المسرحية الكويتية القديمة "بني صامت" تحكي وضعية تمر فيها المجتمعات عندما تطالب أو تمارس الديمقراطية. وكان أحد الممثلين يتفجر بالضحك كلما حاول ممثل آخر الحديث أثناء الحوار في إحدى الجلسات الديمقراطية وعندما سأل الآخرون الشخص الضاحك: ما يضحك؟ أجاب: لماذا إذا هو يضحك إذا أنا تكلمت؟ وقبل الدخول في الموضوع أكثر أحب التأكيد على أني افهم الديمقراطية بأنها وسيلة متطورة استحدثها الإنسان لتسيير شؤونه من خلال التشاور بالاعتماد على حق الإنسان في التعبير عن رأيه وحق الجماعات في تقرير مصيرهم المشترك. وعلى هذا الأساس فهي لا تتعارض مع المبادئ الإسلامية؟ بل على العكس. لان ديننا يؤكد كرامة الإنسان العالم العامل المتشاور والمتحاور والمشترك في أعمار الأرض مع أخيه الإنسان. وهي أيضا تأكيد لمفهوم حمل الأمانة القائم على حرية الاختيار التي وهبها الله للإنسان.
رجوعا إلى الموضوع المشار إليه في بداية الحديث. هناك اتجاه سلبي تجاه الديمقراطية. انه الاتجاه الذي يتبناه الديكتاتور الذي يرى خطورة على حكمة المطلق في أشراك الناس في تقرير شئون حياتهم اليومية. وهذا الحاكم يحاول أن يثبت أن شعبه غير مؤهل لممارسة الديمقراطية. ولذلك فهو لا يضيع فرصة إلا ويبرز "الوجه القبيح" للخلافات التي لا تنتهي إذا فتح باب الحوار، ويدعي عدم إمكانية اتخاذ القرارات، وتعطيل مسيرة التنمية التي تزمع الحكومة تنفيذها، وكيف أن هناك من يحاول استغلال المطالب الديمقراطية من اجل مصالح أخرى شخصية أو فير وطنية، وكيف إن الذين يطالبون بالديمقراطية قد اعتقلوا وثبت تورطهم في الإرهاب ومحاولات لقلب النظام، وكيف أن الوضع سينهار فيما لو سمح لهؤلاء بالوصول إلى ما يريدون... الخ. والقصص لا تنتهي في هذا المجال. والحاكم المطلق يسعى لقمع أي متنفس لحرية الكلمة وتأميم أي نشاط اجتماعي أو ديني أو مهني لكي لا تنمو المواهب والطاقات وتنمو معها المطالب المزعجة.
الملاحظات الواردة في مسرحية "بني صامت" لا تخلوا من الصحة وهي تشير لموضوع أعمق لا يساند وجهة نظر ذلك الذي يريد أن يمنع الناس من ممارسة دورهم بصورة صحيحة. إذ أن الديمقراطية، أو "العمل الجماعي القائم على حرية الرأي"، بحاجة لوعي شعبي ترعاه المؤسسات الأهلية الطوعية، أو ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني.
والمؤسسات الطوعية المدنية تقوم على أسس فكرية أو خيرية أو مهنية أو رياضية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ما شابه. ولكي تستطيع هذه المؤسسات ممارسة دورها الاجتماعي فإن على الدول التي تعادي حق الشعب في تسيير شئونه أن تضمن امن هذه الجمعيات من الاعتقال غير المشروع وامن الأشخاص من أي ممارسة غير قانونية من قبل أي جهاز من أجهزة الدولة.
والأنشطة المدنية التي تنتعش في هذه الأجواء يمكن تطويرها لتدخل الحلبة السياسية من خلال الأحزاب السياسية التي تؤمن بدستور البلاد المتفق عليه ومن ثم تنظيم الأطر التي يمكن من خلالها لأغلبية الشعب أن تمارس دورها في تنمية البلاد وإسعاد العباد.
وعلى هذا الأساس فان أي حاكم يشتكي من شعبه أو من المعارضة فان عليه أن يبادر إلى السماح بهذه الأنشطة لإنعاش مسيرة العمل الوطني باتجاه تعاوني وتكاملي بين جميع أطراف المجتمع. أما إذا كان الحاكم يشتكي من المطالبين بحرية العمل السياسي ولكنه في الوقت ذاته يؤمن جميع الأنشطة الأهلية والدينية، ويسلط المزيد من قواته ومخابراته على المجتمع فانه يدفع الناشطين باتجاه العمل السري المجتمع فانه يدفع الناشطين باتجاه العمل السري والتحريض ضد حكمه. وحتى لو اعتقد الحاكم إن بإمكان مخابراته أن تقمع معارضيه فان التاريخ يحدثنا أن الحكم لا يبقى إلا مع العدل بين الناس. والمشكلة أن معظم الذين يشتكون من شعوبهم لم يسمحوا لأنفسهم الاستماع لشكاوي شعوبهم. بل أنهم دائما يستمعون لبعض المستشارين والمنتفعين من استمرار الوضع القائم على ما هو عليه.
والحقيقة المرة هي أن الحاكم قد لا يعي حقيقة شكاوي شعبه إلا بعد فوات الأوان وبعد أن تصل الأمور لدرجة اللاعودة وتتطرف الحالة السياسية لتعقد الأوضاع عليه قبل أن تعقدها على غيره.
ولكي يمارس "الصامت" الحوار دون الحاجة للثورة، على "الناطق" الحكومي أن لا يهزأ بمطالب وشكاوي شعبه.
العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