العدد 3712 - الأحد 04 نوفمبر 2012م الموافق 19 ذي الحجة 1433هـ

الحرس الثوري يُودع أحمدي نجاد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إيران والأيديولوجيا. علاقة ليست عضوية. قد تتخيَّل أنهما متلازمان، لكنهما ليسا كذلك. ليس من الصحيح أبدًا أن يتمَّ تفسير الشأن الإيراني من خلفيات دينية أو عقائدية أو أيديولوجية. كلُّ الذين مخروا في شأنها ابتغاء فهمها وصلوا إلى نهاية الجدار، لأن الأثر ينقطع عن الأنف.

إيران بداخلها وخارجها كمٌّ غير محدود من التناقضات والعُقد. ومن هذه العُقد وضع الأوزان فيها، سواء أكان وزن الأشخاص أم المؤسسات. وربما بات التساؤل الملِح، عن الشخوص والمؤسسات في السنوات السبع الماضية؛ هو حول وضع الرئيس أحمدي نجاد ومؤسسة الرئاسة.

فالنظام الذي قاتَلَ وهو يدافع عن أحمدي نجاد، وتجرَّع أمرَّ كأس منذ الحرب مع العراق حينما وقعت أزمة «الفوز الرئاسي» في العام 2009، بعد اعتراض تحالف كروبي - موسوي على النتائج، بات اليوم (النظام) يقضم من الرئيس شيئًا فشيئًا، وكأنه يريد ألا ينتهي به الحال إلى خارج كرسي الرئاسة فقط؛ بل يريده مُفكَّكًا كتيار خطر داخل الدولة الإيرانية، أو على الأقل إضعافه بقوة.

قبل أيام، أدلى المستشار الأعلى لممثل المرشد في الحرس الثوري العميد يد الله جواني (وهو من الضباط النافذين في الحرس) بتصريح خطير؛ قال فيه: «إن السلطات الثلاث (التشريعية/ التنفيذية والقضائية) مطالبة بالحفاظ على الوحدة، وعدم الانشغال بالخلافات الجانبية؛ لأن الوحدة بين السلطات في ظروف الحرب الاقتصادية لها دور استراتيجي ومصيري» بالنسبة إلى إيران.

خطورة ذلك التصريح تكمن في أمريْن. الأول: هو أنه يعكس مدى تغوُّل الحرس في الشأن السياسي، حيث باتَ الأخير أكثر تماسًّا بالنسبة إلى السياسة الإيرانية الداخلية. فحين يُدلي أحد الجنرالات الكبار بتصريح «أبوي» كالذي ذكرناه، ويدعو فيه السلطات الثلاث ويُوجهها إلى أمرٍ مّا؛ فإن الموضوع يعني، أن المؤسسة العسكرية في الحرس باتت تلعب دورًا أكثر وضوحًا في الداخل.

يضاف إلى ذلك، أن التصريح المذكور، هو لا يتحدث فقط عن وحدة القرار وضروراتها، بل هو يتحدث عن الجانب الاقتصادي بشكل محوري، وكأن قوات الحرس الثوري، هي ذات وشيجة قوية بالخارطة الاقتصادية لإيران. وربما يعكس ذلك حقيقة التمدد الأفقي للقطاعات الاقتصادية التابعة إلى الحرس، والتي باتت تصل إلى عمليات التنقيب عن النفط ومناجم الماس والذهب في يزد.

نقطة أخرى يمكن استحضارها وقراءتها من ذلك التصريح للجنرال الباسدراني، وهي أن مؤسسة الحرس الثوري، تريد أن تبعث برسالة إلى المسطرة الحزبية والسياسية في الداخل الإيراني؛ مفادها أن وحدة القرار الثلاثي في النظام السياسي الإيراني باتت مهدَّدة بفعل السياسات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس أحمدي نجاد، والمتعلقة بمسائل الدعم والعملة، والتي تلقى تعارضًا من البرلمان، ومن هيئات دستورية أخرى في الدولة كمجمع تشخيص مصلحة النظام.

