العدد 3708 - الأربعاء 31 أكتوبر 2012م الموافق 15 ذي الحجة 1433هـ

سؤالٌ لا يُربِحُ جوابُه المليون!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لن تربح المليون عندما تجيب عن هذا السؤال. بل ولا يحتاج أصلاً إلى أن يُلوِّحَ به لك أَحدٌ كي تتحفز للإجابة عليه. والسبب، أن آلاف الملايين من الدولارات قد ضاعت بسببه، ولم يفد ذلك شيئًا في أن يأتي أحدٌ بجواب عليه. فكل شيء يتضمن مغزى فقط إذا استطعت أن تجده، كما قال لويس كارول.

ماذا يعني غدًا، الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني لكل عربي ومسلم؟ بل وماذا يعني ذلك اليوم، بالنسبة إلى العالَم الحر كما يُراد أن يُسمَّى ويُنعَت؟ كثير من المناسبات، ضُرِبَ لها يومٌ من أيام العام لكي يتذكرها الناس ويتندروا بها ويجترحوا لها إجابات ما استطاعوا، فأصبح هناك اليوم العالمي للفقر واليوم العالمي للمعلِّم والطفل والمرأة ومحو الأمية والسلام والمسنين والصحة النفسية وغيرها وغيرها!

أرجع إلى التاريخ المزبور. فقبل خمسة وتسعين عامًا، وفي الثاني من نوفمبر، أرسل وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور خطابًا إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيه إلى تأييد وتعهد الحكومة البريطانية، لإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، نظرًا إلى ما قاساه اليهود من مآس عبر تاريخيهم الطويل، وهو الخطاب الذي عُرِفَ باسم وعد بلفور. إنه يوم مشئوم وكريه بحق.

شؤم ذلك اليوم وكرهنا له؛ يكمن في أنه بمثابة الذنب الموروث. فلولاه لما وقعت كل هذه المآسي والويلات على العالم العربي منذ ستين عامًا (وأكثر)، ولما أصبح هناك جرح مفتوح لم يندمل بعد، ولما شَهِدَ العالم، وشاهدت الإنسانية جمعاء، مذبحة بلدة الشيخ في العام (1947 – 600 شهيد) ولا مذبحة قرية سعسع بعدها بعام. ولما شاهدوا مذبحة دير ياسين (1948 – 360 شهيداً) ولا مذبحة قرية أبو شوشة (1948 – 50 شهيداً) ولا مذبحة اللد (1948 - 426 شهيداً)، ولما وقعت مذبحة قبية (1953 – 67 شهيداً) ولا مذبحة قرية قلقيلية (1956 – 70 شهيداً) ولا مذبحة كفر قاسم (1956 – 49 شهيداً) ولا خان يونس (1956 - 625 شهيداً) و لا مذبحة قريتي البعنة ودير الأسد، ولا صبرا وشاتيلا ولا عيون قارة ومذبحتَيْ المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وغيرها كثر.

ولولا ذلك الوعد المشئوم لما رأينا مستوطنات أدوراه وأورانيت وعيلي زاهاف وتسوفين والفي ميناشي والون شيفوت والموج وعلمون وارجمان وارييل واسفار وافناي حيفيتس وباراكان وبيت اري وبيت هارافا وبيت حورون وبنيامين بكعوت وبيتار عيليت وبترونوت ناحال وبراخا ودوليب ودوران و115 مستوطنة أخرى، أقيمت على أخصب المزارع في أرض فلسطين والجولان، وعلى بيوت عربية لايزال أصحابها يحتفظون بمفاتيح منازلهم وسَكَنِهِم لحد الساعة.

ولولا ذلك الوعد الغادر، لما استشهد خمسون ألف فلسطيني، ولما اعتقل زهاء ثمانمئة ألف فلسطيني منذ النكبة وحتى العام 2010، ولما رأينا 4.7 ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات. ولما رأينا حرب الثمانية وأربعين، ولا حرب السابع من يونيو/ حزيران، ولا حرب تشرين، ولا احتلال سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية. ولما شهدنا احتلال إسرائيل لجنوب لبنان، ودخولها بيروت، ولا سياسة تكسير العظام ولا حرب لبنان الثانية ولا حرب الرصاص المسكوب، ولا بقية الاعتداءات الأخرى.

