يقول بعض الأكاديميين – غفر الله لهم مقدما – أن واحد منا يحمل طياته "شخصية فاشستية"، وأن كل واحد منا يختلف في قدرته على التحكم في هذه الشخصية، فبعضها يسمح لها بالظهور إلى العلن وعلى استعداد للاعتراف بسيطرتها عليه، وبعضنا يحاول إخفاءها ولكنها تتغلب عليه وتظهر في سقطات اللسان وبعض الفعال التي يمارسها.
والفاشستي كمصطلح سياسي يعرفه الأكاديميون بتلك الحالة التي تجعل فردا ما "يتلذذ من ضعف الآخرين". فالشخص يشعر بنشوة معينة إذا استشعر أن غيره اضعف منه، وانه أفضل وأقوى من الآخر بحكم "الأصالة" غير المتوفرة للطرف الآخر.
والفاشستية، حسب هذا التعريف، تتنوع وتختلف في الدرجات، الا أنها موجودة لدى كل واحد منا. ويحاول بعضنا تبرير الحالة الفاشستية لديه (دون أن يعترف أنها حالة الفاشستية في الأساس) من خلال اللجوء إلى تفسيرات علمية، أو تفسيرات دينية، أو تفسيرات خاضعة للعرف.
مثلا، مجموعة من علماء البيئة اجتمعوا في أحدى الجلسات قال أحدهم: أن بعض القبائل في ادغال آسيا وإفريقيا تحافظ على الطبيعة أفضل منا نحن في الغرب بكثير. رد عليه شخص آخر: نعم، ولكنهم لا يستطيعون المحافظة على أنفسهم، ومثال ذلك فإن عدد الوفيات لدى أطفالهم أضعاف المعدل في الغرب.
ضحك شخص ثالث وعلق: "وهذا أمر حسن فهم يتوالدون كثيرا، وارتفاع معدل موت أطفالهم أمر لا بأس به للحد من النسل في أوساطهم". التعليق الأخير يوضح "شعور باللذة" لدى هذا الشخص الذي يعتبر نفسه أقوى وأفضل، وأن الآخرين – الأضعف منه – يستحقون العذاب والأذى الذي وقع بهم.
ويقال أن تجربة مختبرية أجريت على عدد من الأشخاص، وطلب من بعض الأشخاص تسليط الهزات الكهربائية (المستخدمة في غرف التعذيب) على أشخاص آخرين. وقبل لهم أن أولئك الأشخاص موافقون وأنهم لن يموتوا ولذلك فما عليهم إلا تسليط الكهرباء عليهم. الأشخاص الآخرون كانوا ممثلين، وكانوا يصرخون من الألم رغم أن التيار الكهربائي ليس موصلا. غير أن الذين يسلطون الكهرباء ويرفعون من درجاتها لم يكونوا يعلمون أن الكهرباء غير موصلة.
بعد فترة من التجربة وبعد أن تعود الأشخاص على صعق الآخرين، لوحظ أنهم أيضا يتلذذون كلما سمعوا الصراخ يزداد من الأشخاص الخاضعين لتسلطهم الكهربائي. ربما أن هذه التجربة تفسر ما يذكره بعض المعتقلين عن بعض المعذبين (بالكسر) الذين يقهقهون ويبتسمون ويفرحون كلما رأوا العذاب يزداد على ضحاياهم.
أشخاص آخرون على الطرف النقيض، فهناك من يدفع الأموال من أجل أن يسلم نفسه لشخص أخر ليقوم بتعذيبه. ويشعر هؤلاء بالتلذذ من ضعفهم أمام الآخرين. وهناك "أشباه" رجال يذهبون إلى "نساء" متخصصات ليحصلوا على جلد بالخيزران والسياط. وهؤلاء "النساء متوافرات في البلدان الغربية في سوق الدعارة ولهم دعايات مطروحة في أكشاك الهواتف وغيرها من الأماكن. ويعرض هؤلاء "النسوة" أنفسهن واقفات بالسوط على استعداد لضرب "أشباه" الرجال المستعدين لدفع المال الكثير للحصول على وجبة تعذيب يتلذذون من خلالها بشعورهم بالضعف أمام شخص آخر.
بطبيعة الحال فإن الغالبية العظمى من الناس ليسوا مستعدين أن يكونوا على هذا المستوى من التطرف. إلا أن هذا لا يخفي حقيقة وجود بعض السقطات من اللسان والأفعال التي تشير إلى شيء مما يدعيه أولئك الأكاديميون. فهناك الرجل الذي يحتقر كل امرأة لأنه يرى الرجال "أعظم" من النساء. هناك الشخص الذي يرى انه "أعظم" من غيره لأنه مهندس أو دكتور أو مقدس وأن الآخرين عليهم الخضوع له لكي يستشعر لذة عظمته وقوته عليهم. وهناك من يشعر انه أفضل من غيره لأنه مولود لعائلة معينة أو لقومية معينة أو انه ينتمي لقبيلة أو لحزب أو لمجموعة معينة، وأن الآخرين يلزم عليهم الخضوع له لكي يتلذذ من ضعفهم أمامه.
هذه النفسيات هي التي أشعلت مشاكل وحروب على مر العصور وهي التي تدفع الإنسانية لمحاربتها والدعوة لحرية الإنسان وحقوقه ومساواته. وهذه النفسيات هي التي حاربها ديننا الحنيف عندما طرح المبدأ الخالدة: "أن أكرمكم عند الله اتقاكم". والتقوى هي قدرة الإنسان على التحكم في نزواته غير الصحيحة.
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