وهم بذلك يريدون أن يؤكدوا (أي الحرس الثوري)، أن أحمدي نجاد (الذي سيُخرِجه الدستور أوتوماتيكيّاً من حلبة التنافس بسبب استنفاده دورتيْن رئاسيتيْن) وتياره «التعميري» لا يمكن أن يلِجَا الانتخابات ويحققا فوزًا كاسحًا أو مريحًا كما في العاميْن 2005 و 2009، وبالتالي؛ فإن النظام لن يتجانس مع هكذا أفراد أو تيار يريدان أن يتموضعا على خارطة إيران الانتخابية للعام 2013.

وربما يُربَط بهذا التصريح ما قاله مسئول الجنرال جواني، وهو ممثل المرشد الأعلى في الحرس الثوري حجة الإسلام علي سعيدي، عندما قال: «نادمًا» لصحيفة «اعتماد» الإيرانية «أقرُّ بأنني ساندت نجاد سابقًا، لكننا لم ندرك بشكل دقيق ما يدور في ذهنه، أو ما يريد فعله مستقبلاً، وهو يستخدم الآن شعارات مختلفة عن تلك التي كان يستخدمها سابقًا». انتهى التصريح.

هذان الأمران أصبحا واضحين الآن في إيران. نفوذ الحرس في السياسة، وإزاحتهم التدريجي لأحمدي نجاد وتياره. وربما جاء هذا التحوُّل التدريجي في موقف الحرس، والذي أصبح لاحقًا ككرة الثلج، منذ أن ساند نجاد صديقه المقرَّب اسفنديار رحيم مشائي في مسألة تعيينه نائبًا أولاً له، ثم قراره بعزل وزير الاستخبارات حيدر مصلحي. وهما القراران اللذان لم يفلح في تمريرهما ألبتة.

نجاد أراد أن يغازل مؤسسة الحرس بتعيينات هنا وهناك، ليس آخرها توزير رجل الحرس القوي الجنرال رستم قاسمي في حكومته وإسناد حقيبة النفط إليه، إلاَّ أن الحرس أدرك الحركة الالتفافية من الرئيس؛ فعاجله بسحب بساط التأييد منه علنًا. وعلى رغم أن موعد الانتخابات الرئاسية بقِيَ على استحقاقه سبعة أشهر ونصف الشهر؛ فإن ملامح المرحلة المقبلة قد بانَ جزءٌ منها.

وقد يدفع مثل هذا التعارض ما بين الحرس ويمين اليمين في إيران، إلى إعادة ترتيب التحالفات الحزبية في إيران من جديد. فلإحداث توازن سياسي؛ فقد يتراجع المحافظون خطوة إلى الخلف، ويفسحون المجال لمجاميع إصلاحية معتدلة بالتقدم خطوة إلى الأمام، لخلق ركيزة سياسية جديدة، يغيب فيها التطرف اليميني، كما غاب التطرف اليساري (الإسلامي) قبل ثلاثة أعوام.

لكن الأكيد؛ أن الرئيس القادم لإيران سيكون محاكيًا لأوضاع المنطقة الملتهبة سواء في التغييرات التي أحدثها الربيع العربي، أو تضعضع الجبهة السورية، وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين. بمعنى أن عمل الرئاسة سيكون ذا علاقة وثيقة بالعمل العسكري والاستخباراتي، الذي ستفرضه الظروف المتصاعدة إقليميّاً وعالميّاً، بما فيها العقوبات الاقتصادية المغلَّظة على إيران، والتلويح المستمر بضربة عسكرية إسرائيلية محتملة على المنشئات النووية الإيرانية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3712 - الأحد 04 نوفمبر 2012م الموافق 19 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 6:46 ص

