العدد 3715 - الأربعاء 07 نوفمبر 2012م الموافق 22 ذي الحجة 1433هـ

وهْم كشف الإرادات بالأشعَّة تحت الحمراء!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الإرادة ذلك الكائن الخفيّ. ذلك الكائن الشبح. ذلك الكائن الذي يجسّد أكثر من طائر عنقاء، يطلع من الرماد. ذلك الذي تسعى كل أجهزة الاستخبارات والتجسّس لاكتشاف خريطة مساره ووجهاته. الإرادة تلك التي تعيد صوغ هذا العالم، بعد أن كان من المحال أو شبْهه أن يتخيّل أكبر دماغ في التخطيط الاستراتيجي والسياسي – مجرد تخيُل - أن تحدث كل هذه الزلازل وتوابعها، وتهز مفاصل الأمر الواقع، وتذرو القبضات الحديد التي أهانت واستعبدت شعوبها كما تذرو الريح حَبّ الحصيد.

الإرادة في اللغة تعني «القصد والمشيئة» كما ورد في «لسان العرب» لابن منظور، وأراد الشيء: شاءه. وفي الاصطلاح الصوفي، تعني نهوض القلب في طلب الحق.

بعد كل ذلك تظل النفس التي هي مجال إرادة جامحة وواثقة، وأخرى خاملة ومستكينة، عصيّة على الكشف فيما تم تحقيقه من أدوات لتحديد صعودها هنا ونكوصها هناك. فصعودها لا يعني بالضرورة استمرارها فيه ونكوصها لا يعني موتها وخفوت وهجها. ذلك أمر مرتبط بشبكة معقَّدة وفطرية في الوقت نفسه. الزمن والمكان وطبيعة الحوادث وتعاطي الإنسان معها سلباً أو إيجاباً، ومدى فاعلية ذلك الدور ومركزيته، ومدى عمق هامشيته أيضاً هو الذي يحدّد الوُجْهَة ويحدّد المسار لإنسانها.

بعد كل ذاك، لا يمكن لأي جهاز تجسُّس أو جهاز استخباراتي أن يدّعي قدرته على رصد مثل ذلك الشبح الذي لا يمكن رؤيته. يمكن رؤيته حين تتداعى شبكات الرصد تلك والأنظمة التي أنشأتها وأقامتها وتبنّتْ رعايتها في بذخ مستفز وغبي في الوقت نفسه. لأن كل ذلك، جرَّ عليها الوصول إلى النهايات التراجيدية التي وصلت إليها.

في الربيع العربي الذي يراه المتمصْلحون والمصْطفُّون مع منظومات الفساد خريفاً، تم كشف وهن أجهزة القمع والتجسُّس والاستخبارات وشراء الضمائر. تم الوقوف على انكشافها وهدرها للمال العام على القائمين على تلك الأجهزة التي اختصت بفبركة المؤامرات وانتحال الخطر وادّعاء الاستهداف وتخيّل الكارثة من مواطنين مطحونين ومقموعين يتم سحلهم بشكل بات أمراً عادياً. فشلتْ تلك المنظومة أن تحقق عبر أجهزة تنصّتها وكوادرها التي أرهقت الموازنات أن ترصد شبح إرادة واحدة على امتداد الخريطة، وما تبقى من تلك الأنظمة سيفشل في مرحلته الحالية؛ على رغم مضاعفة الجهود والإمكانات والموازنات في سبيل تدارك ما غاب عمّا سواها؛ لكن النتيجة واحدة في فشلها: الإرادات لن تكون خاضعة للرصد والمراقبة، ذلك أمر عصيّ على إمكانات الإنسان ومختبراته وجيوشه من علماء وعملاء ودرَك ومخبرين.

