسيطر عليها النفط حاليا و 60 في المئة من الطاقة الكهربائية.
إذا، العالم يعتمد على منطقة الشرق الأوسط للحصول على الطاقة، المحرك الاستراتيجي للمدينة المعاصرة. ولم نقل شيئا جديدا لحد الآن لا يعرفه أحد. ولكن المحاولة هي لفهم كيف ينظر الاستراتيجي الغربي لمنطقتنا. أن منطلق تلك النظرة، في زماننا الحاضر، هو وجود قرابة 70 في المئة من مصدر الطاقة الاحتياطي في العالم. وعدد سكان العالم كان 5.3 بليون إنسان في العالم 1990، وسيزداد إلى 8.1 بليون في العالم 2020. والشرق الأوسط لا يحتوي على سوى خمسة في المئة من عدد سكان العالم. واقتصاده متخلف لا يتعدى سوى الأربعة في المئة من حجم الاقتصاد العالمي. والبترول يتواجد في البلدان الأقل سكانا في الشرق الأوسط والتي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من مجموع سكان الشرق الوسط. والبلدان الأخرى غير النفطية ليس لديها ثروات طبيعية كبيرة توازي حجمها. بل أن أكثر من ثلث سكان الشرق الأوسط ليس لديهم طاقة كهربائية ولا يستخدمون بترولا الا بصورة طفيفة. الشبكات الكهربائية عبر البلدان ليست متصلة ببعضها الآخر، كما هو الحال بين الدول الأوروبية مثلا، ولا يوجد هناك ترابط وتعاون بين هذه الدول، بل على العكس، فإن كل دولة لها ألف مشكلة ومستعدة للدخول في ألف حرب مع جارتها لأتفه الأسباب.
الماء، أحد أهم مصادر الحياة، في خطر، وشعوب المنطقة قد تفقد أهم مصادر حياتها. والبلدان الشرق أوسطية بحاجة لمزيد من مصادر المياه ومصانع تحلية مياه البحر لكي تعيش في المستقبل.
العدد الأكبر من دول الشرق الأوسط تتحدث لغة مشتركة، وجميعهم تقريبا يشتركون في دين واحد وتراث واحد، ولديهم عشرات الأصوات في الأمم المتحدة، ولكنهم جميعا عاجزون من إيصال صوتهم للعالم. كثير من هذه الدول لا تعرف سوى استهلاك الخزانة العامة في شراء المعدات العسكرية لتخزينها، وربما استخدامها ضد دولة مجاورة.
الدول النفطية هي أقل الأطراف معرفة بالنفط ومشتقاته واستخداماته. النفط وتصديره إلى الأسواق العالمية لا تتحكم فيه الدول المصدرة بل أن الدول المستهلكة للطاقة هي التي تحدد الطرف الذي تشتري منه وهي التي تحدد سعر البرميل إلى المستوى المناسب لاقتصادياتها.
لو كنت استراتيجيا غربيا بعيدا عن الحسابات الإنسانية، فإنني لا أجد سببا مقنعا لاحترام سيادة هذه الأمة. سوف أكون منعطفا على قادة هذه الدول ما تميله علي حاجتي لاستمرار تدفق النفط بأقل التكاليف وبأكثر الأرباح.
ويتساءل المرء عن الأسباب وعن الوسائل للخروج بصورة أفضل مما نحن عليه. فلو ابتعدنا عن الانزعاج النفسي الذي تحدثه نظرات الآخرين لمنطقتنا، فإنه يمكننا البحث عن مخارج لامتنا.
أن امتلاك تراث غني وثقافة سامية، كثقافة الإسلام، يوفر لنا جانبا ايجابيا فيما لو نظرنا إلى المستقبل بصورة إيجابية. الفرص المتوفرة لنا كثيرة ولكن تلك الفرص لا تكفي إذا لم نكن نستشعر الحاجة الملحة لتحقيق النجاح.
