يُتوقع أن تظهر نتائج المسح السيزمي (الزلزالي) ثلاثي الأبعاد الذي تجريه شركتا «دولفين» و«سبكتروم» تقديراً لكميات الغاز، وربما النفط أيضاً، التي تختزنها المياه الإقليمية اللبنانية.
النتائج الأولية لهذا المسح أعلنها مؤخراً المدير التنفيذي لشركة «سبكتروم» ديفيد رولاندز. حيث أشار الى أن المسح السيزمي أعطى مؤشرات إيجابية، لكن لا يمكن معرفة حقيقة ما يكتنزه قاع البحر إلا بعد أن تبدأ عمليات التنقيب.
وكانت الشركة أجرت مسحاً ثنائي الأبعاد للمياه الاقليمية اللبنانية في العام 2012 وقامت بتحديث هذا المسح وتوسيعه في العام 2012.
في سبتمبر/ أيلول 2012 أنجز لبنان تقريباً مسحاً ثلاثي الأبعاد لنصف المساحة الاقتصادية الخالصة، أي ما يوازي 10500 كيلومتر مربع من أصل 22700 كيلومتر مربع أنجز مسحها الثنائي الأبعاد «الطولي». وتمّ تحليل معلومات مسحية تتصل بمساحة 10 آلاف كيلومتر مربع طولي، وبيعت المعلومات الى 26 شركة نفط عالمية، بينها خمس شركات أميركية وشركات فرنسية ويابانية ونرويجية. وحققت الدولة اللبنانية وشركتا «دولفين» و«سبكتروم» إيرادات تقارب 90 مليون دولار من هذه العملية.
وتزداد أهمية منطقة حوض المتوسط على صعيد التنقيب عن الغاز مع اكتشاف كميات جديدة قرب قبرص، ومع استعداد إسرائيل لبدء استخراج الغاز من حقل تامار السنة المقبلة، والتحوّل إلى مصدر صافٍ للغاز الطبيعي بحلول 2017. ووفقاً لتقديرات مؤسسة المسوحات الجيولوجية الأميركية؛ فإنّ الحوض الشرقي للبحر المتوسط يحوي 1.7 مليار برميل من النفط و3.44 تريليونات متر مكعب من الغاز، وهي تقديرات للكميات التي يُمكن استخراجها تقنيّاً. وتبلغ مساحة الحوض 83 ألف كيلومتر مربع، تشمل شواطئ لبنان وسورية وقبرص وفلسطين المحتلة.
جولة بحرية وزارية جنوباً
برزت في سبتمبر / أيلول 2012 الجولة الإعلامية التي نظمها وزير الطاقة والمياه جبران باسيل لمعاينة عمليات المسح الجيولوجي للبقعة الاقتصادية الواقعة عند حدود المنطقة المتنازع عليها مع قبرص وإسرائيل، وهي منطقة تبعد 110 كيلومترات من بيروت جنوباً.
وأعلن باسيل خلال الجولة أن النتائج الأولية للمسح أكدت وقوع مياه الشاطئ اللبناني الجنوبي فوق مكامن غاز بقدرة 12 تريليون قدم مكعب (320 مليار متر مكعب)، أي ما يوفر للبنان غازاً لمدة 99 عاماً.
وأضاف أن عقود التنقيب عن النفط باتت جاهزة، وثمة مسودات مراسيم تحتاج الى صيغ نهائية قبل إطلاق جولة التراخيص.
ويبدو باسيل مستعجلاً؛ لأن في المنطقة الشمالية، ومساحتها نحو 700 كيلومتر مربع، ثمة حقوق قد تكون مشتركة مع قبرص التي بدأت التنقيب، والأمر عينه ينطبق جنوباً.
الا أن ثمة مشكلة لم يبتّ فيها مع وجود منطقة جنوبية بمساحة 760 كيلومتراً مربعاً لا تزال قيد نزاع، وقد وقعت قبرص اتفاقاً ثنائياً بشأنها مع إسرائيل بمعزل عن لبنان الذي يشدد على حقوقه فيها. ورفض لبنان أخيراً عرضاً أميركيّاً لتقسيمها بمعدل الثلثين للبنان والثلث لإسرائيل «لأن حقوقنا واضحة». الا أن الأمر منوط أيضاً بالتحكيم استناداً الى قانون البحار الذي لا تقرّ به إسرائيل فيما وقعه لبنان وقبرص.
