العدد 3719 - الأحد 11 نوفمبر 2012م الموافق 26 ذي الحجة 1433هـ

بالإرادة فازوا على العنصرية والتمييز

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

لم يبدُ لي فيلم «المناظرون العظماء» أو «The Great Debaters» لمخرجه دينزل واشنطن، غريباً ليس لأنه من إنتاج العام 2007، بل لأن قصته تتواصل أحداثها وتتكرر كل يوم في بلد مختلف ومع مجموعة مختلفة من الفصائل والأعراق والمذاهب والديانات مع اختلاف تفاصيلها.

الفيلم يحكي قصةً واقعيةً وقعت أحداثها في ثلاثينيات القرن الماضي لفريق مناظرةٍ من جامعة ويللي، أي قبل اندلاع ثورة السود في العام 1955 عندما رفضت السيدة «روزا باركس» أن تترك مقعدها لرجل أبيض في الحافلة، فاعتقلتها السلطات الأمنية لينتج عن اعتقالها اضطرابات كثيرة يقودها الزنوج أدت إلى مقاطعة عامة لاستعمال الحافلات وكان زعماء الحركة آنذاك من رجال الدين وتزعمها القسيس مارتن لوثر كنج قبل أن يتم القبض عليه وعلى قادة الحراك ليمضي الشارع في ثورته التي حققت مكاسب كبرى.

يصور الفيلم جزءاً من الواقع الذي كان يعاني منه السود في ولاية تكساس حيث انعدام العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والحقوقية، في فترة كانت تُنْصَبُ فيها المشانق للسود من غير سندٍ قانونيٍّ أو أخلاقي، وتنقسم فيها المدارس إلى قسمين: الأول يحظى بالاهتمام والرعاية الرسمية وهو المخصص للبيض، بينما الثاني من الدرجة الثانية مخصصٌ للسود.

بطل الفيلم «دينزل واشنطن» كان يمثل شخصية «ميلفن تولسون» الواقعية التي استوحى منها الفيلم أحداثه، إذ كان أستاذاً جامعياً ومدرباً لفريق مناظرة جامعة ويللي، قُتِلَ والده ومُثِّلَ بجثته بسبب عرقه، وكان تولسون مثقفاً مكافحاً مدافعاً عن العدالة والمساواة يعمل في تنظيمٍ سياسيٍّ سريٍّ من أجل إنشاء نقابةٍ عماليةٍ تحقق العدالة للعمال، وعلى رغم قسوته الشديدة في تدرسيه، إلا أنه كان مؤمناً بمواهب طلابه وقدراتهم، حتى أوصلهم إيمانه بهم ومقدرتهم وإصرارهم إلى الفوز في مناظراتٍ في أكثر من ولايةٍ ، كانت آخرها تلك التي حقق فيها فريقه فوزاً على فريق جامعة هارفرد العريقة من البيض، بعد أن تركهم ليواجهوا التجربة من غير أن يكون معهم ومن غير مساعدته.

أبطال الفيلم كانوا مجموعة طلاب سود أجبروا العالم على الاستماع لهم من خلال المذياع في مناظرتهم مع طلبة جامعة هارفرد العريقة بعد مشوارٍ طويلٍ من النضال لكي يعترف بهم البيض باعتبارهم أصحاب مواهب، ولكي يعترفوا بحقهم في الحصول على التعليم الجامعي كأقرانهم من البيض بشتى الوسائل ولو تتطلب الأمر تنفيذ العصيان المدني.

أعضاء الفريق كانوا مثقفين ومتحمسين للدفاع عن حقوقهم كزنوج في التعليم والمساواة والعدالة، من ضمنهم شابة تدعى «سمانثا» تهرب من جامعتها التي عانت فيها من التفرقة العنصرية لتصل إلى جامعة ويللي وتلتحق بفريق المناظرة، أثبتت جدارتها على رغم سخرية الأستاذ عليها في بادئ الأمر، واستشهدت بمقولات غاندي وسيرته في المناظرة التي فاز بها فريقها ضد فريق هارفرد في مناظرة كانت بعنوان: «العصيان المدني سلاح أخلاقي في النضال من أجل العدالة»، قبل أن يختم زميلها «فارمر» المناظرة برواية موقف إعدام زنجي شاهدوه أمامهم ليؤكد على أحقيتهم في العصيان المدني الذي يعتبر الخيار الأمثل بدلاً من خيار العنف الذي كان البيض يميلون إليه!

في الفيلم كان الحماس والإيمان بالقدرات والرغبة في تحقيق العدالة هو البطل الأول، وهو الذي يقود إلى النجاح الذي حققه أعضاء الفريق ومدرسهم الذي شهد نجاحهم من غير أن يعلموا بوجوده، إذ دخل القاعة أثناء المناظرة وخرج بعد إعلان الفوز، لقد كان إيمان فريق المناظرة بأنفسهم هو الذي قادهم إلى النجاح وإيمانهم ببعضهم وعملهم بروح الفريق الواحد هو الذي جعل منهم أسطورة يحتذي بها السود في تاريخهم النضالي لتحقيق العدالة وهم الذين كرروا في أكثر من مرة مقولة سانت أوجستين: « قانون جائر... يعني عدم وجود قانون على الإطلاق».

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3719 - الأحد 11 نوفمبر 2012م الموافق 26 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 10:53 م

      شكرا أختي

      لماذا تقف حركة التاريخ ولماذا يعيد الزمن نفسه أو ربما لماذا يعيد أهل الزمان أنفسهم مرارا وتكرار

    • زائر 5 | 2:07 م

      افلام

      يعني احلام لن انتظر تطبيقها في الواقع

    • زائر 3 | 12:22 ص

      مجابهة الكراهية والعنصرية

      السود كانوا بسطاء قلوبهم طيبة شهدوا عصراً لم تعرف البشرية من قبل مثلاً له في عنصريته وأحقاده والكراهية بل كل صنوف الكراهية ضد الأنسان لأخيه الأنسان دون رادع إنساني أو ديني أو خلاقي.
      وقد تمكنوا من مجابهة الكراهية والعنصرية والقضاء عليها لكي تعيش الأمه حياة لا كراهية فيها ولا أحقاد ولا عبودية لأنهم كانوا واثقين من أنفسهم بإن الخير هو الذي ينتصر دائماً

    • زائر 2 | 11:43 م

      ابو عبداللة

      مقال كسابقة يحاكي العقول ... سلمت يمينك

    • زائر 1 | 10:13 م

      مقال يحاكي الواقع البحريني

      كنت انتظر لمعرفة موضوعك اليوم والان صرت ابحث عن الفيلم لمشاهدته.
      الا تعتقدين استاذة ان هذا المقال يحاكي واقعنا البحريني كثيرا جداً ؟
      مقال متميز بالفعل فالارادة لا تخفق حين يصر الشخص غلى الحصول على كل حقوقه
      شكراً لكم

اقرأ ايضاً