النفط وغيره من الموارد الاقتصادية توفر بعض الإمكانات المطلوبة، وكذلك الموقع الجغرافي الذي يتوسط العالم. ولكن الهم من كل ذلك هو تحريك العامل الإنساني بالصورة. وتحريك العامل الإنساني بحاجة لوعي عام حول ضرورة تحقيق النجاح لمجموع الأمة. فلو راجع المرء مثلا مواد التدريس والقصص المطروحة في مدارس الدول المتقدمة وقارنها بالقصص المطروحة في مدارس الدول المتقدمة وقارنها بالقصص المطروحة في مدارسنا فإن بإمكانه التعرف على بعد النظر أو قصره, القصص التي يدرسها الأطفال هي السبل لقياس التطلع والتصور المطروح في ذلك المجتمع. فبعض الدراسات تشير إلى أن مستوى الطرح الذي يحث الأطفال للعمل الجاد وتحقيق أكبر قدر من النجاح في حياتهم، عادة يسبق الطفرات التنموية في ذلك المجتمع.
ماليزيا مثلا، طرحت مفاهيم العمل الجاد في أوساط المجتمع، ودرست أفراد المجتمع أن تحقيق مستوى معيشي متقدم بحلول عام 2020 يحتاج لجهود جميع المواطنين. الماليزي قد لا يحصر على الموال التي يحصل عليها بعض الناس في الدول النفطية، ولكنه بلا شك أكثر تأهيلا وأكثر استحقاقا للاحترام الدولي وأكثر إمكانية للصعود بمستوى بلاده إلى المستويات المتقدمة خلال الفترة الزمنية المطروحة أمام المجتمع.
دول أصغر من ماليزيا، مثل سنغافورة، حققت مستويات محترمة ولها مكانتها في العالم. بل أن معدل دخل الفرد فيها يعادل ثلاث مرات معدل الدخل في عدد من الدول النفطية الكبيرة. إلا أن التواجد الاجتماعي العام لكسب الاحترام وتحقيق النجاح يحتاج إلى وجود علاقات حسنة بين الفئة الحاكمة والمجتمع المحكوم. فإذا كان أفراد المجتمع ينظرون إلى من وصل إلى طليعة المجتمع بوسائل لا تمت بصلة للكفاءة والعمل الجاد، فإن المثال العملي ليس موجودا لدفع العمل الوطني بصورة صحيحة. والفئة المتصدرة للمجتمع تحتاج لثقة الجمهور بها لكي تتجه للتنمية بدلا من الاتجاه لتضييع موارد الدولة في شراء الأسلحة التدميرية وتطوير الأجهزة الأمنية لاعتقال ومطاردة أبناء الوطن. وهذا يعني ضرورة انتشار حكم القانون العادل القائم على إدارة المواطنين وإجماعهم المشترك من أجل أقامة سلم أهلي وأجواء ملائمة لتنمية الطاقات الخلاقة وتوجيهها لخدمة الأهداف الوطنية.
عندما تعزز حالتنا الداخلية يمننا أن نفخر بأمجادنا وتراثنا، ويمكننا أن نفخر بما نستطيع تحقيقه في حاضرنا، ويمكننا أن نفرض احترامنا على العالم ويمكننا أن ندعي بأننا أهل لإدارة شؤوننا بالتعاون والثقة دون الحاجة لغيرنا أن يدخل بيننا ليحل مشاكلنا.
ولكي تعزز أوضاعنا الداخلية فلا بد من ممارسة الحكم على أسس عادلة تضمن حق الإنسان في العيش الكريم وتضمن حقه في التعبير عن رأيه وتضمن له الأجواء لممارسة الإبداع والمشاركة في إدارة شئون بلاده وبذل جهده لإنجاح مسيرة التنمية. وحتى ذلك اليوم فلا ينبغي لنا أن نتأسف أو نحزن على الطريقة التي ينظر لنا بها الآخرون.
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