تعتبر مبادئ نورمبرغ، مبادئ أساسية دخلت القانون الدولي منذ أن حوكم القادة النازيون فيها بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك حاليّاً حركة عالمية تدعو إلى اعتماد هذه المبادئ بصورة دائمة من خلال المحكمة الجنائية الدولية وذلك لمحاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب والانتهاكات الإنسانية في أي مكان في العالم.
لقد شهد العام 1935 تنامي قوة النظام النازي في ألمانيا؛ فانعكس ذلك تصاعداً في السياسات المناوئة لليهود. وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه؛ صدرت قوانين نورمبرغ العنصرية لتكرس تدني وضع اليهود القانوني من خلال وسيلتين، الأولى إلغاء المساواة في الحقوق المدنية التي نالها اليهود في الحقبة المعروفة في تاريخ أوروبا بعصر التحرر، والثانية إضفاء صبغة الشرعية على المبادئ العنصرية. وكانت محصلة تلك القوانين فصل اليهود عن سائر السكان، بحيث أصبح للألمان خالصي النسب وحدهم حق المواطنة في ألمانيا وباتت لهم وحدهم حقوق سياسية. وفي العام 1938 تم تصعيد الحملات والهجمات على اليهود من قبل مختلف المنظمات والمؤسسات النازية من خلال «تطهير» ألمانيا من كل من لا ينتمي إلى العنصر الآري. وصدر مرسوم بإلزام اليهود بتسجيل ممتلكاتهم وذلك تسهيلاً لمصادرتها.
تلك كانت قوانين نورمبرغ التي كانت تمارس ابان حقبة النازية، وبسبب تلك القوانين والممارسات اللإنسانية؛ انبثقت مبادئ نورمبرغ التي أصبحت إرشادات وضعت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة عناصر بارزة في الحزب النازي؛ وذلك تحت إطار ما يسمى بجريمة حرب.
وتعتبر المحكمة الجنائية الدولية اليوم امتداداً لمبادئ نورمبرغ، إذ يجرى التمهيد لتطبيق هذه المبادئ لمحسابة منتهكي حقوق الإنسان بسبب الحروب أو بسبب الأزمات الداخلية الناتجة عن الاضطهاد والتعذيب والتمييز والاستبداد، وهي ممارسات نشهدها في المنطقة العربية في ظل استمرار سياسات الإفلات من العقاب وضعف المؤسسات الحالية عن ردع منتهكي حقوق الإنسان.
المحكمة الجنائية الدولية تسعى إلى وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقاب، وهذه المحكمة من المفترض أن تمارس دورها القضائي في حال لم تبدِ المحاكم الوطنية رغبتها أو كانت غير قادرة على التحقيق في قضايا الانتهاكات الخطيرة، وهناك اشتراطات لكي تتحرك القضية في المحكمة، بأن تكون الدولة التي وقعت فيها الانتهاكات قد صدقت على ميثاق المحكمة، أو أن يصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي يطلب من المحكمة النظر في قضية مَّا. وتقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو/ تموز 2002، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ.
إن المحكمة الجنائية الدولية هي أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية، وبزمن غير محدد، لمحاكمة مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان وجرائم الإبادة. وقد بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 121 دولة حتى 1 يوليو 2012 في الذكرى السنوية العاشرة لتأسيس المحكمة، وهناك أربع دول عربية؛ هي: جزر القمر، جيبوتي، الأردن وتونس، اعتمدت ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، والسبب في ذلك هو أن الدول الأوروبية تربط مساعداتها للدول الأخرى (مثل الأردن، جيبوتي وجزر القمر) باعتماد تلك الدول ميثاق روما الذي تقوم عليه المحكمة الجنائية الدولية، كما أن تونس بعد سقوط الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي انضمت إلى المحكمة في عهد الربيع العربي.
إن معظم الدول العربية لم تنضم الى المحكمة، وهي ليست الوحيدة في ذلك، وإنما هناك الصين والهند وأميركا وروسيا، التي تمتنع عن المصادقة على ميثاق المحكمة، وذلك لأسباب متعددة. غير أن المهم حاليّاً هو أن حركة حقوق الإنسان العالمية تضغط باتجاه تنفيذ مبادئ نورمبرغ بشكل منهجي، ثم إن هناك أيضاً مجلس الأمن الدولي الذي يستطيع في أي وقت إصدار قرار يطلب فيه من المحكمة الدولية النظر في قضية معينة أو محاكمة مسئول في دولة، حتى لو لم تكن تلك الدولة قد اعتمدت ميثاق المحكمة الجنائية الدولية.
