العدد 3712 - الأحد 04 نوفمبر 2012م الموافق 19 ذي الحجة 1433هـ

المثقف باعتباره عسكراً!

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

طوال عقود من الزمان؛ كان المثقفون قادة رأيٍ على خصامٍ مع السلطة التي حاولت جاهدةً أن تقصي وتحارب من استعصى منهم على الاحتضان، وتقرب من استعصوا على حمل رسالة الشعوب.

في الربيع العربي بدا الأمر مختلفاً نوعاً مَّا؛ إذ بات المثقف جزءاً من الجوقة التي توارت خلف ستار السلطة؛ إما بصمته كما حدث في بدايات بعض التحركات، وإما بسبابه وشتائمه ومساواته في الدماء بين القاتل والضحية، وإما باشتراكه في القتل والتعذيب!

المثقف هذه المرة بدا هزيلاً، خاوياً، منساقاً وراء أهواء السلطة التي طالما انتقدها وقرَّعها وتمنى زوالها كلما وجدها تمعن في سحق شعوبها ونهب حقوقهم ونشر ثقافة التجهيل والتعتيم الإعلامي والمعرفي. بدا عارياً إلا من أحلامه التي أرادها محققة فوق جثث المكافحين من أبناء أرضه، وهو ما تجلّى في بعض بلدان الثورات التي انتهز فيها بعضهم موجة التغيير واغتال اسمه بقبوله منصباً يعرف أنه إلى زوال ليحرق ورقته إلى الأبد، بعد أن أحرقتها السلطة التي استغلت جشعه، ثم يعتذر بخجل عما فعل، حين لا يجدي الاعتذار، فيما لا يُعْتَبَر الخجل دليلاً على المعرفة بالذنب، إنما هو خوفٌ من الصورة التي اهتزت وما ستتلوها هذه الاهتزازة من تبعاتٍ لن تجلب له إلا العار والخزي.

في بعض بلدان الربيع العربي؛ بات المثقف هذا شرطيّاً فاق بعسكريته جميع الرتب العسكرية حتى صار المُخْبِر، ووكيل النيابة، والمُعَذِّب، وشاهد الزور، ومصور كرسي الاعتراف الذي لطخه دم الضحية من زملائه من المثقفين أحياناً من الذين أبوا أن يكونوا دمية بيد أحد.

ليس فيلماً دراميّاً هذا الذي كُتِبَ أعلاه، بل هو واقعٌ عاشه المثقف «اليساري السابق»، في بعض البلدان ليكون يمينيّاً أكثر من السلطة، علّه يأخذ كتاب ترقيةٍ أو منصبٍ بيمينه يوماً جزاء ما فعل!

بعض مثقفي بلدان الربيع العربي، التزموا الصمت طوال فترة الحراك الأولى في بلدانهم، وهو ما حدث في البحرين على سبيل المثال؛ حين ظنوا أن هذا الحراك سيقود إلى تغييرٍ قريبٍ يجعل أحلام التجمعات السرية التي انتموا إليها في فترات سابقة حقيقة بتحقق العدالة التي كانوا ينشدون، ولكن سرعان ما تغيرت لهجاتهم وبدأت أقلامهم تشحذ أنيابها ونصالها، وأصواتهم تجرح الفضاء الحر كلما صرحوا بما ليس في مقامهم وما لا يليق بتاريخهم النضالي والفكري والقيادي، فعلوا ذلك ما إن وجدوا أن القبضة الأمنية هي المسيطرة، وأن هذا الحراك سيطول أمده، فذهب قسمٌ آخر من هؤلاء المثقفين إلى ما هو أبعد من الكلام على رغم قوة أذى ذلك الكلام، إذ رقصوا فرحاً على جراح أصدقائهم أمام زملائهم وصفقوا بانتظار ضحيتهم التالية، بل آثر بعضهم إلا أن يكون واحداً من لجان التعذيب والتحقيق والحكم، فيما أخذ بعضهم دور المصور العسكري والمخرج الأمني ليصور اعترافات انتزعت تحت التعذيب في غرف مظلمة مليئة بآهات الألم.

لم يعد لسارتر صوت لدى بعض عقول المثقفين ومواقفهم حين قال: «إن أولى مهام المثقفين هي إزعاج السلطة» لأنهم حاربوا من أجل سجن الحرية ولبس جلد الشاة بعد أن خلعوا عقولهم، فهل سيعي هؤلاء يوماً أن دوام الحال من المحال؟!

ومضة:

«حرروا الحرية والحرية تقوم بالباقي» فيكتور هيوجو

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3712 - الأحد 04 نوفمبر 2012م الموافق 19 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:27 ص

      القلم الحر النزيه

      القلم الحر النزيه لا تحركه العواصف سواء مالت شمالا ام يمينا يبقى شامخا كالجبل الاشم لا تغريه المغريات وان هدد او اوقف عن العمل كما حدث لاستاذنا منصور الجمري يبقى على مبادئه التي وظف قلمه الحر الشريف لها لان الكلمة موقف سوف يتغنى بها الاجيال والشعب سواء كانت له ام عليه فهل ننصف الكلمة يا كتاب لانها مسؤلية

اقرأ ايضاً