تقول إحدى الحكايات الخرافية انه في احد الأزمان والبلدان كان هناك سلطان يحكم بلادا عامرة بالبنيان والعمران. وكان هذا السلطان قد تزوج من أحدى "سعيدات الخط" لإنجاب ولي عهده الذي سيستلم كل هذا الملك الذي يفخر به السلطان.
وبالفعل جاء ولي العهد بوجه جميل اخذ سمات الأم المختارة للسلطان العظيم. ولكن المشكلة كانت عندما بدأ ولي العهد يكبر قليلا وبدا أن أحدى أذنيه لم تأخذ جمال الأم وأنما أشبهت أذن الحمار مقارنة مع الأذن الجميلة الأخرى.
وقد حاول السلطان أن يموه على الأنظار من خلال أطالة شعر رأس ولي العهد، وذلك لتغطية الاذن القبيحة وإبراز الوجه الجميل. ولكن الأم بدأت تنزعج لطول شعر ابنها وبدأت تصر على الأب بمفاتحة أحد الحلاقين لقص الشعر بصورة أنيقة.
احتار السلطان لان انفضاح خبر أذن الابن سيعني ان "الاتباع" (والاسم الحديث للاتباع هو الشعب أو المواطنين) سيتحدثون عن وجود خلل يحتاج لمعالجة.
ووجود خلل ما – حتى ولو كان من تلك الحالات التي لا ذنب للإنسان فيها – لا يتلاءم مع الهيبة والاعتقاد بعدم إمكانية خطأ السلطان. (ملاحظة: ان وجود عيب خلقي لا يجب ان يكون عائقا، فهناك مثلا وزير التربية البريطاني وهو ضرير). ولكن السلطان. بفهمه القديم – لديه السلطة المطلقة وقرر إنقاذ ولي عهده من طول الشعر، فأمر بإحضار احد الحلاقين الممتازين.
سارع الحلاق الذي وقع عليه الاختيار إلى القصر وهو مغمور بالفرحة وحتى وصل إلى حضرة السلطان الذي كان جالسا لوحده بالانتظار. وهنا سارع السلطان بمفاتحة الحلاق بسر لا يعرفه الا السلطان وزوجته وولي العهد، وهو السر المتعلق باذن ولي العهد، واتفق مع الحلاق أن يأتي للقصر لقص الشعر كما كانت هناك حاجة لذلك. واختتم الاتفاق بملاحظة صغيرة هي ان الحلاق سيسخر رأسه إذا سمع السلطان أن لابنه أذن حمار من أي مخلوق آخر خارج دائرة الأربعة. وهكذا كان، فقد كان على الحلاق أن يوافق على كل شيء والا ضربت عنقه. ولكن المشكلة أن الحلاق شأنه كشأن كل الحلاقين – لا يستطيعون التوقف عن الكلام لان ذلك جزء من المهنة لاستجلاب الزبائن والإبقاء عليهم. و"الاتباع" قد علموا بذهاب الحلاق للقصر وسوف يسألونه عما قام به وماذا عمل ولماذا يكرر الذهاب للقصر. وكلما حاول الحلاق أن يفشي بالسر لاحد، حتى ولو كانت زوجته، تذكر الملاحظة الصغيرة ضمن الاتفاق فيتوقف مباشرة عن الحديث، حتى أصابت الحلاق عقدة منعته من الحديث مطلقا مع جميع "الاتباع" حتى زوجته وأولاده.
سارعت الزوجة لأحد الحكماء وأخبرته بالأمر، فقام ذلك الحكيم باستدارج الحلاق واصطحابه إلى البر حيث لا يوجد إنسان. وهناك طلب منه أن يحفره وطلب من الحلاق الدخول فيها. ثم قال للحلاق: سأغطي هذه الحفرة وأنت بداخلها ثم سأبتعد عنك وستكون لوحدك.
فأرجو منك أن تقول ما لديك دون أي خوف أو حرج لأنه لن يسمعك احد. وبالفعل، دخل الحلاق، وعندما اطمأن انه لا يوجد أحد قريب منه بدأ يصرخ من أعماقه "ابن السلطان له أذن حمار". وكرر الجملة حتى انتهت طاقة الصراخ لديه، وخرج فرحانا بعد أن عبر عن رأسه سراً.
تقول الرواية أن الحلاق استطاع تجاوز العقدة، ومات السلطان وخلفه ولي العهد الذي خرج مرة إلى البر من أجل الصيد، وهناك وفي موقع الحفرة نبتت شجرة تخلد حرية الكلمة. تلك الشجرة أخذت تغني وتصفق دائما بالجملة التي نطق بها الحلاق سرا ولوحده. فلما سمع السلطان الذي استلم لتوه الملك تلك الأغاني والاهازيج التي تفضحه وإذا به يرمي بنفسه فوق صخرة ليقضي على نفسه ويخلصها من انفضاح الأمر والعار الذي يتبع ذلك.
عندما كنت اسمع تلك القصة الخيالية وأنا صغير لم أكن اعي مقاصدها البعيدة. ولكني لن انسها أيضا، بل أنها تعمقت في نفسي مع الأيام لأنها تصور حق الإنسان الطبيعي في التعبير عن رأيه ولأنها تحكي النهاية المأساوية لكل من يحاول أن يمنع حرية الكلمة من الانطلاق. لقد أصبح الحلاق "سياسيا" لأنه أراد أن يعتبر عن حقيقة رأها بأم عينه ولكن السلطان أراد تغطيتها. وهكذا تخلق في امتنا الطاقات السياسية فجميع "الأتباع" أو المواطنين ممنوعون من التحدث "السياسة". وأصبح الحديث في السياسة يعني كل شيء يتعلق بالحاكم وأهله وجنوده ومخابراته وخدمة ووصيفاته وكل شيء يتعلق بمصالح الأمة الإستراتيجية والحضارية. لك الخيار أيها المواطن في أن تحيا ميتا أو تصرخ صرخة الحرية من أعماق وجدانك لتستجيب لك السماء والأرض وتنبت بصرختك شجرات للحرية.
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ
زياده معرفه
بدنا نعرف شو هي فوائد إذن الحمار ؟؟