وعلى رغم التفاؤل الذي يبديه الوزير باسيل، لم تبرهن الحكومة اللبنانية على أنها تسرّع عجلة الاستفادة من الغاز والنفط المختزنين في قاع البحر. ويبقى لبنان متأخراً في السباق مع جيرانه. وسيكون الاختبار الجدي أمام الحكومة اللبنانية في مطلع 2013 حين يفترض أن تبدأ جولة التراخيص الأولى، أي حيازة الشركات التراخيص لبدء التنقيب. ومن شأن أي خلاف سياسي بين الأطراف داخل الحكومة أن يقوض جهود تأسيس قطاع إنتاج النفط والغاز في لبنان.
مخاطر بيئية: أول الغيث في «لفيتان 2»
تؤكد الدراسات الأولية أن ما يُبحث عنه من نفط وغاز هو على أعماق تتجاوز 450 متراً تحت قاع البحر، وبعيداً عن الشاطئ، ما يعني مخاطرة كبيرة بالتسبب في تلويث البحر المتوسط خلال عمليات التنقيب والحفر والاستخراج.
وقد كشفت صحيفة «غلوبوس» الاقتصادية الإسرائيلية النقاب عن وقوع خلل كبير قبل نحو عام في موقع «لفيتـان2» الغازي، رأت أوساط الخبراء أنه كاد يتسبب بكارثة بيئية تشبه تلك التي وقعت في خليج المكسيك العام 2010.
وأشارت إلى أن كلفة معالجة الخلل الذي نجم عن سوء حفريات قادت إلى تسرب الغاز من مكامنه ستتجاوز 60 مليون دولار، لكن عملية إغلاق الحفرة قد تكلف ما بين 200 و300 مليون دولار.
وتطرح هذه الكارثة أسئلة كبيرة على لبنان في حال بدأت عمليات التنقيب في المياه الاقليمية، عن مدى جهوزية السلطات اللبنانية وقدرتها على تجنب هذا النوع من الكوارث.
وقد وقعت وزارة الطاقة والمياه اتفاق تعاون جديداً مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول التنمية المستدامة للنفط والغاز في لبنان. ويعتبر الوزير باسيل أن دراسة الأثر البيئي للتنقيب عن النفط والغاز «تساعد لبنان في عدم الوقوع في مشاكل وقعت فيها دول أخرى، فيكون جاهزاً ولا يخسر أي وقت في عملية التنقيب عندما يتم، إذ تكون البُنى التحتية البيئية المطلوبة مؤمنة وموفرة».
وأكد مساعد الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي إدغار شهاب لـ «البيئة والتنمية» أهمية هذا الاتفاق بالنسبة إلى لبنان، بحيث يتم استباق الأمور المتعلقة بالبيئة والصحة العامة والسلامة، وهو شق أساسي في موضوع التنقيب عن النفط والغاز.
وأشار الى أن وزارة الطاقة والمياه، بالتعاون مع وزارتي البيئة والمال وغيرهما من الجهات المعنية، أنجزت الخطوة الأولى المتمثلة في إجراء تقويم بيئي استراتيجي للتنقيب عن النفط والغاز في لبنان. وانتهت الدراسة الى تحديد عدد من الخطوات المطلوبة التي تضمن أن تراعي عملية تنمية الموارد البحرية للطاقة الاعتبارات المتعلقة بحماية البيئة والمجتمع. وسيمهد المشروع لاستحداث وحدة مختصة بالجودة والصحة والسلامة والبيئة ضمن هيئة إدارة قطاع النفط.
ويبقى من الضروري التأكيد على وجوب تطوير معايير صارمة لمراقبة الآثار البيئية، على أن يتم هذا بشفافية ويُطرح للنقاش مع الهيئات العلمية والأهلية المختصة.
العدد 3717 - الجمعة 09 نوفمبر 2012م الموافق 24 ذي الحجة 1433هـ