أصاب تفجير يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول في بيروت، لبنان بالصدمة وشكّل حلقة أخرى قاسية في مسلسل التوتّر في الدولة. إلا أنه بالنسبة للشباب اللبناني، لم يكن عدم الاكتراث أو العجز على الأجندة. ورغم أن السياسيين، كما بدا للكثيرين، بقوا مركّزين على انتخابات السنة المقبلة، فإن المجتمع المدني أخذ زمام المبادرة في تقديم المعونة لهؤلاء الذين تأثّروا بالكارثة. وقد حقق هؤلاء الشباب فرقاً كبيراً في تقديم المساعدة التي كانت هناك حاجة ماسّة لها، من خلال إظهار التضامن ودرجة عالية من الوطنية.
في اليوم نفسه، وبينما نقل الإعلام أخبار العديد من الضحايا، أرسلت جمعية (Donner Sang Compter) والتي يعني اسمها التبرع بالدم دون توقع أي مقابل، رسائل عبر الإعلام الاجتماعي مذكّرة الجمهور بأن المستشفيات المجاورة بحاجة إلى الدم. وانتقلت الأخبار خلال دقائق من نشر الخبر على مواقع الفيسبوك والتويتر. ولم يحفّز ذلك الناس وينجح في الحصول على تبرعات كانت هناك حاجة ماسّة لها فحسب، وإنما أعطى الأفراد فرصة للقيام بعمل ما وتحقيق فرق ملموس.
كانت منظمة (Offer Joy) غير الحكومية وغير الدينية كذلك، من بين المؤسسات العديدة التي قررت القيام بعمل ما، وتقوم الآن بإعادة بناء المنازل التي تضررت من التفجير. ويشرح العضو في المنظمة بارك توربي قائلاً: «لم نستطع ببساطة النظر إلى ما حصل وعدم القيام بشيء حياله».
يتمثّل تركيزهم الرئيسي في تقديم الدعم إلى 51 أسرة تضرّرت من الكارثة. يعمل متطوعون شباب من جميع أنحاء لبنان، يمثّلون كل الطوائف على مدار الساعة، لإعادة بناء المنازل، حيث يضيف توربي: «جميعنا وطنيون متحمّسون». وتعتمد المنظمة في القيام بعملها على التبرعات وجهود المتطوعين فقط.
بالطبع، لم تكن جهود تقديم الدعم والمعونة فاعلةً فحسب، وإنّما شكّلت كذلك إلهاماً في بلد هو في أمسّ الحاجة إلى الأمل. فقد نظّم نادي الموسيقى في جامعة القديس يوسف في بيروت حفلة موسيقية لجمع الأموال لمساعدة الضحايا، وقدّمت المطاعم المحلية وجبات طعام، وعرض أفرادٌ وبشكل تلقائي استضافة الأسر التي تأثرت كثيراً.
وكما هو شائع في مواقف كهذه، أثبتت الشبكات الاجتماعية منهجيتها في تنظيم هذه الجهود، فقامت بنشر الخبر ودعوة المزيد من الناس إلى الانضمام إلى هذه القضية. كذلك ولدت حركة «الأشرفية للجميع» على شبكة «التويتر». وبدأت جملة التبرعات التلقائية عندما جمعت تينيا ناصيف، وهي صحافية وكاتبة سيناريو شابة، وصديقها ماريو غريب، قواهما وقرّرا القيام بعمل إيجابي فوراً بعد عملية التفجير: «نشعر بالغضب، وقد بدأنا من خلال التويتر بالتفكير فيما يمكن عمله لمساعدة الناس».
قاما عبر هاشتاغ Ashrafieh4all بإطلاق نداءٍ للتبرع بالطعام والملابس والمستلزمات الصحية وغيرها من المواد الأساسية التي يحتاجها الضحايا. وأرسلت التبرعات إلى مقهى تديره «نسوية»، وهي جماعةٌ نسوية لبنانية قدّمت مساحة لهذا الهدف، وتقول ناصيف: «خلال ليلة واحدة حضر العديد من الناس وأحضروا جبالاً من التبرعات، وسألوا ماذا أيضاً باستطاعتهم أن يفعلوا للمساعدة. كان الأمر مؤثرا».
خرج الناس بحثاً عن عائلات تأثرت وكانت تعيش مؤقتاً في فنادق أو عند أقارب لها، وقدّموا لهم أموراً أساسية كالطعام واللباس. الخطوة التالية سوف تكون مساعدة الذين أُجلوا عن بيوتهم في إيجاد مكان للعيش فيه، بينما تتم عملية إصلاح منازلهم. لذا تقوم «الأشرفية للجميع» بإعداد قوائم من الشقق المفروشة المتوفرة والتي يمكن تحمّل أجرتها لتيسير هذه العملية.
سئم اللبنانيون وتعبوا من العنف، ويشعر العديد منهم بالإحباط من تصرفات الفصائل السياسية المتناحرة. إثباتاً لذلك، وفي 26 أكتوبر، خرج نحو ألف لبناني في مسيرة في ذكرى الرجال والنساء والأطفال الذين قتلوا في عنف سياسي وطائفي في لبنان. تظهر مبادرات المجتمع المدني كهذه أن البديل ممكن بالتأكيد.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3713 - الإثنين 05 نوفمبر 2012م الموافق 20 ذي الحجة 1433هـ