أشعر بالاشمئزاز عندما يطرح موضوع يتعلق بحقوق الإنسان. هذا الاشمئزاز نابع من طبيعة الطرح وليس من محتواه. الطرح الحالي لموضوع حقوق الإنسان يبدو وكأنه ملك لبعض الدول التي تستخدم راية حقوق الإنسان لأغراض سياسية في كثير من الأحيان، وبالتالي تعطي مبررات لمن يريد أن يقول بأن طرح هذا الموضوع يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية للبلد المستهدف. فعندما تطرح الولايات المتحدة موضوع حقوق الإنسان لدى دولة كبرى أخرى، الصين، فان الأخيرة ترد على أميركا بلغة الكبرياء المماثلة للغة الأميركية.
هذا هو أحد الأسباب الداعية للاشمئزاز. وهناك أسباب أخرى أيضا. منها الطريقة التي نتعامل بها في تناول هذا الموضوع بخوف وحذر شديدين ومحاولة الهروب من الموضوع لكي لا نصطدم ببعض العقبات الفكرية. وهذا الهروب ادى لضعف اطروحاتنا الفكرية بالرغم أننا نتمنى لدين الإسلام الذي رفع الكثير من مبادئ المساواة وحرية الفكر وغيرها من الأسس التي تعتبر من ركائز حقوق الإنسان المطروحة الآن على الساحة العالمية.
وعندما حضرت مع عدد غير قليل من الناشطين والمفكرين من منطقتنا العربية والإسلامية في مؤتمر فيينا العام 1993 كان واضحا ضعف الطروحات القادمة من مناطقنا الشرق الأوسطية في مقابل الطروحات الأخرى. كانت هناك أحدى الأوراق المقدمة من منظمة تحمل أسم الإسلام وهي مليئة بالخوف والمحاذير والحدود والهرب من طرح أفكار يمكن للمسلم ولغير المسلم أن يرى فيها عالمية الإسلام وسبقه في هذا المجال. ولا يلام من كتب تلك الورقة لأنها تعبير صادق عن أسلوبنا التقليدي الهارب والخائف والمتحذر من "الفكر القادم من بلاد الفكر".
ولكي أكون أكثر وضوحا فإننا نخاف عندما تطرح علينا مواضيع مثل حقوق المرأة، المساواة بين المرأة والرجل في مجالات الحياة المختلفة، حرية التعبير عن الرأي للمؤمنين بالدين ولغير المؤمنين به، التعددية الحزبية، الحرية الشخصية، وغيرها من المواضيع الحساسة والشائكة.
أننا نهرب نخشى على ديننا ونعتقد أن أفضل وسيلة هي التغاضي أو المبارزة من خلال الدفاع المستميت بصورة شمولية لتحدي تلك الأفكار التي نتصور إنها جاءت من غيرنا. ولكن هذا العزوف لم ينفع ولم يخدم الوجه الحضاري للإسلام الذي كان مفكروه (قبل ان تخرج أوروبا من قرونها الوسطى) يشعرون على العالم بأفكارهم النيرة. لقد جاء الأوروبيون واخذوا أفضل ما لدى المسلمين من فكر وطوروه. والفكر المنتشر اليوم في أصوله على نتاجات إنسانية جاءت من مختلف الثقافات، لا سيما ثقافتنا الإسلامية. وعلينا أن نعي أن الطرح الحقوقي ليس ملكا لدولة أو لثقافة أو الأمة، وإنما هو نابع من فطرة الإنسان الذي كرمه الله ويسر له الأرض وما فيها وما عليها لخدمته وهو يمارس دوره في تعمير الأرض.
ان ترك موضوع حقوق الإنسان دون تنظير أدى وسيؤدي لحرمان مسيرة حقوق الإنسان العالمية من نتاجات الفكر إسلامي الذي يقف مع المظلومين والمحرومين والمستضعفين. انه يؤدي لسيطرة بعض الأفكار التي لا تناسب ديننا ولا تناسب الكثير من الثقافات الأخرى في العالم. والموضوع الذي نحاول الهرب منه لم يعد امرا ثانويا، ولا تستطيع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة التهرب منه. ذلك لإنها جميعا وقعت على الإعلام العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 وهي أيضا وقعت، دون استثناء، على إعلان فيينا في العام 1993. والتوقيع على الإعلانين يشبه (مع الفارق) النطق بالشهادتين. فكل من شهد بوحدانية الخالق ونبوة محمد (ص) أصبح مسلما. ولكن الشهادتين تتبعها التزامات لكي يصبح ذلك الإعلان (إعلان أن لا إله إلا الله ومحمد رسول الله) أمرا ملموسا على أرض الواقع. وهكذا فان جميع الحكومات قد أعلنت موافقتها على الإعلان العالمي الصادر في 1948 وإعلان فيينا الصادر في 1995. ولكي تصدق موافقتها وتوقيعها على الإعلانين، فان الدول مطالبة بالالتزام بالعديد من المعاهدات المستمدة من الإعلان العالمي والمطروحة للتوقيع على جميع. والضغط على حكومات الدول مستمر لكي توقع على جميع العاهدات المستمدة من الإعلان العالمي. وفي حين توقيعها فإن الأمم المتحدة ومن خلال آلياتها المتخصصة تقوم بمراقبة ومتابعة احترام تلك الدول لحقوق المواطنين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها. والدول الإسلامية جميعها وقعت على إعلان فيينا 1995 بعد مداولات عديدة ومكثفة. والعام القادم هو عام مراجعة خطة العمل التي وافق عليها مؤتمر فيينا ومراجعة ما تم تحقيقه.
بالإضافة لذلك فإن العام القادم (وبداية من 10 كانون الأول/ ديسمبر 1997 – بعد أيام من كتابة هذا المقال) سيكون العام الخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وما هو مطلوب منا الدخول في الساحة الفكرية العالمية دون خوف والإدلاء بدلونا، ولكن ليس بالأسلوب الدفاعي الحالي. وإنما بأسلوب منفتح على مفاهيم حقوق الإنسان لكي نطور من أنفسنا ونصل إلى المستوى الذي يحبه الله لنا.
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