اليوم لايزال العقل مصدومًا من حجم الجرم وفداحته. شعب بكامله أزِيْل ليأتي غريبٌ مكانه. أرض بكاملها يتم اقتطاعها بجرَّة قلم خطَّها مَنْ لا يملكونها أصلاً! إنه أمرٌ مهول. علينا أن نتصوره بتجرد وتأمل لنتخيَّل المشهد. عندما يتنازع اثنان على حافة زقاق بين بيتيهما، تتداول المحاكم أمرهما، ويأتي المحامون ببراهينهم وأدلتهم، وتتداوَل القضية في درجات مختلفة من التقاضي لكي لا يضيع حق أحد. لكن، أن تنهَب أرض فلسطين كاملة وبكيلومتراتها الستة والعشرين وألفًا وتسعمئة وتسعين، ثم يُنسَى الأمر وكأن الشيء لم يكن أصلاً فهذه مهزلة بالحقوق وبالعدالة.

إذا كانت حكومة البيض العنصرية في جنوب إفريقيا قد تهاوت، واعتذرت استراليا إلى سكان القارة الأصليين، وإذا كان الفرنسيون قد اعترفوا بجرائم السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول بحق الجزائريين، فمتى يعترف البريطانيون بخطئهم الجسيم بحق فلسطين ويبادروا إلى تصحيح الأمور بجدية؟!

مثلما حمَّل العالم الحر (كما يُسمَّى) ألمانيا مسئولية الحرب الكونية الثانية (وكذلك الأولى) ووزر النازية وجرائمها، وجرَّعوها كأس التعويضات الواجبة لأوروبا والولايات المتحدة ولليهود المبادين في الأفران؛ فعلى بريطانيا أن تتحمَّل ما فعلته في فلسطين. فالأمر لا يسقط بالتقادم أبدًا.

هناك اتفاقيات دولية وثنائية لاتزال الدول والعالم يعمل بها منذ مئات السنين، ويستنّ بقوانينها إلى هذه الساعة كقوانين الحروب والاتفاقيات الدفاعية والحقوقية والدبلوماسية، ولم يقل أحد أنها سقطت بالتقادم، وبالتالي فما بال وعد بلفور، وقضية التشريع البريطاني الخاطئ لاحتلال فلسطين لا ينظر إليها بالمسطرة ذاتها؟! إنه خطأ تاريخي يجب أن يُصوَّب وبشكل عاجل.

المؤلم، أن الغرب لم يكتف بذلك الوعد فقط، بل إنه وقف طيلة سنوات الصراع العربي الإسرائيلي، لم يكن محايدًا ولا حتى حَكَمًا صالحًا للقسمة، بل كان نصيرًا بالكامل لإسرائيل وضد العرب، في الوقت الذي يعتاش فيه هو على نفطهم ومضايقهم المائية وتسهيلات أرضهم وودائعهم التريليونية في بنوكه. لم يكن أبدًا منصفًا معهم لا في الحرب ولا في السِّلم حتى.

لقد قال الغرب للعرب لا تحاربوا، وجرِّبوا السلام، لكن، ماذا حصل؟ منذ أوسلو في العام 1993 وحتى الآن لم تنته المأساة. قالوا لحماس شاركي في العملية الديمقراطية، ولتؤمني بالحل السياسي. دَخَلَت حماس في المشروع السياسي وفازت في الانتخابات، إلاَّ أن الأسرة الإمبريالية لم يعجبها هذا الفوز الديمقراطي ففرضت عليها العقوبات وقالت بحقها التأثيمات! إنها مهزلة.

ماتَ بلفور بعد وعده (1917) بثلاث عشرة سنة (1930) وخلَّف وراءه مأساة لا تنتهي. وعلى رغم أنه وُلِدَ في أهم حقبة عرفتها البشرية لنيل حريتها وهو العام 1848 ثم عاش عمره وهو يحملق في الأمم الأوروبية وهي تبني دولتها وقوميتها وعلومها وصرحها، إلاَّ أنه لم يُرِدْ للعرب أن يكونوا كذلك. فتبّاً لهذا الوعد، وحق لنا أن نسمِّي الثاني من نوفمبر بأنه اليوم العالمي لاغتصاب فلسطين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3708 - الأربعاء 31 أكتوبر 2012م الموافق 15 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:06 ص

      { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ }

      حم الله والديك فلقد نسينا او لنقل تناسينا وعد بلفور المشؤم ولكن لن تضيع فلسطين ما دام هناك شعب جبار كالشعب الفلسطيني الذي رغم الظلم التاريخي الواقع عليه لم يستسلم وسترجع فلسطين الي اهلها ولو يعد حين فما ضاع حق وراءه مطالب.

    • زائر 2 | 2:28 ص

      مقال رائع

      وخاتمة أروع

    • زائر 1 | 10:24 م

      اي مليون

      ماتبرح المصرف المركزي سؤال في الصميم محد يعرف الاجابه !!!

اقرأ ايضاً