في مصر هيمنت أجهزة الاستخبارات على أنفاس الناس وتحركاتهم وسكناتهم منذ ثورة يوليو/ تموز العام 1952، مروراً بالسادات، ووصولاً إلى نظام المخلوع حسني مبارك الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود حوّل فيها مصر إلى شركة عائلية مقفلة عليه وعلى بقايا وأثر وتلاميذ لصوص الانفتاح الذي دشنه السادات، وهيمنت أجهزة قمعه على تفاصيل الحياة الخاصة للمواطنين في أولوية الهيمنة على حياتهم العامة. كل ذلك الصلف والقمع لم يستطع أن يلتقط إشارة واحدة الى أن إرادة في الطريق ستجعل تاريخ الرعب الذي دشنه إلى واحد من أكثر المهازل والوهن الذي تمت الإحاطة والإطاحة به من قبل تلك الإرادة. إرادة شعب انتصر على صمته وسكوته و «المشي جنب الحيط»... «الحيط» الذي لا يمكن أن يختبر قيمة أمة وفاعليتها وأثرها إلا بتحطيمه والنفاذ إلى ساحة رحبة من تصحيح الأوضاع وبأخلاقية عالية.

في تونس وليبيا واليمن الأمور كانت لا تقل انتهاكاً وسوداوية ووهماً بأن ما هو قائم وماثل سيظل مقيماً وماثلاً بفعل مكنة أمنية قمعية لم تترك خبرات في الإهانة في الدنيا إلا تبنّتها وجلبتها للتجريب والممارسة على شعوبها. أين هي اليوم؟ تحت سطوة إرادة لها مكرها وقدرتها على اختراق حتى وحدات التشكيك واتهام النوايا في أجهزة الأمن تلك.

في اعتقادي لو أن ما حدث في العراق في العام 2003 جاء بفعل ربيع عربي مبكّر قياساً بالربيع بعد 7 سنوات في تونس وما تلاه في مصر وليبيا واليمن، لكان قدّم نموذجاً مُلهماً للمنطقة العربية بأسرها؛ لولا أنه جاء ربيعاً مستورداً وعلى متن دبابة أميركية وقوات عاثت وأهانت كرامة الإنسان العراقي وأعملتْ فيه آلة قتلها واستباحاتها.

كان نظام صدام حسين أسوأ نظام في التاريخ البشري بعد نظام شاه إيران؛ ولذا كان سقوطه بفعل إرادة داخلية قمة أي ربيع يمكن أن يتحدث عنه الحاضر ويخلد في ضمير الزمن. ما حدث في العام 2003 كان خريفاً بامتياز، ولن يكون ربيعاً ما لم يحدث خيار ربيع عراقي من الداخل لاجتثاث منظومة النظام الطائفي القائم على المحاصصة المُتلاعب بها بشكل فاقع لا يمكن أن يسيء فهمه صاحب بصر أو بصيرة.

كل أنواع الأشعة الحمراء والبنفسجية ومستقبلاً ربما البرتقالية لن تستطيع الوقوف على تلك الشبكة المعقدة واللامتناهية في حساسية لحظة تقريرها وتحديد خيارها. والإنسان بكل موهبة الخبث فيه والتطفل والإبداع في طرق تنميتهما سيُفشل ما يدبّر له في مجالين: أن يُحدَّد مسار العالم بمزاج جهة في الليل وانفصام شخصيتها في النهار. ذلك عبث لا يمكن أن تستقيم معه أوضاع حيوانات في محمية عدا استقامته مع بشر لا تعرف بشريتهم إلا بالإرادة، والآخر أن يصل إلى أجهزة وآلة تقوم بالدور نيابة عنه.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3715 - الأربعاء 07 نوفمبر 2012م الموافق 22 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:50 ص

      كان بإمكانية الشعب العراقي ازالة نظام صدام لولا الدعم الخارجي

      هناك دعم خارجي من الانظمة الظالمة لمثيلاتها كنظام صدام حسين وهذه الانظمة الظالمة الداعمة هي اساس مصائب الشعوب ولكن ارادة الله تقضي بأن كل من يعين على ضعيف او مستضعف يذيقه الله بنفس الكأس التي سقى غيره منها

    • زائر 1 | 12:40 ص

      الانسان خليفة الله على ارضه

      بما ان الانسان خليفة الله على ارضه فيعني كرامة الانسان وارادته وفطرته السويه الذي لا يرضى بالذل والمسكنه والانحناء لفراعين السرقه ومصاصين الدماء ايضا من ارادة الله لكي ينطق بالحق وعدم العبوديه لغير الله.

اقرأ ايضاً