      اكتب في مشاكلك

      ويش يمنعك ان تكتب وتحلل في مشاكل بلدك والا بياض ناصع

    • زائر 18 | 6:10 ص

      انتخاب

      على الاقل هم ينتخبون رئيسهم ونجاد ماقصر جزاه الله خير رجل

    • زائر 17 | 6:00 ص

      رب ارجعوني,,,,,,,,,شكرا للمعلق أ علي نور,,

      التحليل المزاجي وأخذ الأمور على ظواهرها, والعسعسة في ما تضمر القلوب وافتقار الكاتب لمواضيع مهمة جدا جدا, قد يجعل من الجمهور الأكبر يشمئز من هكذا تحليلات, في حين أن هذه الأقلام نفسها يمكنها أن تتناول الواقع بحرفية بدل الخيال, وأن تقدم للناس إيجابيات بدل اللاإيجابيات,,,صحيح أن التعبير عن الرأي والفكر مكفول ومطلوب, ولكن لا يمكن أن ننتقي من هناك ونترك ما هنا !!? هل انتهت القضايا المهمة والكبيرة والمصيرية?? أم أنها الازدواجية الاتقائية?!

    • زائر 14 | 3:16 ص

      تحليل وتعليل منطقي راق

      شي جميل ان نري تحليل سياسي تفصيلي كهذا عن ايران علي يد كاتب بحريني علي صفحات جريدة بحرينية. والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا يكون لدينا هنا في البحرين او تحت مظلة مجلس النعاون مركز للدراسات الايرانية تستفيد من مؤهلات أفراد كالاستاذ محمد لديهم قدرة علمية علي التحليل الاستراتيجي الدقيق؟ الجميع يعلم ان ايران ليست دولة تحت حكومة واحدة بل ان هناك ما يشبه دويلات تحت دولة واحدة وكل جانب يطلق التصريحات التي تتوافق وتوجهاته مثل قادة الحرس الثوري ورجال الدين وأعضاء البرلمان والمسئولين في الأجهزة الاخري

    • زائر 13 | 2:54 ص

      علي نور

      انا اربا بك ايها الكاتب المحترم ان تلوث مقالاتك بالفاظ مثل ( تغول ) فهي تنقص من قيمة المقال ، وتصيب مصداقيه كاتبه في مقتل ، ونود منك ان تتحفنا بمقلات موضوعية مفيدة فقد اعتدنا منك ان تلازم مقالاتك الموضوعية في كل شي الا محطتين ايران وسوريا فانها تصاب بصداع و ياليتنا نحن نحدو حدو ايران بدل ان نندب حظنا في انتقادها ووصفها وكانها من دول التتار. اخيرا ...يحق للايراني ان يفخر بانجازات بلدهم في تجربتهم الديمقراطية والعلمية ويحق لنا نحن ان نفخر- فقط- بمقالات تصل الى جدار حيث ينقطع فياه الاثر عن الانف

    • زائر 15 زائر 13 | 4:29 ص

      ايها الموالي

      اذهب وعيش فيها ما الذي مانعك؟

    • زائر 12 | 2:41 ص

      علي نور

      في ايران من يتحكم في قرارها مجموعة مؤسسات دستورية ديمقراطية على درجة بالغة من التنظيم يتنقل القرار بين اروقتها ويفحص حتى ينضج ودليل ذلك التطور العلمي الهائل الذي وصلت اليه والذي لم يكن لتصل اليه لو ان فردا سواء كان رئيسا او مسوول هو – كما تقول – من يتحكم في مصيرها ، ان دولة يكون فيها قاضي في السلك القضائي يصدر قرارا بمنع رئيسها من دخول سجن من سجونها دليل واضح على ان كل مسوول فيها ياخذ حجمه بحجم منصبه وإن تمدد تصريحه وتوسع ليتجاوز حدود منصبه لكن يبقى القرار في النهاية لموسسات وليس لافراد . يتبع

