يحتفل البعض بيوم 14 شباط (فبراير) من كل عام يوما للحب، ويطلقون عليه "يوم فالنتاين Valentine Day". وقد اخترع البريطانيون في القرن السادس عشر طريقة للاحتفال بهذا اليوم، إذ يقوم أي شخص يعجب (من ناحية الحب والعشق أو الجمال) بشخص آخر بإرسال بطاقة سرية تقول ما في قلبه دون ذكر اسمه. ومنذ القرن السادس عشر حتى الآن يستعد مصممو وبائعو البطاقات المخصصة لهذا اليوم استعداد لائقا بالناسبة لجني الأرباح من أولئك الذين يعشقون شخصا ما.
ويوم الحب له قصته كما أن لكل عيد ومناسبة قصة. إذ تقول الروايات الشعبية أن فالنتاين كان قديسا ورجل دين يدعو للمسيحية في القرن الثالث الميلادي، وأن إمبراطور روما ألقى القبض عليه وقطع رقبته في منتصف شباط (فبراير) (قبل 1700 سنة). والسبب في ذلك مختلف، فمنهم من يقول بان فالنتاين كان قد خالف أمر الإمبراطور الذي حرم التبشير للنصرانية، ومنهم من يقول بأن القديس كان قد عبر خطأ أحمر آخر بالإضافة لدعوته للنصرانية. فقد كان يشجع على الزواج للشبان, بينما اعتبر الإمبراطور انشغال الشباب في الزواج يعني تقليل عدد أفراد جيشه، وهذا يعني أن القديس هدد أمن الدولة، ولهذا استحق الإعدام. آخرون يقولون أن إعدام القديس صادف منصف شباط (فبراير)، وهو اليوم الذي كان يعتقد الرومان بأن معدل الإنجاب لدى الإنسان (المرأة) والحيوان يزداد، فلذلك فإنهم يخصصون المناسبة لتكثير نسلهم من الأنس والحيوان.
مهما كانت حقيقة الأمر، فإن القديس فالنتاين أصبح مشهورا بأنه بطل العشق والحب بغض النظر عما إذا كان قد ساهم تشجيع العشاق على الزواج أم انه كان مجرد داعية لدين المسيح (ع). المحتفلون بهذا العيد كثيرون ولكنهم يحتفلون سرا ولا يعلم عنهم أحد. ويزداد الهمس والغمز بين الذين استلموا بطاقات حب مجهولة الهوية في محاولة للتعرف على المرسل، ومعظم هؤلاء لا يعلمون من هو فالنتاين وماذا كانت دعوته. كما انه لا يوجد إمبراطور روما ليمنه هذا الاحتفال أو ليعدم من يتصدى للاحتفال باليوم.
منظمة العفو الدولية تستخدم أسلوب رسائل الحب المجهولة، ولكنها تقلب المعادلة. فهي توصي أعضاءها في مناطق متعددة في العالم ان يتبنوا سجناء رأي محددين. ثم يقوم كل عضو بإرسال رسائل متعددة لسجين الرأي تخبره بان هناك من يفكر فيه وبدافع عنه.
وهناك العديد من سجناء الرأي ممن يفرج عنهم بسبب ازدياد رسائل الدولية المرسلة له. غير أن هناك سجناء الرأي في بلداننا ممن لا يستلمون حتى هذه الرسائل. فالعفو الدولية تتبنى أشخاصا معتقلين في بلداننا العربية، ولكن الرسائل تتم مصادرتها لكي لا تصل إلى السجين لان وصول الرسائل تهديدا آخر لأمن الدولة.
إمبراطور روما يخشى من رسائل الحب التي تجمع بين شاب وامرأة وبالتالي تقليل عدد الجنود لديه. أما حكامنا فإنهم يخشون رسائل الدعم التي تجمع ضمير الأمة المعتقل مع الضمير العلمي المتحرك لمساندته.
ربما أن الرسائل لها أدوار كبيرة يعلمها إمبراطور روما ويعلمها حكامنا أكثر مما نعلمها نحن. فالرسائل لا تحمل الكلمات وحسب، وإنما تحمل المعاني القلبية والرموز التي تحرك مشاعر الإنسان وتوجهه لغاياته وآماله.
تتحدث إحدى القصص الخيالية – في أحد الأفلام الذي يحمل عنوان The Postman - عن وضع الناس في الولايات المتحدة الاميركية بعد وقوع حرب مدمرة وشاملة، وبعد انتهاء حضارة الإنسان، اذ لا يبقى سوى مجاميع بشرية هنا وهناك معدومة من الوسائل الحديثة للعيش منقطعة عن كل شيء يحيط بها. وتقع هذه المجاميع تحت رحمة عصابات مسلحة تمر عليها لتأخذ منها رجالها ونساءها وأكلها وما تبقى من إملاكها مقابل أن تتركها بسلام لفترة معينة ثم تعود مرة أخرى لتمارس العمل ذاته. الخلاص من هذه الحالة والعودة للحضارة يتم عبر "إعادة إنشاء ساعي البريد"، الذي ينقل الرسالة من هذه المجموعة لتلك المجموعة. ثم يتطور ساعي البريد لمجموعة كبيرة من صغار السن الذين يستطيعون (بمشقة بالغة) إيصال الرسائل وتبادل الأفكار ثم إعلان الثورة على قطاع الطرق والعصابات.
الرسائل سلاح هام للوصول إلى الحبيب، أو للحصول على الحرية، والشعوب التي تستخدم الرسائل أكثر من غيرها لديها قدرة على التحريك الاجتماعي. فليس هناك أصعب من كتابة رسالة تعبر عما يختلج في النفس بأسلوب مباشرة. وينطبق الأمر على قراء الصحف والمجلات العربية. إذ يلاحظ أن كتابة الرسائل من بعض البلدان أكثر بكثير من غيرها من البلدان الأخرى.
وكتابة الرسائل النوعية مؤشر على القدرة الكامنة لدى كاتب الرسالة سواء كان عاشقا لفتاة أم عاشقا للحرية?
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