العدد 3712 - الأحد 04 نوفمبر 2012م الموافق 19 ذي الحجة 1433هـ

إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الحديثة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

برزت على الساحة نقاشات بشأن مفهوم الدولة، إذ إنه وعلى رغم مرور نحو مئة عام من تشكل كثير من دول المنطقة بصورة حديثة، وعلى رغم امتلاك هذه الدول علَماً ونشيداً وطنياً، وحدوداً جغرافية واضحة، وجيشاً، ومؤسسات أخرى، فإننا نشهد حالياً هرولة سريعة إلى الوراء نحو تشكيلات وانتماءات وهويات أقل من مستوى الوطن. ولذا فقد أصبح الانتماء إلى الطائفة أو القبيلة أو الإثنية ينافس الانتماء إلى الدولة الوطنية بمفهومها الحديث، بل إن الخطاب السياسي شبه الرسمي في كثير من الدول تخلى فعلياً عن التوجه إلى المواطن، وهو يتوجه حالياً إلى مخاطبة الانتماءات الطائفية والقبلية والإثنية.

الدولة القوية (سواء كانت الحديثة أو القديمة) تحتاج إلى طبقة سياسية يتغلب فيها الانتماء للنظام السياسي على أي انتماء آخر. ولذا فإنه في العهود الإسلامية السابقة اعتمد عدد من الدول القوية على «المماليك» مثلاً، وذلك لأن المملوك ليس له انتماء عائلي، وبالتالي لا يعرف في حياته سوى «الدولة العلية» أو «السلطنة». ولكن المماليك أنفسهم عندما استقووا لاحقاً أصبحوا هم الطبقة النافذة في الدولة ولجأوا إلى تكوين عائلاتهم، وذلك تأثراً بمحيطهم المباشر... وعندما تمكنوا من السيطرة على الحكم، قاموا بتوريث السلطة لأبنائهم، وبعد ذلك أصابهم الضعف وتهرأت دولهم، لأن انتماءهم الأسري أصبح أهم من انتمائهم للنظام السياسي.

حزب البعث كان من أشد الداعين إلى إقامة الدولة الحديثة القوية، ووصل إلى الحكم قبل عدة عقود في بلدين عربيين مهمين جداً (العراق وسورية)، وقد عمد الحزب، مثلاً، عند وصوله إلى الحكم في العراق في ستينات القرن الماضي إلى إزالة أسماء العوائل من المسئولين وغير المسئولين، وذلك كمحاولة لتقليد الدول الأوروبية الحديثة التي لا تجد فيها انتماءات أسرية ما بين أفراد الطبقة الحاكمة. ولكن سرعان ما تبين للجميع أن مسئولي الحزب والدولة خاضعون للانتماءات الأسرية أولاً، تماماً كما هو حال الأنظمة التقليدية التي لا تدَّعي لنفسها الحداثة.

الربيع العربي بدأ كصرخة شبابية ضد ضياع الأمة تحت سلطة تأخذ شكل الحداثة كغطاء للتخلف والاستبداد والاستغلال والفساد الذي حوَّل الشعوب العربية إلى قطيع من الأغنام. ومع اشتداد الأحداث والمخاضات في المنطقة وجدت أنظمة أن الانتماء للوطن لا يجدي نفعاً، وبالتالي فإنها تدفع بقوة نحو استثارة الانتماءات القبلية والطائفية والإثنية من أجل مواجهة المد المطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان... ما يعني أننا ننفتح على حوار آخر يتصل بأهمية إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الحديثة، جنباً إلى جنب مع إعادة الاعتبار للمجتمع بصفته مصدراً لشرعية الدولة.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 3712 - الأحد 04 نوفمبر 2012م الموافق 19 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 7:36 ص

      شكر للقسم الرياضي

      شكرا على الصفحات التحليلية لمباريات دوري أبطال أوروبا
      صارت ألحين أفضل بالتكشلات اللي اليوم سويتونها
      ولا ننسى ايضا تحليل الدوريات الاوروبية جميل أيضا
      يعني يكون تحليل بسبط وبشكل أفضل
      وياليت اتكون المسابقات المحلية وخصوصا القدم مثل كذي
      بمعنى لا يكون كلام واجد مثل ما نشوف حاليا

    • زائر 10 | 3:07 ص

      علي نور

      برزت على الساحة نقاشات بشأن مفهوم الدولة، اين تلك النقاشات يا دكتور منصور خبرنا عنها علنا نستفيد ، ثانيا يا دكتور ، .. البلد تدمر وانتون المثقفين توكم في مرحلة البرزو ، طيب الى متى النقاشات بتظل في مرحلة البروز...
      البلد يحتاج الى ناس مخلصين واول شي يجب عمله ان يتحفنا المثقفين بسكوتهم لان ذلك اجدى وانفع للناس

    • زائر 9 | 1:54 ص

      المفهوم مضنون والضن إثم

      غياب مضمون الدولة قد لا يعني أن مفهومها صحيح، فالمعنى ليس في المفهوم وانما في المضمون.
      فعندما يغيب معلوم المعنى متى ما غاب المضمون لحضور إجتماع مفهوم بديل غير أصلي وإنما تجاري. فظواهر مثل تعدد الزوجات والمفاهيم لا يعني الا غياب المعنى ومضمونه. فالمفاهيم شكل من أشكال الصور الذهنية متعددة الوسائط حسب وجهة نظرة كل إنسان. بينما الدولة وشكلها ومعناها ثوابت لا تتغير بمفهوم أو بمرسوم لا شكل له في الدستور.
      فهل تفشى وانتشار أوضاع الضمادات الغير سعيدة سيعيد إعتبار للدولة كيانها ومعناها الأصلي؟

    • زائر 8 | 1:20 ص

      لن نتقدم وفينا من يتقوقع ويتراجع للوراء كلما تقدم العالم خطوة للامام

      هناك من يناضل من اجل ان تتراجع الاوطان وتقوقع كلما تقدم العالم في مساحات العلم والحرية والكرامة الانسانية فنرى في هذه الشعوب العربية من يقف عائقا اما كل تقدم.
      وفي وطننا بالذات البحرين رأينا العجب العجاب كلهم اقرّ بالفساد والوضع المزري ولكنهم لم يقرّوا بضرورة التغيير لأنهم المستفيد الاول من بقاء الاوضاع على ما هي عليه. وهؤلاء هم المطية التي يركب عليها الآخرون لتختزل مصالح الامة في أفراد قلائل وكأن هؤلاء الآلهة المنزّلة من السماء لهم الحق في كل شيء ولا عليهم
      حقا في شيء

    • زائر 7 | 11:49 م

      لا جديد تحت الشمس

      دكتور هذه التشكيلات و الإنتماءات و العنصرية و الطائفية موجودة لدينا منذ القدم لكن ما حدث في 2011 انها زادت بمقدار كبير و برزت للأعمى قبل البصير.

    • زائر 6 | 11:32 م

      الكثير من العبر في التاريخ

      الإمام علي (ع): ما أكثر العبر و أقل الإعتبار.

      في النهاية إهدار لثروة الوطن و ضياع سنين بدون تنمية.

    • زائر 5 | 10:15 م

      ماثبت اخيرا الزج بالقوة على انها طائفية

      للحفاظ على الكرسي عند البعض زج الوطن والمواطنين على انهم في مشكلة وهو ليس كذالك.

    • زائر 4 | 9:39 م

      ابن ادم

      انا ابن ادم وانت يا وزير ابن ادم

اقرأ ايضاً