ومن المهم الإشارة إلى تطورات موازية تدعم تطبيق العدالة ضد منتهكي الحقوق، من أهم تلك التطورات؛ أن بعض المحاكم الجنائية في عدد من الدول الأوروبية؛ بدأت تنظر في قضايا التعذيب في أي مكان في العالم، بمعنى أن أية جهة لديها إثباتات ضد من يمارس التعذيب، وأن هذه الجهة لم تتمكن من مقاضاة ذلك الشخص؛ فإنه بالإمكان تسجيل القضية في بعض الدول الأوروبية (مثل بلجيكا وبريطانيا). وبحسب قوانين وطنية صدرت في عدد من الدول الأوروبية؛ فإن «جريمة التعذيب» يمكن تسجيلها حتى لو لم تحدث في ذلك البلد، وحتى لو كان مرتكبها وضحيتها ليست لهما علاقة بذلك البلد. والمنطلق الذي اعتمدته هذه المحاكم هو أن التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون الدولي وأنها غير مقبولة تحت أي عذر كان.
هناك أيضاً مجلس حقوق الإنسان التابع إلى الأمم المتحدة، الذي ينظر إلى قضايا حقوق الانسان في كل دولة بحسب المراجعة الدورية الشاملة، أو بحسب عقد جلسات خاصة بدولة معينة (وهي الأخطر في حال انعقادها)، وتعتبر كل هذه المراجعات الدورية والخاصة داعماً أساسيّاً لمنع منتهكي حقوق الإنسان من الإفلات من العقاب. وحتى لو كانت لجنة حقوق الإنسان بطيئة في عملها الا أنها تؤسس لمتابعات دولية مختلفة.
وإذا أخذنا كل هذه التطورات في الاعتبار؛ فإن ما نشهده حاليّاً هو عهد جديد تنفتح عليه الإنسانية، وهو عهد يرفض الإفلات من العقاب لأي شخص مهما كان، إذا كان هذا الشخص ينتهك حقوق الإنسان، وصحيح أن المسيرة طويلة ومعقدة، ولكن الجهود حثيثة ومستمرة، وخلف هذه الجهود حركة حقوق الإنسان العالمية لن يهدأ لها بال مادام هناك منتهكون لحقوق الإنسان في أي مكان في العالم.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3711 - السبت 03 نوفمبر 2012م الموافق 18 ذي الحجة 1433هـ
مبادئ حقوق الإنسان ولإفلات من العقاب
صدام كان أحد اكبر منتهكي حقوق الإنسان\r\n في العالم لأكثر من 3. عقود ولامم المتحدة لم تتخذ أي إجراء صارم بالرغم تجاوز الحدود وأفرط في إنتهاك حقوق البشر في باده وشنه حربين مدمرتين أحرقت اليابس والخضر ولم نرى جرجرته في المحاكم إلا بعد قتل وشرد الملايين من البشر،كل هذا كان بفضل من دعمه تحت مسمى القومية التي جلبت لينا الويلات!
نحتاج الى مزيد من تنوير الشعب
هذه المواضيع لها اهمية في تثقيف وتنوير الشعب للإطلاع على اهم الامور التي هي بإستطاعته وفي يدية القدرة التي تحمية من انتهاك حقوقه وكيفية الاجراءات وما الى ذلك لاجل استردادها
مساهمات جديرة بالاهتمام
بداية , ما احوجنا الى المزيد من المساهمات التثقيفيه لمبادى حقوق الانسان والياتها , وهذا الموضوع الشيق والمفيد نحن بامس الحاجة اليه , لما يمر به بلدنا من انتكاسات ومقابر لحقوق الانسان وجرائم تصل للابادة .. مساهماتك ايتها الاستاذة فى تنوير الراى العام بحقوق الانسان جديرة بالاهتمام
البعض يريد للبحرين ان تقبع في العصور الوسطى دون الاعتبار بسنة الحياة
سنة الحياة هي التطور والتقدم وهذا ما شهده العالم وخاصة في الدول المتطورة التي تخلصت من حكم الافراد ولكن بعض الدول تصر على بقائها في خانة اللّا تغيير الى الابد والاعجب ممن يعجبه هذا الوضع ويرى انه افضل الموجود