رئيس الوزراء المغربي الجديد، المحامي عبدالرحمن اليوسفي هو نفسه ذلك الشخص الذي حكم عليه بالإعدام في الستينات، وهو نفسه الشخص الذي لجأ لعشرين عاما خارج بلاده لمواصلة نشاطه المعارض. اليوسفي من الذين ساهموا في تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في العام 1983 وساهم أيضا في أنشطة عدد من الجمعيات الدولية، كما ساهم في الأعمال التأسيسية للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ووصل في آذار (مارس) الماضي (1998) لمنصب رئيس الوزراء عن طريق الانتخاب.
اليوسفي ساهم في الحوارات التي بدأها العاهل المغربي والتي نتج عنها التغيير الدستوري في 1996 ونتج عنها إنشاء برلمان من غرفتين، واحدة هي مجلس النواب المنتخب التي أخذت شكل مقارب للبرلمان البريطاني، إذ يقوم الحزب الحائز على الأصوات الأكثر بتشكيل الحكومة. وغرفة عليا أخرى تراجع تشريعات مجلس النواب. وهذه الغرفة (مجلس المستشارين) تتكون من أشخاص مختارين من النقابات والجمعيات المهنية وغيرها.
اليوسفي شكل الحكومة ووزارته بعد تعاون حزبه اليساري مع حزب الوسط، ووافق عليهم الملك واقترح أسماء وطرحت الأسماء للبرلمان وحصل على ثقة النواب بضمنهم الإسلاميين. التفاهم بين العاهل المغربي والمعارضة يرجع لحنكة الطرفين وسعيهم لإيجاد نمط جديد من التعامل بين الحاكم والمحكوم في منطقتنا العربية.
الوزارة اليوسفية بداية على الطريق الصحيح وليست نهاية الطريق وليست سقفا. وإذا أصبحت سقفا فقدت قيمتها الإصلاحية التدريجية. فحكومة اليوسفي لم تغير وزير الداخلية السابق السيد إدريس البصري، وهذا تغبير عن حسن نية الطرفين. بلا شك، فإن وزارة الداخلية التي تسيطر على الأمن الداخلي والمخابرات من أهم الوزارات وأخطرها. شئون الدفاع أيضا تخضع للملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يرأس أجهزة الدفاع جميعها.
الانفتاح السياسي المغربي جدير بالدراسة لكي تستطيع الحكومات وحركات المعارضة في الدول العربية التعلم على طيفية خلق الثقة وإعطاء الفرصة ولو بحذر. فالصحافة المغربية تتطرق لمواضيع كثيرة ما عدا بعض الملفات المتعلقة بالنظام الملكي والتجديف بالمقاسات ووحدة التراب الوطني، الخ.
السجون المغربية لازالت تحتوي على قرابة الأربعين سجينا سياسيا استثنوا من العفو الملكي الذي صدر في العام 1994 وشمل قرابة 400 شخص.
القضاء المغربي وأجهزة إدارة العدالة بحاجة للتقوية باتجاه تعزيز مبدأ استقلال القضاء عن جميع السلطات الأخرى. ومقدار نجاح الأطراف جميعها في مواصلة المسيرة يتحدد في مدى استطاعة حكومة اليوسفي تحقيق مبدأ سيادة القانون الدستوري، مراجعة التشريعات المخالفة للدستور، استقلال القضاء، المحاكمات العاجلة في جميع القضايا السياسية وغير السياسية, تعزيز حقوق المواطنين، ونجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
هناك بطبيعة الحال القضايا الوطنية المصيرية، والتي ستبقى – من الناحية العملية – خارج إطار الحكومة اليوسفية. ولكن الأهم من كل ذلك، هو أن المعارضة التي كانت تعمل في الخارج أصبحت اليوم تشارك خلال عملية دستورية، وهذه العملية الدستورية تحتاج لتنازل من الأطراف لكي تبدأ المسيرة. ولكي تستمر هذه المسيرة فإن على اليوسفي أن يواصل دوره وان يعزز مصداقية المفاهيم التي ناضل من اجلها بأسلوب جديد لم تعرفه منطقتنا.
أن من حق التجارب أن تأخذ مسيرها الطبيعي قبل إصدار أي حكم لصالحها أو ضدها، ومجتمعاتنا وصلت لمرحلة ناضجة تستطيع من خلالها ضبط السلطة من خلال الممارسة الدستورية ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني (المنظمات عير الحكومية المفترض أن تعمل بحرية دون ضغط من السلطات مادامت لا تخالف الدستور). لكي تكون حكومة اليوسفي مختلفة عن التجارب العربية الفاشلة السابقة فان عليه أن يدحض الذين قالوا أن المعارضين الذين دخلوا الحكومات في بلادهم تنكروا لمل شيء آمنوا به، حتى قال بعضهم بان "المعارضة طريق الوصول للمنصب"، وليست لتحقيق الإصلاح السياسي التي ينفع الأمة ويبقى مع الزمن.
أملنا أن تستمر الحنكة السياسية لتصبح درسا للحكومات وحركات المعارضة في الدول العربية الأخرى. وتفاؤلنا مستمر ما دامت العملية الدستورية محترمة من جميع الأطراف وما دام اليساري والوسط والوطني والإسلامي يستطيع أن يشارك برأيه وخبرته في إدارة الشئون العامة، وما دامت هناك حصانة برلمانية تسمح لنواب الشعب أن يعبروا عن مصالح ناخبيهم وطموحاتهم دون خوف من انتقام سلطة ما سرية كانت أم علنية.
التحديات المطروحة أمام الحكومة المغربية كثيرة ولكن أهمها تحقيق الحيادية السياسية ليبروقراطية الدولة وتعزيز القضاء المستقل وإصلاح الأجهزة الإدارية للدولة خصوصا تلك التي تتعلق بإجراء ومراقبة الانتخابات، ومحاربة الفساد الإداري والرشوة التي تنتشر في كثير من الدول النامية، وإصلاح القوانين الخاصة بالحريات العامة والإعلام المستقل وتحقيق الوعي العام بقيم حقوق الإنسان من خلال مناهج التعليم بمختلف مراحله.
وفوق كل ذلك ضمان تنفيذ مواد الدستور الذي يعبر عن الإجماع الوطني والذي يحفظ استقرار النظام بأسلوب متحضر بعيدا عن أسلوب القسوة والجفاء بين الحاكم والمحكوم.
الحنكة المغربية أبعدت الوضع المغربي عن العنف الذي يجتاح الجزائر, ولكي تستمر الحنكة المغربية فإن على الطرفين الاستمرار في تطوير الممارسة باتجاه إشراك أكبر عدد ممكن من المجتمع المغربي وباتجاه احترام المواطن المغربي، المعارض منهم والموافق، ولعل الله يفتح بذلك عهدا جديدا في عالمنا الذي لم يعرف غير لغة العنف والقتل والتطاحن باسم الدين أو باسم الدولة أو باسم الشعب. الحق يؤخذ ولا يعطي.
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