    • زائر 11 | 2:32 ص

      علي نور

      كلُّ الذين مخروا في شأنها ابتغاء فهمها وصلوا إلى نهاية الجدار، لأن الأثر ينقطع عن الأنف. صحيح وانت كذلك انقطع –كالعادة- الاثر عن انفك، ايران ليست دولة عقد يتحكم في مصيرها كما صورت مجموعة افراد ، او كما قلت في مقالات سابقة ان الثلاثي لاريجاني يتحكم في مفاصل ايران ، ولو كانت كذلك لانتهى امرها ، ايران دولة ديمقراطية لها دستور يحترمه الكل فحينما يصرح العميد جواني ان على السلطات التعاون فهذا لا يخرج عن كونه تصريح (راي ) لمسوول في سلم الهرم السياسي او العسكري فقط وليس هناك من داع لتظخيم الامر يتبع

    • زائر 16 زائر 11 | 4:42 ص

      يا أخ علي نور

      يبدو انك كتبت تعليقك بسرعة وانفعال والدليل وجود الاخطاء الاملائية في بعض الاسطر. ليس دفاعا عن محمد فكلماته البليغة ومنطقه السلس والحجج الدامغة التي يدعم بها مقالاته لهي خير سلاح للرد ولاكني به اكبر من يلتفت الي هذا التهجم او ذاك. الاستاذ محمد يكتب في الشان العام وكل المواضيع بدون اجندة خاصة ومن حقه ان يدلي بدلوه وكفي الله المؤمنين شر القتال

    • زائر 10 | 2:23 ص

      الثابت والمتحرك في السياسة الايرانية

      معادات السياسة الأمريكية في المنطقة والاحتلال الاسرائيلي وسوريا وحزب الله وفلسطين من ثوابت السياسة الايرانية سواء كان الرئيس من المحافظين أو الاصلاحيين
      وما دون ذلك فكله قابل للتغيير والمرونة

    • زائر 9 | 2:11 ص

      مريمي

      رايي الشخصي اتمنى لاحمدي نجاد البقاء في حكم الرئاسه للابد لان انجازاته احسن من سبقوه واخذ الملفات العالقه لمستوى عظيم هو ابن بار لايران ومخلص لمواطنيه ومتواضع .

    • زائر 8 | 1:41 ص

      الفرق بين شعوب تحترم نفسها وتحافظ على كرامتها وشعوب بلا كرامة

      مهما قيل ويقال فالشعب الايراني شعب يحترم نفسه ويحافظ على كرامته ولا يقبل الاذلال والاملاء عليه من احد. من يأتي ومن يذهب فإن اصول الثورة متجذرة والبلد وان حوصر لكنه سوف يخرج من هذه الملمّأت قويا.
      فالصعاب تخلق الاجيال القوية

    • زائر 7 | 1:28 ص

      مقال شيق

      مقال شيق وعام لما يجري هناك ومختلف عما يكتبه الذين مع او ضد ،،،،،،، أحسنتم

    • زائر 5 | 12:27 ص

      حقاني

      شحواال ؟!

    • زائر 3 | 11:47 م

      هذه هي السياسة

      نعم كلام منطقي وهذه هي السياسة قد نتفق يوما لاننا في دائرة واسعة ونختلف عندما تضيق الدائرة

    • زائر 2 | 10:55 م

      نجاد افضل من غيره بكثير

      اعتقد ان الرئيس الايراني الحالي افضل مما سبقه بكثير وهو الذي دفع بايران الى الامام خصوصا في المجال النووي

    • زائر 23 زائر 2 | 2:10 م

      قديمه

      مشروع الإيراني النواوي من زمن ملكمه محمد رضا بهلوي وهي مسيره كل حاكم يكمل الي ان اكتمل في وجوده لكنه ليس من صنعه فقط اسرائيل واتباعها عملو حوله ضجه إعلاميه أقراء الاحداث حتى تعرف يراد منه لتمرير اجنداتهم اسرائيل

    • زائر 1 | 10:54 م

      نقد

      مقال شيق ومفيد رغم النقد الشديد الذي فيه لنجاد

اقرأ ايضاً